سياسة

من الجبهة إلى الخوارزمية.. أوكرانيا تُعيد تعريف خطوط النار


حولت حرب المسيرات خط التماس بين روسيا وأوكرانيا إلى “منطقة رمادية” بعرض عدة أميال.

في مكان ما بين كوستيانتينيفكا ومدينة توريتسك المدمرة، في منطقة دونباس شرق أوكرانيا وبالقرب ممّا كان يُعرف سابقًا بخط المواجهة، يتحرّك روبوت الإمداد المعروف باسم «الصرصور»؛ يمكنه حمل ما يصل إلى 200 كيلوغرام من الإمدادات بسرعة تصل إلى 20 كيلومترًا في الساعة، لكنه يتقدّم ببطء للوصول إلى الوحدات الأوكرانية المختبئة في الغابة، حيث يتعيّن عليه التوقف بانتظام بحثًا عن غطاء من المسيرات الروسية.

وتُعدّ الروبوتات مثل «الصرصور» إحدى الطرق القليلة جدًا التي تمكّن أوكرانيا من إعادة إمداد قوات المشاة في ظل عزلتها المتزايدة وحصارها من قِبل المسيرات المتطوِّرة، والتي أجبرتها على البقاء في خنادق مكشوفة، ذلك وفقًا لصحيفة «تلغراف» البريطانية.

وفي حين يؤكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على ضرورة إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا بتجميد خطوط المواجهة، تزداد هذه الخطوط ضبابية وتنتشر على مدى عدة أميال «منطقة رمادية» تراقبها المسيرات، وبالتالي لن تكون هناك إجابة سهلة عند تحديد مكان رسم الخط النهائي.

في هذه البيئة، لا تَقِف مهام الروبوتات عند نقل الذخيرة والطعام فحسب، بل تقوم أيضًا بزرع الألغام وإجلاء الجرحى؛ حيث تلعب دورًا حيويًا، ورُصِدت نماذج أولية منها مجهَّزة برشاشات، وقد تُجهَّز نماذج أخرى بقذائف هاون وحتى بصواريخ مضادة للطائرات، ومع ذلك يظلّ الابتكار أبطأ من احتياجات الجبهة.

وقال ديميس، الذي يشغل الروبوت من قبو يبعد أميالًا: «في بعض الأسابيع لا نفقد روبوتًا واحدًا، وفي بعض الأيام نفقد اثنين… كل طلعة تمثّل فرصة للعدو لرصدنا»، وأضاف: «لقد تحوّلت دونباس إلى فخّ مميت، ولم يبقَ للاختباء سوى أماكن قليلة».

يختبئ ديميس ووحدته في مكان ما في كوستيانتينيفكا، على بُعد ثلاثة أميال من «خط الصفر» حيث تُجهّز القوات الروسية هجماتها التالية.

وقبل عام كان الوضع مختلفًا في هذه المنطقة؛ فلم تكن هناك حاجة لمغادرة القاعدة العسكرية مرتديًا درعًا واقيًا، أو لركوب سيارة مُجهّزة بأنظمة مضادة للمسيرات، أو للقيادة تحت شبكات طويلة مضادة لها.

وقال أدمن، جندي من فوج «فينيكس» إحدى أبرز وحدات المسيرات الأوكرانية: «لقد حطمت التكنولوجيا قواعد الحرب القديمة، وتُكتب الآن قواعد جديدة… لا يمكننا حتى تخيّل كيف سيبدو المستقبل».

ورغم فشل القوات الروسية لأكثر من عام في السيطرة على كوستيانتينيفكا والتقدّم في محيط بوكروفسك والمدن الأخرى التي تُشكّل ما يُسمى «حزام الحصن» الأوكراني في دونباس، فإن خطتها البديلة تتمثل في إبعاد القوات الأوكرانية ببطء عن منطقة دونيتسك عبر ضرب مسيرات «شاهد» للقواعد العسكرية كل ليلة.

ومؤخرًا، بدأت المسيرات تحدّد أهدافًا محددة على الطرق التي تربط منطقتي خاركيف ودنيبرو دونيتسك، كما بدأت تجوب شوارع كراماتورسك؛ وقال ضابط أوكراني لصحيفة «تليغراف»: «روسيا تريد تنفيذ أوّل حصار بالمسيرات في التاريخ».

وسارعت أوكرانيا إلى تركيب شباك على طول الطرق لاصطياد المسيرات، وبدأت العديد من وحدات الخطّ الثاني الانسحاب لإقامة قواعدها بعيدًا عن الجبهة، في منطقة رمادية تتّسع باستمرار؛ وقد يكون ثمن أي خطأ بسيط هو الموت.

ومثل أي نظام دفاعي، يعاني النظام الأوكراني ثغرات بدأت روسيا في استغلالها، من بينها وضع مسيرات موصولة بألياف ضوئية مباشرة على الأرض لتنتظر اقتراب مركبة أوكرانية ثم تضربها أو تتسبّب في انفجارها.

وتتقدم روسيا عبر المناطق المفتوحة في هجمات انتحارية لها هدفان هما سحق دفاعات أوكرانيا وكشف مواقع إطلاق النار.

ووسط هذه التعقيدات، أصبحت خفة الحركة في ساحة المعركة أمرًا بالغ الأهمية لذا اعتمدت القوات الأوكرانية على الدراجات النارية وعربات الغولف بدلا من السيارات المدرعة.

هذه التحركات على الجبهة تعني المزيد من البناء، والمزيد من المراقبة، والمزيد من الخدمات اللوجستية وأيضا المزيد من المخاطر.

ولأن المسيرات أكثر دقة من القذائف، أصبحت الخنادق على غرار الحرب العالمية الثانية أفخاخًا لذا تحاول أوكرانيا التكيف من خلال حفر نوع جديد من التحصينات ذات الأسقف والأقفاص المضادة للمسيرات وأصبحت منطقة دونيتسك ساحة اختبار لهذا التكنيك.

وفي الوقت نفسه أصبح إسعاف الجنود المصابين معضلة أخرى وقال ميكولا، وهو مسعف من اللواء 42 “ستظهر عقيدة طبية جديدة من هذه الحرب.. لم تعد الكتيبات الإرشادية مجدية”.

ورغم أن المدفعية لا تزال السلاح الذي ينشر الخوف ويضرب أهدافًا بالغة الأهمية لا تستطيع المسيرات الأرخص ثمنًا تدميرها، إلا أنها لم تعد العمود الفقري للحرب.

وفي حين تركز النقاشات على الإنتاج والمخزونات، كشفت الحرب عن خلل آخر في عقيدة حلف شمال الأطلسي (ناتو)، فاستراتيجية “إطلاق النار والاندفاع” الشهيرة بدأت تفقد أهميتها.

وبينما كانت المدافع والدبابات تتحرك وتطلق النار في وضح النهار في 2022 فإنها تعمل اليوم من مواقع ثابتة مموهة، مغطاة بدروع واقية كما أن حجم الاستخدام لا يزال مرتفعًا ما بين 2000 و5000 قذيفة يوميًا، وفقًا لمصادر أوكرانية.وخلال لقائه الأخير في البيت الأبيض مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، رفض الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، المطالب بالتخلي عن منطقة “حزام الحصن”، مقيدًا بالقيود الدستورية والحقائق الاستراتيجية وإرادة شعبه.

وتردد أن ترامب الغاضب أزال خرائط كان زيلينسكي يحاول إظهارها له ولاحقا قال القادة الأوروبيون إن موقف الرئيس الأمريكي هو أنه يجب وقف القتال فورًا، وأن يكون خط التماس الحالي نقطة انطلاق للمفاوضات.

ويوم الجمعة الماضي، سافر زيلينسكي إلى لندن، حيث التقى الملك تشارلز واجتمع مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر وقادة آخرين من “ائتلاف الراغبين” وتواصل بعضهم مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عبر الهاتف لوضع استراتيجية.

ومع ذلك، يبقى سؤال واحد وهو إلى متى ستصمد أوكرانيا في دونباس؟ لأنه مع تطور الصراع، تطورت احتياجات أوكرانيا الدفاعية.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى