ليبيا.. أزمة الشرعية تعمق الانقسام العربي
أرخت الأزمة الليبية بظلال ثقيلة على اجتماع على مستوى وزارء الخارجية العرب كانت قد دعت له حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها وسط مقاطعة واسعة بسبب نزاع على الشرعية بين حكومتين.
حكومة عبدالحميد الدبيبة التي تسيطر على غرب ليبيا وحكومة فتحي باشاغا التي نالت منذ العام الماضي ثقة مجلس النواب وتتخذ من سرت مقرا مؤقتا لها بعد أن رفض الدبيبة تسليمها السلطة وفشلت في دخول طرابلس بالقوة لتولي مهامها.
وامتد الانقسام في ليبيا ليشمل الدول العربية التي تتخذ مواقف متناقضة من أزمة الشرعية حيث تدعم بعضها حكومة الدبيبة. بينما تدعم أخرى حكومة باشاغا، في حين يعني حضور بعض وزراء الخارجية العرب للاجتماع التشاوري في طرابلس اعترافا بحكومة الوحدة الوطنية وهو ما يرغب فيه الدبيبة بشدة في إطار بحثه عن حزام دعم عربي وإقليمي، إلا أن ذلك يعمق أيضا الخلافات الداخلية ويحول دون حلحلة الأزمة.
وقاطعت دول عربية عديدة الاجتماع. حيث أوفدت خمس دول فقط من أصل 22 بلدا عضوا في جامعة الدول العربية وزراءها واقتصر الحضور على وزراء خارجية تونس والجزائر والسودان وقطر وسلطنة عمان وفلسطين وجزر القمر وغاب عنه الأمين العام للجامعة أحمد أبوالغيط.
وغابت مصر والسعودية والإمارات بشكل كامل عن الاجتماع التمهيدي لاجتماع آخر سيعقده وزراء خارجية الدول العربية في القاهرة وخفضت أربع دول أخرى مستوى تمثيلها إلى مستوى وزراء الدولة.
ودعت وزيرة الخارجية بحكومة الوحدة الليبية نجلاء المنقوش الدول العربية إلى دعم جهود الأمم المتحدة لإجراء الانتخابات المأمولة لإنهاء المراحل الانتقالية في بلادها سلميا. مستنكرة ما أسمته “ابتداع أمانة الجامعة العربية شرطا غير موجود في الميثاق واللوائح وغير مسبوق وهو أن تؤكد 14 دولة عربية حضورها كتابيا”، متهمة إياها بمحاولة تعطيل الاجتماع في ليبيا.
وأشارت إلى أنه “سبق لقطر استضافة اجتماع تشاوري في يونيو 2021 ولاحقا استضافته الكويت وبعد ذلك بيروت”، مؤكدة “إصرار ليبيا على ممارسة حقوقها الكاملة في جامعة الدول العربية التي ندفع فيها مساهماتنا الكاملة ولا نعترف بأن يكون هناك تمييز بين أعضائها من جهة الحقوق والواجبات”.
وانتقدت بشدة “محاولات البعض كسر إرادة الليبيين لتحويل التضامن العربي إلى حقيقة” في إشارة إلى مصر التي تدعم حكومة باشاغا بزعم أن مجلس النواب هو “الجهة التشريعية المنتخبة والمعبرة عن الشعب الليبي والمنوط به سنّ القوانين ومنح الشرعية للسلطة التنفيذية”.
وأكدت القاهرة في مناسبات سابقة أن حكومة الوحدة الليبية فقدت صلاحياتها بانتهاء ولايتها ولا يحق لها توقيع أي اتفاقيات أو مذكرات تفاهم دولية.
وشدّدت المنقوش على أن ليبيا التي تتولى الرئاسة الدورية للجامعة “مصممة على لعب دورها بالكامل داخل جامعة الدول العربية وترفض تسييس المواثيق التأسيسية للجامعة”، مضيفة أن “التضامن العربي اليوم هو آخر فرصة لأمتنا لإيجاد طريقة أمل قد تنعش فرص استعادة النظام العربي الرسمي لثقة شعوبنا والاتجاه بها إلى التنمية والتفاهم والوحدة بدلا عن الفرقة والتضييق علي مصالح شعوبنا المشتركة لأسباب سياسية تمزق أمتنا العربية”.
وقالت إن “السردية التي ندعوكم اليوم إلى أن تطلعوا على تفاصيلها من خلال حضوركم وزيارة طرابلس ليست تلك السردية السلبية التي تحاول تنميط الحالة الليبية علي أنها حالة حرب مستمرة”، مضيفة “لا تصدقوا تلك القصص السلبية المرعبة التي تصف طرابلس بأنها أرض حروب ودمار في محاولة لتكرار رسم الصور السوداوية والسلبية التي رسمت لعقود لعواصم عربية أخرى عانت محن ودمار وحروب وتعقيدات سياسية”.
وكان رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح قد تحدث مؤخرا عن جهود متقدمة لحلحلة الأزمة السياسية وتحقيق توافقات مع المجلس الأعلى للدولة بشأن موعد إجراء الانتخابات أو فيما يتعلق بالوثيقة الدستورية، لكن رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة جدد رفضه لإرساء سلطة عسكرية في إشارة إلى موقفه الرافض لترشح عسكريين للانتخابات الرئاسية وهو موقف سيؤدي إلى تعقيد الوضع في ليبيا مجددا.
وأعرب صالح عن “التطلع إلى إجراء الانتخابات العامة في أي وقت وأنه يجري حاليا الاتفاق على القوانين المنظمة للعملية الانتخابية”، مؤكدا أن “الليبيين يحتاجون إلى سلطة تنفيذية ويجب وضع مصلحة الليبيين فوق كل اعتبار” وذكر أنه “بعد التوافق بين مجلسي النواب والأعلى للدولة الليبيين ستجرى الانتخابات قبل شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، في ظل حاجة العملية الانتخابية للتجهيز بتوعية المواطنين بأهميتها وقبول نتائجها”.
وتأتي هذه التوافقات الأولية نتيجة ضغط من قوى دولية وكذلك من المبعوث الأممي إلى ليبيا عبدالله باتيلي الذي هدد باللجوء الى “الآليات البديلة” في حال فشل التوافق بين المجلسين.
وأكد رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي خالد المشري استمرار الخلاف مع مجلس النواب حول شروط الترشح للانتخابات الرئاسية وخاصة فيما يتعلق بمزدوجي الجنسية، لافتا إلى أنه اتفق مع صالح على إحالة هذا الخلاف إلى القوانين الانتخابية التي ستعد من قبل مجلسي الدولة والنواب، متوقعا أن “يستمر الخلاف بين المجلسين حول القوانين أيضا”.
وأوضح أن “المجلسين يريدان إنجاز بقية القوانين الانتخابية الأخرى لأن فيها مشاكل مثل توزيع المقاعد وغيرها”.
وغرقت ليبيا في الفوضى بعد سقوط نظام معمر القذافي عام 2011 وانتشر عدد كبير من الجماعات المسلحة والمرتزقة الأجانب في كافة أنحاء البلاد على وقع تدخل أجنبي من جانب دول عربية وكذلك تركيا وروسيا ودول غربية.
ض