روايات موجعة من خيام رفح
لم يكن نازحو مخيم تل السلطان برفح يعرفون أنهم كانوا أمواتا مؤجلين قبل ليلة السابع والعشرين من مايو/أيار.
ففي وقت متأخر من ليل الأحد، أغارت الطائرات الإسرائيلية على مخيم افترض سكانه أنهم في منطقة “آمنة” تقع بحي تل السلطان غربي مدينة رفح، ما أسفر عن مقتل 45 شخصا وفقا لوزارة الصحة في القطاع، لتحول تلك الليلة إلى أكثر مشاهد الحرب “رعبا”.
وأثارت الغارة الجوية الإسرائيلية القاتلة، موجة إدانات عربية ودولية واسعة النطاق.
“تآكلت الوجوه واختفت الملامح”
في تقرير وصف شهود عيان لصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، مشاهد مروعة من الكارثة، إذ اجتاحت النيران المخيم “فاحترق الآباء أحياء في خيامهم، في حين كان الأطفال يصرخون طلبا للمساعدة”.
وروى الأطباء أنهم يكافحون من أجل علاج الجروح البشعة الناجمة عن الشظايا مع تضاؤل الإمدادات الطبية.
ومنذ اندلاع الحرب على قطاع غزة، فرّ إلى مدينة رفح الحدودية مع مصر، أكثر من مليون شخص، إذ كانت الملاذ الأخير لهم قبل أن تبدأ إسرائيل هجومها على المدينة في الأول من الشهر الجاري.
محمد الحيلة (35 عاما) كان متوجها لشراء بعض السلع من بائع محلي عندما شاهد وميضا ضخما أعقبه نيران، وركض نحو المكان يبحث عن أقاربه.
الحيلة الذي نزح من وسط غزة، روى لصحيفة “واشنطن بوست” عبر الهاتف: “شعرت وكأن جسدي يتجمد من الخوف”.
وقال: “رأيت ألسنة اللهب تتصاعد، وجثثا متفحمة، وأشخاصا يركضون من كل مكان، وأصوات النجدة تعلو.. كنا عاجزين عن إنقاذهم”.
فقد محمد الحيلة سبعة من أقاربه في الهجوم بينهم أربعة أطفال. فيما كان أكبرهم يبلغ من العمر 70 عاما.
وأضاف: “لم نتمكن من التعرف عليهم حتى صباح اليوم بسبب جثثهم المتفحمة.. تآكلت الوجوه واختفت الملامح تماماً”.
أطفال بلا رؤوس
أحمد الرحال، 30 عاما، لا يزال يسمع الصراخ الذي كان يعلو في سماء المخيم.
وقال أحمد، وهو نازح من الشمال، إنه كان وعائلته يستعدون للنوم عندما سمعوا عدة انفجارات كبيرة. اهتزت خيمتهم، فسيطر الارتباك الجماعي على المخيم.
وتابع “لم يكن أحد يعرف ماذا يفعل.. هرع إلينا الأطفال الذين كانوا مع ذويهم في تلك الخيام، طالبين منا إنقاذ الذين كانوا يحترقون”.
كان لدى أحمد طفاية حريق فهرع للمساعدة، لكنه لم يكن يعرف ماذا يفعل لمساعدة الناس و”هم يحترقون”.
“كان حولي جثث مقطعة، وجثث متفحمة، وأطفال بلا رؤوس، وجثث وكأنها ذابت”، يتابع أحمد في سرد المشاهد المروعة.
لم يكن هناك ماء لإطفاء الحريق الذي التهم الخيم القماشية والبلاستيكية. ناهيك عن عبوات الغاز المستخدمة في الطهي التي انفجرت بفعل النيران.
ويتابع أحمد: “رأيت بأم عيني شخصا يحترق ويصرخ طلبا للمساعدة ولم أتمكن من إنقاذ حياته”.
وقصة أخرى
محمد أبوشهمة (45 عاما) ذهب لتفقد عائلته الكبيرة عندما سمع أن الحريق ينتشر.
كانت خيمة أخيه وهو أب لعشرة أطفال، تبعد نحو ربع ميل عن أسوأ ما في “المجزرة”، لكنه وجده وابنة أخته فلسطين، البالغة من العمر 3 سنوات، قد فارقوا الحياة.
نتنياهو يعلق
وفي خطاب أمام البرلمان، أمس الإثنين، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الهجوم على رفح بأنه “حادث مأساوي”، في تصريح مثّل خروجا عن التصريحات الصادرة عن الجيش، التي كانت قد أشارت في السابق إلى غارة استهدفت مجمعا تابعا لحماس باستخدام “ذخائر دقيقة” و”معلومات استخباراتية”.
وقال الجيش الإسرائيلي إن مسلحين اثنين قتلا في الهجوم، بمن في ذلك قائد عمليات حماس في الضفة الغربية. وفي وقت لاحق أعلن أن الحادث قيد التحقيق.
والكارثة تفجع أمريكا
متحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، تحدث لصحيفة “واشنطن بوست” شريطة عدم الكشف عن هويته، واصفا الصور الواردة من رفح بأنها “مفجعة”.
وقال المتحدث: “لإسرائيل الحق في ملاحقة حماس، ولكن يجب عليها اتخاذ كل الاحتياطات الممكنة لحماية المدنيين”.