سياسة

أردوغان وأوهام توريط الناتو في ليبيا


احتفت الصحافة التركية بالتصريحات الأخيرة لأمين عام الحلف الأطلسي “الناتو” ينس ستولتنبرغ بشأن ليبيا، وتأكيده دعم حكومة السراج في طرابلس، وأنه لا يمكن وضعها في كفة واحدة مع قيادة الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر.

بل ذهبت وسائل إعلام تركية ولاسيما وكالة أنباء الأناضول، التي باتت تشكل الذراع الإعلامية للسياسة الخارجية التركية، أبعد من ذلك، عندما اعتبرت أن هذه التصريحات تشكل تغييرا في موقف الحلف من الوضع في ليبيا، وإمكانية تدخله هناك لصالح مليشيات السراج في المرحلة المقبلة.

وفي سوقها للأوهام تحدثت الصحافة التركية بكثافة عن الموقف الأمريكي، وهي عندما تتحدث على هذا النحو، تحاول اللعب على التناقضات الأمريكية في أكثر من ساحة، وهذه باتت لعبة يجيدها أردوغان جيدا، كلما أراد الحصول على دعم من هذا الطرف أو ذاك، في اعتداءاته المتواصلة في سوريا وليبيا والعراق وتدخلاته في شؤون دول الخليج العربي ومصر والصومال واليمن.

السؤال الأساسي هنا، هل يمكن فعلا أن ينجر حلف الناتو إلى خطط أردوغان للتورط في ليبيا؟.. لقد سبق وأن ابتزت تركيا الناتو، وحاولت مرارا توريطه في الأزمة السورية عقب الضغوط التي مارستها موسكو على أنقرة إثر إسقاط الأخيرة طائرة حربية روسية فوق الأراضي السورية عام 2015.

وكذلك هددت تركيا الحلف خلال اجتماعه العام الأخير بعرقلة خططه الدفاعية، ما لم يصنف وحدات حماية الشعب الكردي في قائمة الإرهاب، وقد كان الجواب الفعلي لحلف الناتو في الحالتين، هو رفض سياسة الابتزاز التي يمارسها أردوغان معه.

يتحجج أردوغان بأن طلبه للحلف بالتدخل إلى جانبه، يأتي في إطار المادة الخامسة من ميثاق الحلف التي تشير إلى ضرورة وقوف الحلف مع دولة عضو في حال تعرضها لاعتداء.

والمفارقة هنا، هي أن أردوغان ينسى أنه هو الطرف الذي يقوم بالاعتداء على ليبيا وسوريا، بل أن دعمه للجماعات الإرهابية يشكل تهديدا لأمن دول الحلف الأطلسي نفسها، ولاسيما أوروبا التي تعرضت مرارا إلى تفجيرات إرهابية خلال السنوات القليلة الماضية. 

من دون شك، يريد أردوغان من توريط الحلف في ليبيا ومن قبل سوريا، إضفاء الشرعية على عدوانه المستمر على البلدين، كما أنه يريد من وراء ذلك إرسال رسائل مزدوجة إلى كل من موسكو وواشنطن.

فهو من جهة يقول لواشنطن إن تركيا مازالت مستمرة في لعب دور الشرطي في مواجهة روسيا، وفي الوقت نفسه يقول لموسكو إن تركيا باتت بمثابة حصان طروادة لها في قلب الحلف، وفي الوقت نفسه يقول لواشطن وموسكو معا إن تركيا قادرة على إفشال الخطط الأوروبية لتشكيل قوة دفاعية مشتركة.

لكن هو في الحقيقة، يريد من كل هذه الرسائل، شراء صمت الدول الكبرى على جرائمه أولا، وثانيا للبحث في إمكانية عقد صفقات عسكرية وسياسة مع هذه الدول المؤثرة، خدمة لأجنداته الإقليمية، وتطلعه إلى تحقيق مشروعه العثماني.

لكن ما ينساه أردوغان دائما أو يحاول القفز فوقه، هو أن كل مساعيه تتناقض مع ميثاق حلف الأطلسي وسياساته، وكذلك ينسى أن قرارات الحلف تتخذ بالإجماع، وفي الحالة الليبية ثمة انقسام حقيقي، فعلى الأقل فرنسا واليونان تدعمان المشير خليفة حفتر في مواجهة العدوان التركي ومرتزقته في ليبيا.

كما أن سياسة الابتزاز التركية في قضايا اللاجئين وداعش والأكراد، باتت تشكل حرجا كبيرا لدول الحلف ولاسيما الدول الأوروبية، وهو ما يطرح السؤال إلى متى سيساير الحلف ابتزاز أردوغان هذا ؟ ومتى سينفد صبره ويلجأ إلى سياسة العقاب ضد تركيا ولاسيما في ظل تعالي الأصوات الداعية إلى إخراج تركيا من الحلف بعد ذهابه بعيدا في علاقته مع روسيا وإيران ودعمه للجماعات الإرهابية ؟.

نقلا عن العين الإخبارية

تابعونا على
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى