الاستغلال التركي لأزمة اللاجئين
يشكل اللاجئون السوريون الفارون من جحيم الحرب وأعمال العنف الوجه القبيح للأزمة السورية المشتعلة منذ نحو تسعة أعوام، ولكن ما يزيد من مرارة هذه المأساة الإنسانية هو الاستغلال البشع لها من قبل نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتحقيق مصالح سياسية خاصة به، دون أي مراعاة للبعد الإنساني لهذه الأزمة، الذي طالما كان يتغنى به هذا النظام ليكسب تعاطف الموالين في الداخل والخارج.
صور آلاف اللاجئين الذين أطلقهم أردوغان ودفعهم عنوة باتجاه الحدود اليونانية للضغط على الاتحاد الأوروبي والغرب للوقوف معه في معركته الخاسرة في إدلب، أو للحصول على بعض المكاسب المادية والسياسية، تكشف بشاعة الاستغلال التركي لهذه الأزمة الإنسانية، والمستوى الذي يمكن أن يصل إليه نظام أردوغان في السقوط الأخلاقي، والتوظيف اللإنساني لورقة إنسانية في وجه الأوروبيون الذين عارضوا توجهات هذا النظام وتدخلاته السلبية في ليبيا وسوريا وفي ملف الغاز بمنطقة شرق المتوسط.
التوظيف التركي لأزمة اللاجئين ليس جديدا، فمنذ اندلاع الأزمة السورية استخدم أردوغان هذه الورقة كورقة ضغط في وجه الأوروبيين، فقد هدد في نوفمبر 2016 بفتح الحدود أمام المهاجرين السوريين الراغبين في التوجه إلى أوروبا، غداة تصويت البرلمان الأوروبي لصالح تجميد مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد مؤقتا، ونجح أردوغان بالفعل حينها في توقيع اتفاق مع الاتحاد الأوروبي ينص على أن توقف أنقرة تدفق المهاجرين على حدود الاتحاد مقابل مساعدات مالية قيمتها 6 مليارات يورو للتكفل بالمهاجرين في تركيا. ولكن أردوغان عاد مجدداً لاستخدام هذه الورقة في وجه الأوروبيين من أجل الحصول على مزيد من الأموال، والحصول على بعض المكاسب الإضافية مثل تسهيل حصول الأتراك على تأشيرات دخول الاتحاد الأوروبي ودفع مفاوضات التوقيع على اتفاق جمركي بين الطرفين، إضافة إلى تخفيف الاعتراضات الأوروبية على سياساته السلبية في المنطقة.
قد ينجح أردوغان مجدداً في الحصول على مزيد من التنازلات من قبل الأوروبيين، ولا سيما أن قضية الهجرة واللجوء على درجة عالية من الحساسية للاتحاد الأوروبي بالنظر إلى ما أحدثته الموجة الأولى من تدفق اللاجئين من تركيا إلى أوروبا عام 2015-2016 من تغيرات عاصفة بالمشهد الأوروبي، بعد أن غذت تيارات يمينية شعبوية معادية للمهاجرين وصعدت بشعبية أحزاب يمينية متطرفة، وكانت أحد العوامل التي عززت توجه البريطانيين للانسحاب من الاتحاد الأوروبي للأبد، كما أن الأوروبيين لا يريدون الظهور بمظهر القامع للاجئين المتدفقين على حدوده. وإذا نجح أردوغان في الحصول على مكاسب جديدة باستخدام هذه الورقة فلن يكون ذلك نهاية المطاف؛ حيث سيقوم بإعادة اللاجئين إلى داخل تركيا، ولكن مؤقتاً إلى حين حدوث أزمة جديدة أو تطور جديد يدفع أردوغان لإعادة استخدام ورقة اللاجئين مجددا في وجه أوروبا والعالم.
لا خلاف على حقيقة أن تركيا أسهمت في خلق وتفاقم أزمة اللاجئيين السوريين من خلال تدخلاتها السلبية في سوريا ودعمها للجماعات المتطرفة والفصائل المسلحة، وتغذيتها للصراع الذي أفرز هذه الماساة الإنسانية، وهي تستغل وتوظف هذه الأزمة الإنسانية لخدمة مصالحها الخاصة البعيدة كل البعد عن كل معاني الإنسانية، في الوقت الذي تصدر فيه للموالين لها وللعالم صورة الدولة الإنسانية التي تفتح حدودها أمام تدفق اللاجئين السوريين إليها.
إن إنهاء هذه الأزمة الإنسانية والاستغلال التركي المشين لها يتطلبان تكثيف الجهود الدولية لوضع حد للحرب السورية التي قاربت على إكمال عقد من الزمن، ووضع حد لكل التدخلات الخارجية في هذا البلد، والتي تغذي الصراع فيه، ولا سيما التدخلات الإقليمية التركية-الإيرانية، وبدون ذلك ستستمر الأزمة السورية، وستستمر أزمة اللاجئين السوريين، وسيستمر الاستغلال التركي لمأساتهم الإنسانية.
نقلا عن العين الإخبارية