لم تتوافق نتائج الانتخابات النصفية للكونغرس الأمريكي مع استطلاعات الرأي التي رجحت نصرا كاسحا للجمهوريين، وهزيمة مدوية للديمقراطيين.
فالمد الأحمر الذي جرى الحديث عنه بكثافة قبل الانتخابات تحول إلى ما يشبه السراب، خاصة بعد حصول الديمقراطيين على الأغلبية في مجلس الشيوخ، وهو ما دفع بالرئيس بايدن إلى تنفس الصعداء، وتوجيه رسالة من موقع المنتصر للجمهوريين بالقول (إنه حان الوقت للجمهوريين ليقرروا من هم).
واقع الأمر، تشي نتائج الانتخابات النصفية للكونغرس بأنها وضعت الجمهوريين أمام أزمة داخلية في مسيرتهم إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2024، ومعها بدأ الحزب الجمهوري أمام استحقاقات داخلية لن تكون سهلة للرئيس السابق، دونالد ترامب، الذي ينوي الترشح لها، إذ إن النتيجة الداخلية الأبرز للجمهوريين هي ظهور منافسين أقوياء لترامب، في المقدمة منهم، حاكم ولاية فلوريدا، رون دي سانتس، الذي ينافسه في شعبويته، وربما يتفوق عليه، وكذلك صعود نجم أكبر معارضيه ومنتقديه في الحزب الجمهوري، بريان كامب، حاكم ولاية جورجيا، إلا أنه رغم كل ما سبق، فإن ترامب لن يتخلى عن الترامبية السياسية التي طغت خلال حكمه، وباتت مسارا لسياسته وشخصيته، إذ يواصل حشد أنصاره تطلعا للعودة إلى سدة البيت الأبيض في الانتخابات الرئاسية المقبلة، لكن في جميع الأحوال بروز منافسين أقوياء له في صفوف الحزب الجمهوري سيجعل من عودته صعبة، خاصة أن الانتخابات التمهيدية داخل الحزب لن تكون سهلة له في ظل وجود هؤلاء المنافسين الذين قد يرون في ترامب مشكلة أمامهم في الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو ما قد يدفع بقواعد الجمهوريين إلى الانقسام والتشتت، ولعل هذا ما يفسر الحديث عن تصاعد المطالبة بتغيير قيادة الحزب، والاتهامات المتبادلة بين أقطابه، فيما يصرخ ترامب في وجه الجميع.
في الضفة المقابلة، دفع احتفاظ الديمقراطيين بالأغلبية في مجلس الشيوخ بالرئيس بايدن إلى الاحتفاء بالنتائج، والتعبير عن سعادته، والإعلان بأنه ربما يترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة، لكنه يدرك في قرار نفسه أن فوز الجمهوريين بمجلس النواب سيصعب من مهامه في سدة الرئاسة خلال السنتين المتبقيتين من ولايته. وإذ ما حقق الجمهوريون الأغلبية في جولة الإعادة للمقاعد المتبقية فإن ذلك سيزيد من الأعباء أمام سياسته.
كما أن ذلك ربما يضعها أمام مسار غير واضح إزاء القضايا التي تشكل أولوية لها حاليا، لاسيما تجاه الأزمة الأوكرانية، ومسألة تايوان، والصراع مع الصين، حيث ينسب الجمهوريون أسباب تصاعد المعاناة الحياتية في بلادهم إلى انشغال الإدارة الديمقراطية بهذه القضايا، وتخصيص أموال ومساعدات عسكرية ضخمة لها على حساب معيشة المواطن الأمريكي، في وقت ترتفع فيه الأسعار عالميا على وقع حرب الطاقة بفعل تداعيات الأزمة الأوكرانية.
وانطلاقا من كل ما سبق تشكل نتائج الانتخابات النصفية للكونغرس مؤشرا على أن السياسة الخارجية الأمريكية تجاه هذه القضايا وغيرها ستبقى على حالها خلال الفترة المتبقية من ولاية بايدن. مع انقشاع غبار معركة الانتخابات النصفية للكونغرس الأمريكي، ثمة من يلخص النتائج بثلاث عبارات، الأولى أن النتائج لم تتوافق مع التوقعات المسبقة لطالما الديمقراطيون لم يتلقوا هزيمة واضحة، والجمهوريون لم يحققوا انتصارا واضحا يخولهم عرقلة أجندة بايدن.
والثانية، أن الخاسر الأكبر في هذه الانتخابات كان ترامب الذي كان يأمل بأن تكون النتائج بمثابة استفتاء بنعم قوية على إطلاق حملته الانتخابية للعودة إلى البيت الأبيض مجددا.
والثالثة والأسوأ من كل ما سبق أن يصبح ترامب مشكلة للجمهوريين، وخلافا داخليا في معركة منازلة الديمقراطيين في الانتخابات الرئاسية المقبلة.