ككل الجماعات الإرهابية عندما تُقهَر تبحث عن صدى لأعمالها الإرهابية.
فمن اختطافها سفينة “روابي”، التي تحمل علم الإمارات، إلى قصفها منشآت مدنية قبل أيام، وقبلها قصف منشآت مدنية أخرى في المملكة العربية السعودية، أكدت مليشيا الحوثي أنها جماعة إرهابية لا تأبه كثيرا لممارساتها، ولا للعواقب التي ستتعرض لها، وعليه لم تكن أعمالها الإرهابية هذه إلا صدى لهزائمها الأخيرة في شبوة والبيضا، وفشلها في اقتحام أسوار مأرب، وهي في رسائلها من هذا الاعتدء الإرهابي تريد توجيه رسالة للداخل الحوثي، مفادها أنها ما زالت قوية وقادرة على خلق الضجيج الإعلامي، الذي يبقيها على سدة المشهد اليمني المشتعل.
لقد تجاهلت مليشيا الحوثي كل دعوات التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، بقيادة السعودية، للجنوح نحو السلام، ووقف إطلاق النار، والتوجه نحو الشرعية عبر عملية سياسية تؤدي إلى استقرار اليمن وتحقيق السلام ومشاركة الجميع في الحكم، وهي في كل ما سبق، استندت إلى الدعم الإيراني اللا محدود، وإلى التساهل الدولي، لا سيما بعد أن رفعت إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، اسمها من لائحة التنظيمات الإرهابية -لأسباب أمريكية داخلية بالدرجة الأولى وليس لأن الحوثي تخلت عن الإرهاب أو لم تعد منظمة إرهابية- وعليه قامت حسابات مليشيا الحوثي على الإرهاب وحده لفرض سيطرتها على كامل اليمن عبر القتل والمجازر والتهجير، وتهديد أمن الإقليم لصالح المشروع الإيراني، وهو ما دفع بالتحالف العربي إلى تغيير حساباته، عبر قصف مكثف لمراكز ومخازن ومعسكرات ومقار الحوثي في العاصمة صنعاء، ومن ثم إطلاق عملية “إعصار الجنوب”، التي تُوجت بتحرير محافظات شبوة الثلاث على يد قوات العمالقة، التي أثبتت جدراتها على الأرض، وهو ما أسس لتلاحم بين قوى الشرعية في الشمال والجنوب لتحرير باقي مناطق اليمن، لا سيما ميناء “الحديدة”، الذي تحول إلى مركز إمداد للحوثي بالأسلحة من إيران.. أسلحة أغرت الحوثي أكثر فأكثر بالتمادي في استهداف السعودية والإمارات، على شكل رسائل صوتية لم تسفر عن تغيير في القواعد على الأرض، دون إدراك منها للعواقب ولمحددات المصالح والعلاقات بين الدول في منطقة جيوسياسة حيوية للأمن الإقليمي والدولي، وفي هذا السياق بالضبط ينبغي النظر إلى الاعتداء الإرهابي الحوثي الأخير ضد الإمارات، فيما الثابت أن دولة الإمارات تعرف كيف تجعل من هذا القصف ورقة استراتيجية في المعركة ضد إرهاب الحوثي، ليس أقلها إعادة الحوثي إلى قائمة المنظمات الإرهابية كما توحي بذلك الردود، التي انطلقت عقب اعتدائه الإرهابي الأخير.
التطورات الميدانية والدراماتكية والمتسارعة، التي أدت إلى تقهقر الحوثي في فترة قياسية مقارنة بالسنوات الطويلة، التي سيطرت فيها على مناطق واسعة من اليمن، تؤكد أن المعادلات تغيرت، إذ لم يعد باستطاعة مليشيا الحوثي استعادة زمام المبادرة، وهي في ظل تقهقرها لا تجد أمامها سوى تصعيد عملياتها الإرهابية، التي ستكون بمثابة النهاية الفعلية لها، فالتحالف العربي عازم على التقدم على الجبهات كافة، بعد الانتصارات الكبيرة التي تحققت، والعامل الدولي في ظل مفاوضات فيينا بشأن النووي الإيراني لم يعد لصالح استمرار الدعم الإيراني للحوثي إلى ما لا نهاية، وصدى الأعمال الإرهابية، التي تستهدف الأراضي السعودية والإماراتية، وضعت مليشيا الحوثي من جديد تحت دائرة التصنيف في لائحة المنظمات الإرهابية، وكل الجهود الدولية التي بُذلت لحل الأزمة اليمنية سلميا اصطدمت بإرهاب هذه المليشيا ورفضها لحياة سياسية طبيعية لا يمكن للدول الاستقرار دونها.
إنها خطيئة مليشيا الحوثي، التي باتت تضع نهاية لمصيرها بيدها، فسنوات السيطرة على المدن أثبتت عجزها عن إدارة الحياة السياسية، ولعل حنينها إلى العيش في الكهوف غريزة مستعصية لديها، حيث أثبتت السنوات الأخيرة أن هذه الغريزة أقوى لديها من كل السبل الحضارية، التي أنتجتها البشرية من أجل التعايش السلمي.