كشف الرئيس التركي خارطة طريق لعقد قمة بين قادة تركيا وروسيا وسوريا، تسبقها لقاءات بين استخبارات الدول الثلاث ثم وزراء الدفاع والخارجية.
وقد رحبت موسكو بالقمة رسميا، بينما يظل الموقف السوري غير معروف، في مؤشر على استدارة تركية نحو التقارب مع دمشق، ومساع روسية لإنهاء الخلاف بين الطرفين.
ومن غير المنطقي أن يعلن الرئيس “أردوغان” عن الخطوة إلا بوجود اتصالات تنسيقية بين أطراف الخلاف، وأعتقد أن السبب الرئيسي وراء ترتيب العلاقات مع سوريا مرتبط بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية العام المقبل، إذ يبدو أن تركيا تراهن على نجاح التقارب مع سوريا عبر علاقتها مع القوى الدولية المرتبطة بالأزمة السورية، فمن جانب علاقتها وطيدة مع روسيا، ومن جانب آخر تنسيق مع الولايات المتحدة عبر حلف شمال الأطلسي “الناتو”، رغم دعم واشنطن لأكراد سوريا.
الموقف التركي ليس ببعيد عن تداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية، فتركيا تلعب دور الوسيط في نقل إمدادات الحبوب عبر البحر الأسود، لتخفيف نقص الغذاء العالمي، كما تعتبرها روسيا بوابة آمنة لنقل الغاز إلى أوروبا، بعد الهجمات التي أصابت أنابيب الغاز “نوردستريم 2” في بحر البلطيق، ما قد يدفع موسكو لرعاية تسوية سياسية بين تركيا وسوريا.
وتعتبر تركيا “حزب العمال الكردستاني” منظمة إرهابية، ما شكّل ذريعة لاستهداف المسلحين الأكراد في شمال شرق سوريا وشمال العراق.
وفي هذا السياق، أعتقد أن التصريحات التركية حول الإعداد لعملية عسكرية، تهدف للضغط على سوريا لقبول فتح صفحة جديدة، مشروطة بإقامة منطقة آمنة بعمق 32 كيلومترا في الشمال السوري، يُنقل إليها اللاجئون السوريون من تركيا، مقابل انسحاب قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، التابعة للأكراد.
ستسعى روسيا إلى مصالحة تركية-سورية تضع جدولا زمنيا لحل الأزمة السورية، بما يتناسب مع مصالح موسكو ورؤيتها حول دمشق والأكراد، ولا أعتقد أنها ستدعم خيار العمل العسكري التركي، بل على النقيض تريد ضمان وحدة الأراضي السورية، بهدف تأمين نفوذها في سوريا المطلة على “المتوسط”.
وعليه، تستطيع روسيا عبر إعادة التقارب التركي-السوري السيطرة على حلفاء الولايات المتحدة -الأكراد- في الشمال السوري، وضمان نتائج المصالحة قبل الانتخابات الرئاسية التركية، لقطع الطريق على احتمالية فوز المعارضة بالانتخابات، ما قد يهدد مصالح موسكو في معادلات الأزمة السورية.
شروط دمشق للمصالحة ستتضمن انسحاب تركيا من المناطق التي تسيطر عليها في الشمال السوري، فيما هناك ترقب سوري لنتائج الانتخابات المقبلة في تركيا، ما يفسر التأنّي وتأجيل القرار السياسي بشأن مفاوضات التقارب بين البلدين.
من جانبها، ربما لن ترحب الولايات المتحدة بالتقارب التركي السوري، لتعارُضه مع مسارات جينيف لحل أزمة سوريا، ومن الضروري إدراك الدعم الأمريكي للأكراد منذ عهد الرئيس الأسبق أوباما، لذلك من المتوقع أن ترفض إدارة بايدن توجهات تركيا لشن عملية عسكرية ضد الأكراد في الشمال السوري، والذين تُحمّلهم أنقرة مسؤولية العملية الإرهابية الأخيرة في إسطنبول.
لا شك أن معادلات الدول المعنية بالأزمة السورية متشابكة للغاية، ومرتبطة بالتغيرات الحاصلة في النظام الدولي، ومن زاوية إيجابية أرى أن مسار التقارب بين تركيا وسوريا مكمّل لمسارات التقارب العربي مع دمشق، ما يصب في صالح أمن المنطقة، كذلك فتحت أنقرة أبواب المفاوضات المستمرة مع موسكو وواشنطن حول سياستها الجديدة بشأن الملف السوري، أملا في الخروج بنتائج إيجابية تخدم صناديق الانتخاب العام المقبل.