سياسة

أردوغان.. هل بقي من مراهنين عليه أو معجبين به؟


قبل أكثر من 10 سنوات، برز نجم رجب طيب أردوغان زعيما في العالمين العربي والإسلامي، من “ون منت” في دافوس، إلى خطاباته النارية عن القدس وغزة، وصولا إلى تحرير فلسطين، فعلى وقع هذه الشعارات الرنانة التي تحتل مكانة في وجدان العرب والمسلمين، سطع نجمه، ورفعت صوره في كثير من المناطق في العالم العربي، بل وطبعت صوره على الصحون والملاعق في غزة وغيرها من المناطق.

وفي زحمة كل ما سبق، راهنت عليه حركات ومنظمات، لا سيما جماعات الإخوان المسلمين وحماس، محررا، مخلصا، ناشرا للعدل، إلى درجة أن كل من كان ينتقده سرعان ما كان يتهم بالخيانة والعمالة لإسرائيل والعمل ضد مصالح الأمة، إلى أن اكتشف الجميع أن أردوغان لا يهمه من كل ما سبق سوى سلطته وأجندته ومصالحه وطموحاته التوسعية، وهو في سبيل ذلك مستعد لتدوير الزوايا وحتى التخلي عن كل من راهن عليه، أو جعله مادة لعقد صفقة مع هذا الطرف أو ذاك.

قال أردوغان مرارا إنه لا مصالحة مع إسرائيل ما لم يتم رفع الحصار عن قطاع غزة، لكنه بعد سنوات من حادثة الاعتداء على سفينة (مافي مرمرة) التركية، توصل معها إلى اتفاق يكرس الحصار ويشرعنه.

قبل سنوات أيضا، قال أردوغان مرارا إنه سيزور غزة وسيرفع الحصار، مضت سنوات على وعوده، ولم يزرها ولا يبدو أنه سيزورها. عندما أسقطت تركيا مقاتلة حربية روسية فوق الحدود مع سوريا قبل سنوات، رفض أردوغان طلب فلاديمير بوتين تقديم الاعتذار، بل قال مرارا إن على روسيا أن تقدم هي الاعتذار، متسائلا: ماذا تفعل طائراتك على حدودنا غير القتل، ولكن ما لبث أن اعتذر في رسالة رسمية للقيادة الروسية، قبل أن يصبح بعد ذلك حليفا لبوتين، ويدخل معه في صفقات، وباع له الجماعات المسلحة التابعة له في سوريا، واحدة تلو الأخرى.

حتى وقت قريب، كان أردوغان يصف النظام الإيراني بالنظام الصفوي الذي ينفذ السياسات الشيعية في العراق وسوريا وعموم المنطقة، ولكن تدريجيا بات يتحالف مع إيران، وينسق معها بالسر والعلن إلى درجة أن بلاده باتت من أكبر الدول التي تخرق العقوبات الأمريكية المفروضة عليها.

خلال أزمة القس الأمريكي أندرو برانسون، رفع أردوغان السقف عاليا، وتعهد بعدم الإفراج، وطالب واشنطن بأن تسلم الداعية فتح الله غولن مقابل الإفراج عن برانسون، ولكن فجأة أفرج أردوغان بعد أن فرضت أمريكا عقوبات على مسؤولين أتراك وهددت بمزيد دون أن تسلمه واشنطن غولن.

حتى وقت قريب، لم يكن يمر يوم وإلا يطالب أردوغان برحيل الرئيس السوري بشار الأسد، والتلويح بالتدخل العسكري لإسقاطه، اليوم يرسل أردوغان رئيس استخباراته هاكان فيدان للقاء نظيره السوري علي مملوك، وينسق معه لإعادة ترتيب العلاقات بين أنقرة ودمشق، ويتآمر على وضع نهاية للجماعات المسلحة التي جمعت عناصرها بصفقات روسية – تركية – إيرانية في محافظة إدلب على الحدود التركية.

أردوغان الذي يرفع القرآن الكريم في كل مناسبة انتخابية، يقول إن الكرد إخوتنا في الدين وهم أحفاد القائد التاريخي صلاح الدين الأيوبي، وفي الوقت نفسه يرتكب المجازر بحق أحفاد الأيوبي، ومستعد للذهاب في عقد الصفقات مع الشيطان، كي لا يكون للكرد الذي يناهز عددهم قرابة 50 مليون نسمة شأن في المنطقة، كما حال باقي شعوبها من عرب وترك وفرس.

أردوغان الذي جهز المخيمات للاجئين السوريين حتى قبل بدء الأزمة السورية، ورفع كل الشعارات الإنسانية والأخلاقية بشأنهم، سرعان ما حول هؤلاء إلى ورقة في بورصاته السياسية باميتاز، تارة بابتزاز أوروبا بهم للحصول على مزيد من الأموال وشراء مواقف سياسية منها، وثانية باستخدامهم أداة لإحداث تغيير ديموغرافي في شمال شرقي سوريا، وثالثة باستخدامهم في الداخل التركي في الانتخابات أو ضد الخصوم السياسيين من المعارضة. اليوم يتاجر بـ”شرعية” حكومة الوفاق في ليبيا، ويقول إنه يريد الحل السياسي فيها.

وفي الوقت نفسه يرسل الأسلحة والجنود والمرتزقة إليها، في حين كل حلمه هو الحصول على الطاقة في المتوسط، وجعل ليبيا بوابة له للهيمنة على أفريقيا، وإعادة أمجاد أجداده من السلاطين العثمانيين، وآخر ما يفكر فيه هو دماء الليبيين وإقامة دولة وطنية في ليبيا لكل الليبيين بدلا من المليشيات الحاكمة في طرابلس.

المشهد في الداخل التركي لا يختلف كثيرا عن الخارج، فخلال فترة تحالفه مع الداعية فتح الله غولن، خاطبه أردوغان مرارا، واصفا إياه بالأخ الأكبر، مطالبا على الهواء مباشرة بعودته إلى الوطن، لأن الأخير بحاجة إليه حسب وصفه، قبل أن يتحول الرجل في نظر أردوغان إلى مجرد عميل للغرب، ومتهم بالوقوف وراء المحاولة الانقلابية الفاشلة المزعومة، ويصبح هو وأنصاره مطلوبين وملاحقين في كل مكان. كما أن رفاق دربه من المؤسسين لحزب العدالة والتنمية من أمثال الرئيس السابق عبدالله غل ومنظر أفكاره أحمد داود أوغلو والعقل الاقتصادي لتركيا علي باباجان وغيرهم باتوا خارج الحزب وفي نظر أردوغان بات هؤلاء مجرد متآمرين عليه وحكمه.

أردوغان الذي زار ديار بكر – آمد عاصمة الكرد عام 2005، قال خلالها إن القضية الكردية في تركيا هي قضيتي، وهي قضية الديمقراطية في تركيا، وإن طريق تركيا إلى العضوية الأوروبية يمر عبر ديار بكر، ومن ثم عقد اتفاقية دولمة باهجة للسلام مع الكرد، ولكن سرعان ما انقلب على كل ذلك، وشن حرب إبادة على الوجود الكردي، ووصل به الأمر إلى تدمير الحضارة الكردية من خلال هدم القسم التاريخي من سور ديار بكر وإغراق منطقة هسنكيف الأثرية بالمياه بحجة توليد الكهرباء.

ولمن لا يعرف هنسكيف فهي درة الحضارة الكردية التي تعود تاريخها إلى نحو 8 آلاف عام. وهنا تحضرني القصة المثيرة للنائب السابق عن حزب الشعوب الديمقراطي سري سورييا أوندر، إذ كشف الرجل أن أردوغان اتصل به خلال فترة محادثات السلام بين أوجلان والحكومة التركية عام 2013، وطلب منه الذهاب إلى قنديل لمعرفة رأي قيادة حزب العمال الكردستاني بالعملية، وعندما عاد اتصل أردوغان به مجددا لمعرفة رأي قيادة الكردستاني، وبعد ساعات من الاتصال ظهر أردوغان يصرح للإعلام ويقول إنه تنبغي محاسبة الذين ذهبوا إلى قنديل، وبسبب ذلك وضع الرجل في السجن قبل أن يتم الإفراج عنه قبل نحو 3 أشهر.

بعد كل هذا، وقبل أن نتعرف على مزيد من انقلابات أردوغان، هل بقي من معجبين به أو مراهنين عليه؟ نظرة بسيطة إلى الداخل التركي وخارجه، لن تجد سوى جماعة واحدة بقيت معجبة بأردوغان وتراهن عليه، وتعمل جنودا مرتزقة لديه في العالم العربي، لن أسميها لأن الجميع بات يعرفها.

نقلا عن العين الإخبارية

تابعونا على
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى