احتلال غزة ينذر بسيناريوهات قاتمة وتدهور إنساني خطير
قال مسؤولون أمريكيون وعرب ودبلوماسيون ومحللون إن إسرائيل تدخل في مخاطرة تنطوي على مواجهة تمرد طويل ودموي إذا ألحقت الهزيمة بحركة حماس واحتلت قطاع غزة دون خطة ذات مصداقية للانسحاب والمضي قدما نحو إقامة دولة فلسطينية في فترة ما بعد الحرب.
وذكر مسؤولان أميركيان وأربعة مسؤولين من المنطقة وأربعة دبلوماسيين مطلعين على المناقشات إن كل الأفكار التي طرحتها إسرائيل والولايات المتحدة ودول عربية حتى الآن لإدارة مرحلة ما بعد الحرب في غزة، لم تحظ بتأييد على نطاق واسع، ما يثير المخاوف من أن الجيش الإسرائيلي قد يُستنزف في عملية أمنية طويلة الأمد.
وبينما تحكم إسرائيل سيطرتها على شمال غزة، يرى بعض المسؤولين في واشنطن والعواصم العربية أن إسرائيل تتجاهل الدروس المستفادة من الغزو الأميركي للعراق وأفغانستان عندما أعقبت الانتصارات العسكرية السريعة سنوات من العنف والتطرف.
ويقول دبلوماسيون ومسؤولون إنه إذا تمت الإطاحة بالحكومة التي تديرها حماس في غزة ودُمرت بنيتها التحتية واقتصادها، فقد تؤدي نزعة أصولية متطرفة بين السكان الغاضبين إلى انتفاضة تستهدف القوات الإسرائيلية في شوارع القطاع الضيقة.
وتتفق إسرائيل والولايات المتحدة وعدد من الدول العربية على ضرورة الإطاحة بحماس بعد هجومها على جنوب إسرائيل لكن لا يوجد إجماع على بديل يحل محلها.
وقالت الدول العربية وحلفاؤها في الغرب إن السلطة الفلسطينية، التي تحكم أجزاء من الضفة الغربية، هي المرشح الطبيعي للعب دور أكبر في غزة البالغ عدد سكانها حوالي 2.3 مليون نسمة.
لكن مصداقية السلطة، التي تديرها حركة فتح بزعامة الرئيس محمود عباس (87 عاما)، لحق بها الضرر الشديد بسبب خسارتها السيطرة على غزة لصالح حماس في صراع عام 2007 وبسبب فشلها في وقف انتشار المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية واتهامها بالفساد وعدم الكفاءة.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مطلع الأسبوع إن السلطة الفلسطينية بشكلها الحالي لا يجب أن تتولى مسؤولية غزة. وذكر أن الجيش هو القوة الوحيدة القادرة على القضاء على حماس وضمان عدم عودة الإرهاب. وأصر مسؤولون إسرائيليون عقب تصريحات نتنياهو على أن الدولة العبرية لا تنوي احتلال قطاع غزة.
وقال محمد دحلان، الذي كان مسؤولا أمنيا في غزة حتى فقدت السلطة الفلسطينية السيطرة على القطاع لصالح حماس واقتُرح اسمه لتولي حكومة ما بعد الحرب هناك إن إسرائيل مخطئة إذا اعتقدت أن تشديد سيطرتها على غزة من شأنه أن ينهي الصراع.
وأضاف دحلان من مكتبه في أبوظبي حيث يعيش الآن أن إسرائيل “هي قوة احتلال وسيتعامل معها الشعب الفلسطيني على أنها قوة احتلال”، مضيفا أن قادة حماس ومقاتليها لن يستسلموا بل سيفضلون تفجير أنفسهم على الاستسلام.
وأشار إلى غياب التصور لمستقبل غزة عند كل من إسرائيل والولايات المتحدة والمجتمع الدولي، داعيا إسرائيل إلى وقف الحرب والبدء في محادثات جدية حول حل الدولتين.
وحذر الرئيس الأميركي جو بايدن نتنياهو الأربعاء من أن احتلال غزة سيكون “خطأ كبيرا”. ويقول دبلوماسيون إن الولايات المتحدة وحلفاءها لا يرون حتى الآن أي خارطة طريق واضحة المعالم من إسرائيل بشأن استراتيجية الخروج من غزة باستثناء الهدف المعلن المتمثل في القضاء على حماس. ويضغط المسؤولون الأميركيون على إسرائيل من أجل تقديم أهداف واقعية وعرض خطة لكيفية تحقيقها.
وتقول الأمم المتحدة والهلال الأحمر إن العملية التي شنتها إسرائيل في غزة ردا على هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول أدت إلى مقتل أكثر من 11 ألف شخص حتى الآن وتشريد أكثر من مليون.
وبينما يصر بعض المسؤولين الأميركيين على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، فإنهم يشعرون بالقلق من أن ارتفاع عدد القتلى المدنيين قد يؤدي إلى تطرف المزيد من الفلسطينيين ويدفع مقاتلين جددا إلى أحضان حماس أو جماعات مسلحة ستظهر لتحل محلها في المستقبل، وفقا لمصدر مطلع على عملية صنع السياسات الأميركية.
وقال أكثر من 12 من سكان غزة أجرت رويترز مقابلات معهم إن الغزو الإسرائيلي يولد جيلا جديدا من المسلحين وذكر أبومحمد (37 عاما) وهو موظف حكومي في مخيم جباليا للاجئين أنه يفضل الموت على الاحتلال الإسرائيلي.
وتابع “أنا لست عضوا في حماس لكن في أيام الحرب كلنا شعب واحد وإذا قضوا على المقاتلين فسنحمل البنادق ونقاتل… قد يحتل الإسرائيليون غزة، لكنهم لن يشعروا أبدا بالأمان، ولا ليوم واحد”.
وقال مسؤولان أميركيان تحدثا شريطة عدم نشر اسميهما إن مناقشات الولايات المتحدة مع السلطة الفلسطينية وأطراف فلسطينية أخرى وحلفاء مثل مصر والأردن والإمارات والسعودية وقطر عن خطة لما بعد الحرب في غزة لا تزال في مراحلها المبكرة.
وذكر مسؤول أميركي كبير “من المؤكد أننا لم نصل بعد إلى مرحلة بذل أي جهد لترويج هذه الرؤية لشركائنا الإقليميين الذين سيتعايشون معها في النهاية وينفذونها”.
وبينما أصر بايدن على ضرورة أن تنتهي الحرب “برؤية” لحل الدولتين، الذي سيجعل من قطاع غزة والضفة الغربية دولة فلسطينية، لم يقدم هو أو كبار مساعديه أي تفاصيل عن طريقة تحقيق ذلك ولم يقترحوا حتى استئناف المحادثات.
ويرى بعض الخبراء أن أي جهد لإحياء المفاوضات هو أمر بعيد المنال، لأسباب من بينها على وجه الخصوص الحالة المعنوية السيئة للإسرائيليين والفلسطينيين.
وقال جوناثان بانيكوف، وهو مسؤول كبير سابق في المخابرات الأميركية متخصص في شؤون الشرق الأوسط ويعمل حاليا في مؤسسة “المجلس الأطلسي” البحثية “من المآسي العديدة للهجوم الإرهابي الذي نفذته حماس أنه قوض القضية الفلسطينية بشكل أساسي وتسبب في انتكاسة فيما يتعلق بمسعى إقامة دولة مستقلة ذات سيادة”.
ووفقا لمصدر مطلع، قد يتخذ بايدن قرارا بشأن مبادرة أكثر تواضعا يمكن أن تشمل مسارا لاستئناف المفاوضات في نهاية المطاف. ويدرك مساعدو بايدن أن نتنياهو وحكومته الائتلافية اليمينية المتطرفة، التي ترفض فكرة إقامة دولة فلسطينية، ليس لديهما رغبة كبيرة في استئناف المحادثات.
وبينما يسعى بايدن لإعادة انتخابه رئيسا العام المقبل، قد يتردد في خسارة الناخبين المؤيدين لإسرائيل الذين سيرون أنه يضغط على نتنياهو لتقديم تنازلات للفلسطينيين.
وأوضح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في خطاب ألقاه الأسبوع الماضي في طوكيو خطوط واشنطن الحمراء في غزة، قائلا إن الإدارة تعارض التهجير القسري للفلسطينيين من القطاع، أو أي تقليص لمساحته، أو احتلاله أو فرض إسرائيل حصارا عليه. وقال أيضا إن غزة لا يمكن أن تصبح منصة للإرهاب.
وذكر بلينكن مرارا أن واشنطن ترغب في رؤية السلطة الفلسطينية بعد تنشيطها تدير قطاع غزة في نهاية المطاف بشكل موحد مع الضفة الغربية.
وتضاءلت مصداقية السلطة الفلسطينية في عهد عباس، الذي يديرها منذ عام 2005، مع انحسار الأمل في مسار يقود إلى تحقيق حل الدولتين المنصوص عليه في اتفاقيات أوسلو للسلام عام 1993.
ويقول مسؤولون أميركيون إن هذه الآليات تحتاج إلى تغيير. وصرح بعض الدبلوماسيين بأن تغيير القيادة داخل السلطة الفلسطينية قد يكون ممكنا مع بقاء عباس في منصب شرفي. وقال دبلوماسي أوروبي كبير إن هناك خطوة أخرى قيد المناقشة وهي منح السلطة الفلسطينية دورا رئيسيا في توزيع المساعدات في فترة ما بعد الحرب في غزة لإحياء شرعيتها.
وردا على سؤال عن هذه المناقشات، قال مسؤول كبير في السلطة الفلسطينية إن عودة السلطة إلى غزة هي السيناريو الوحيد المقبول وسيُناقَش مع الولايات المتحدة وقوى غربية أخرى. ورفض التعليق على اقتراح تولى دحلان أو غيره قيادة حكومة فلسطينية.
وقال بعض من كبار المسؤولين الفلسطينيين، ومن بينهم رئيس الوزراء محمد أشتية، إن السلطة الفلسطينية لن تعود إلى حكم غزة على ظهر الدبابات الإسرائيلية.
وذكر دبلوماسيون أن شركاء غربيين وبعض دول الشرق الأوسط تقدموا باقتراح لتشكيل إدارة انتقالية من التكنوقراط في غزة لمدة عامين تكون مدعومة من الأمم المتحدة وقوات عربية، لكنهم قالوا إن هناك مقاومة من حكومات عربية رئيسية، مثل الحكومة المصرية، خوفا من الانجرار إلى ما تعتبره مستنقع غزة.
وتخشى القوى الإقليمية من أن تضطر أي قوات عربية تنتشر في غزة إلى استخدام القوة ضد الفلسطينيين ولا ترغب أي دولة عربية في وضع جيشها في هذا الموقف.
ورغم أن عباس لا يحظى بشعبية كبيرة بين العديد من الفلسطينيين، لا يوجد اتفاق على من سيحل محله في المستقبل ومن المرجح أن يحظى دحلان بقبول مصر وإسرائيل لكن رغم عمله بشكل وثيق مع الولايات المتحدة خلال فترة توليه مسؤولية الأمن في غزة، قال مصدر أميركي إن واشنطن سيكون لديها بعض الشكوك بشأن عودته إلى السلطة. فهناك عداء طويل الأمد بينه وبين عباس ودائرة المسؤولين الداخلية في السلطة الفلسطينية ومع أنصار حماس أيضا.
وقال مسؤول إماراتي إن أبوظبي ستدعم أي ترتيبات لمرحلة ما بعد الحرب تتفق عليها جميع أطراف الصراع وتدعمها الأمم المتحدة لاستعادة الاستقرار وتحقيق حل الدولتين.
ويحظى مروان البرغوثي، وهو أحد قادة فتح المسجون في إسرائيل منذ عام 2002 بتهمة القتل، بشعبية كبيرة بين العديد من الفلسطينيين، لكن البعض في واشنطن يعتبره اقتراحا غير عملي لأن الحكومة الإسرائيلية لن ترغب في إطلاق سراح شخص تتهمه بأن “يديه ملطختان بالدماء”.
وقال مسؤول أميركي إن اختيار زعيم لغزة سيكون معقدا لأن كل لاعب إقليمي لديه شخصياته المفضلة ومصالحه الخاصة. وستدعم الولايات المتحدة في نهاية المطاف أي زعيم يحظى بتأييد الشعب الفلسطيني والحلفاء في المنطقة بالإضافة إلى إسرائيل.
وذكر جوست آر.هلترمان مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية “من الواضح أن هناك حاجة ماسة إلى تجديد شباب القيادة الفلسطينية، لكن الدخول في غمار ذلك مرة أخرى أمر صعب للغاية”.
وقال إن الدول العربية يمكنها استخدام حق النقض (الفيتو) ضد أي مرشح لا يعجبهم، وستفوز حماس، التي تصور نفسها على أنها قائدة النضال من أجل الاستقلال الفلسطيني، في أي انتخابات على الأرجح. وهناك مخاطر كبيرة من احتمال امتداد الصراع إلى الضفة الغربية المحتلة وإلى خارج إسرائيل.
ويقول مسؤولون ودبلوماسيون عرب، إنه لم يظهر مثل هذا القدر من القلق من انتشار العمل العسكري في أنحاء الشرق الأوسط منذ الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003.
ومهما كانت قرارات بايدن الدبلوماسية، يقول مساعدوه إنه ليس لديه مصلحة في جر الولايات المتحدة إلى دور عسكري مباشر في الصراع، ما لم تهدد إيران أو وكلاؤها الإقليميون المصالح الأمنية الأميركية.
وقال جون كيربي المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض للصحفيين هذا الشهر “لا توجد خطط أو نوايا لنشر قوات عسكرية أميركية على الأرض في غزة، سواء الآن أو في المستقبل”.