سياسة

المناخ.. المخاوف والأماني والإمكانيات

علي الصراف


التحذيرات التي يطلقها خبراء المناخ من تداعيات ارتفاع حرارة الأرض بسبب الزيادة المطردة في الغازات الدفيئة، ليست جديدة.

والأدلة عليها باتت غير قابلة للدحض. ولكن ما رأيك بالقول إن المخارج منها متاحة ومتداولة منذ عدة عقود؟

رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، قدم الواقعية على الأماني، بالقول إنه “لا قمة العشرين ولا مؤتمر الأمم المتحدة، للتغير المناخي، بمقدورهما وقف ظاهرة التغير المناخي. وإن أقصى ما يمكن فعله هو إبطاء ظاهرة الاحترار العالمي”. بل إنه حذر أيضا من “عصور مظلمة” ستأتي وأن “الحضارة يمكن أن تتخلف والتاريخ يمكن أن يسير في الاتجاه المعاكس”.

مع ذلك، فالحقيقة هي أن الحلول التقليدية موجودة، وسواء تأخرت الحلول الجديدة، مثل الرهان على تطوير إنتاج الطاقة الهيدروجينية، أم توفرت سريعا، فإن شيئا لا يمنع من الأخذ بكل ما هو معروف ومجرب.

الطاقة النووية ما تزال تبدو حلا مثاليا، وكان يمكن الأخذ به منذ ثلاثة عقود على الأقل.

في 6 أبريل من عام 1986 وقعت كارثة نووية في أحد مفاعلات تشيرنوبل للطاقة النووية في شمال أوكرانيا. وفي مارس من عام 2011 وقعت كارثة فوكوشيما بعد زلزال في اليابان. وأسفر هذان الحادثان عن حملة عداء شديدة ضد الطاقة النووية.

ولكن الحقيقة هي أن العالم من دون المفاعلات النووية، كان سيعاني من المرارات الاقتصادية، ومن تلوث البيئة ما كان سيجعل البشرية تقف بالفعل أمام “عصور مظلمة” منذ الآن، وليس كمجرد احتمال يمكن أن يحصل إذا ما فشلنا في تدارك الأسوأ.

والحقيقة هي أن إجراءات الأمان نفسها تطورت منذ هذين الحادثين إلى درجة أن تنصيبها، والتدقيق في فاعليتها، قبل بدء المفاعلات بالعمل، صارت بمفردها، صناعة قائمة بذاتها. كما توفرت الوسائل لبناء مفاعلات صغيرة الحجم أيضا.

ومهما يكن من أمر، فإن لدى الولايات المتحدة، بحسب تقرير “حالة الصناعة النووية في العالم” لعام 2019، 97 مفاعلا، وفرنسا 58 مفاعلا، والصين 47 مفاعلا، وروسيا 36 مفاعلا، وكوريا الجنوبية 23 مفاعلا، والهند 21 مفاعلا، وكندا 18 مفاعلا، وبريطانيا 15 مفاعلا.

وتقول الإحصاءات، على وجه الإجمال، إن هناك أكثر من 30 دولة حول العالم تُشغّل 450 من محطات الطاقة النووية لتوليد الكهرباء.

ولولا وجود هذه المفاعلات التي ينتج كل واحد منها أكثر من ألف ميجاوات في العام، فإن المناخ، بالاعتماد على الوقود الأحفوري لتغذية النشاط الاقتصادي المتزايد لخدمة 8 مليارات نسمة يعيشون على سطح هذا الكوكب، كان قد تعرض لكارثة لا راد لها، منذ عدة سنوات مضت.

الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقول إن “الطاقة النووية تتيح فرص الحصول على طاقة نظيفة وموثوقة وبأسعار معقولة، مما يخفّف من حدّة الآثار السلبية المترتبة على تغيّر المناخ”.

ومنذ عام 2007 على الأقل، وضعت الإمارات نصب العين بناء مفاعلات للطاقة النووية. واتخذت لدى بدء التنفيذ من إجراءات الأمان، والتدقيق، والتيقن، ما أصبح نموذجا يحتذى لكثير من دول العالم، وذلك قبل منح الأذون بتشغيل أول مفاعلاتها لإنتاج الطاقة الكهربائية في محطات “براكة” النووية.

وتقول مؤسسة الإمارات للطاقة النووية إن “حكومة دولة الإمارات درست خياراتٍ عدة للطاقة لتلبية احتياجاتها المستقبلية مثل النفط والغاز والفحم والمصادر المتجددة والطاقة النووية، ثم قيّمت هذه المصادر بناءً على تكاليفها وأثرها البيئي وأمن الإمدادات والقدرة على تطويرها اقتصاديًا على المدى الطويل. وأثبتت الطاقة النووية أنها الخيار الأمثل للدولة وذلك لأنها آمنة وصديقة للبيئة وتقنية مثبتة علميًا ومجدية تجاريًا وتوفر كميات كبيرة من الطاقة الكهربائية مع انعدام الانبعاثات الكربونية الضارة تقريبًا”.

وتقول المؤسسة “إن التشغيل التام للمحطات الأربع في براكة، سيحد من انبعاث 21 مليون طن من الانبعاثات الكربونية، وهذا يعادل إزالة 3.2 مليون سيارة من الطرقات سنوياً”.

وتضيف مثلا ساطعا آخر لفاعلية إنتاج الطاقة الكهربائية النووية بالقول إن “حُبيبة يورانيوم واحدة من إنتاج طاقة تعادل الطاقة التي ينتجها 474 لترا من الوقود أو طن واحد من الفحم، وتعد هذه الطاقة كافية لتوليد الكهرباء في منزلٍ واحد لمدة شهرين دون أي انبعاثات كربونية تقريبًا”.

يكشف هذا الواقع عن حقيقة بسيطة هي أن الحل موجود، ومستخدم بالفعل، ويمكنه أن يحقق الأماني، وتتوفر له الإمكانيات، وكان يجب المضي به قُدما، بدلا من التردد فيه.

تابعونا على

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button