غياب الدعم الأمريكي.. اختبار حاسم لقدرات سوريا ضد الإرهاب

في مشهد يعيد تشكيل خرائط النفوذ في الشمال الشرقي من سوريا، تبدأ الولايات المتحدة خفض وجودها العسكري تدريجيًا، في خطوة تنطوي على رهانات معقدة.
وخلال الأشهر المقبلة، ستبدأ الولايات المتحدة سحب المئات من جنودها من شمال شرق سوريا، في إشارة إلى اعتقادها بأن شركاءها من الأكراد والحكومة السورية الجديدة قادرون على منع متطرفي داعش من إعادة تنظيم صفوفهم وذلك وفقا لما ذكره موقع “بيزنس إنسايدر” الأمريكي.
وكانت القوات الأمريكية قد ساعدت قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد، في الحرب ضد داعش منذ عام 2015 ودائما ما كان الوجود الأمريكي محدودًا نسبيًا، ولم يتجاوز 2500 جندي، ويجري حاليًا تقليصه إلى أقل من ألف جندي.
وفي بيان يوم الجمعة الماضي، قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، شون بارنيل “يعكس هذا القرار الخطوات المهمة التي اتخذناها نحو إضعاف جاذبية داعش وقدرته العملياتية إقليميًا وعالميًا”. وأضاف: “ستؤدي هذه العملية المدروسة والقائمة على الظروف إلى تقليص الوجود الأمريكي في سوريا إلى أقل من ألف جندي أمريكي في الأشهر المقبلة”.
وفي تصريحات لـ”بيزنس إنسايدر”، قال نيكولاس هيراس، المدير الأول للاستراتيجية والابتكار في معهد نيو لاينز: “من المرجح أن تحتفظ الولايات المتحدة بقوة متبقية صغيرة في سوريا لتنفيذ غارات محددة الأهداف ضد داعش”.
وأضاف هيراس: “من المرجح أيضًا أن تحتفظ الولايات المتحدة بالقاعدة في أربيل (كردستان العراق) كمركز لزيادة القوات إلى سوريا، عند الحاجة”.
وتعني هذه العوامل أن الانسحاب الأمريكي التدريجي من سوريا سيكون أقل فوضوية، وأكثر ميلاً للالتزام بالتخفيض المعتاد للقوات.
وبعد عامين من خسارة داعش عاصمة خلافته المزعومة لصالح التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، أمر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال ولايته الأولى في أكتوبر/تشرين الأول 2019، بانسحاب مفاجئ، مما أدى إلى عملية تركية عابرة للحدود، ضد قوات سوريا الديمقراطية قبل أن يرجئ قرار الانسحاب المتسرع.
وقال آرون لوند، الزميل في سينشري إنترناشونال والمحلل البارز في وكالة أبحاث الدفاع السويدية، لـ”بيزنس إنسايدر” إن انسحاب 2019 “كان فوضويًا للغاية لأنه كان قرارًا متسرعًا لم تكن الإدارة الأمريكية مستعدة له بشكل كافٍ، وقد أثار غضب كبار المسؤولين في الإدارة”.
وأضاف “لا يوجد هذا الوضع اليوم”، مشيرا إلى أنه على عكس إدارة ترامب السابقة، لا يوجد مسؤول قد يستقيل احتجاجًا كما فعل وزير الدفاع آنذاك جيم ماتيس.
كانت الولايات المتحدة قد كشفت في ديسمبر/كانون الأول الماضي بعد الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، عن وجود 2000 جندي لها في سوريا وأوضحت أن 1100 جندي هم “قوات تناوب مؤقتة” وأن 900 جندي فقط “أساسيون”.
وأعرب مايلز ب. كاجينز الثالث، وهو زميل غير مقيم في معهد نيو لاينز، وعقيد متقاعد بالجيش الأمريكي، ومتحدث سابق باسم التحالف الدولي لهزيمة داعش، عن اعتقاده بأن واشنطن ستستفيد كثيرًا إذا واصلت انتشارها في سوريا.
وتابع “خلال إدارة ترامب الأولى، هزم التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة داعش بدعم قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد.. من المهم للرئيس ترامب الحفاظ على هذا النصر ودعم قوات سوريا الديمقراطية بينما تواصل هذه القوات غاراتها على فلول داعش وتحتجز 10,000 من عناصر التنظيم”.
وأضاف “يواصل 2000 جندي أمريكي في سوريا قصف واعتقال قادة داعش وجماعة حراس الدين التابعة للقاعدة بالإضافة إلى منع المسلحين المدعومين من إيران من بناء جسر بري إلى لبنان، وفي النهاية إلى إسرائيل”.
وتتزامن جهود مكافحة الإرهاب المستمرة مع تحسن العلاقات السورية التركية، وقال هيراس: “الوضع الآن في شرق سوريا أكثر حظًا مما كان عليه من قبل لهذا النوع من تخفيض القوات الأمريكية”.
كما وقّعت قوات سوريا الديمقراطية اتفاقية تاريخية مع دمشق في مارس/آذار الماضي لدمج عناصرها في القوات المسلحة الوطنية السورية، وقال كاجينز “الحكومة السورية الانتقالية الجديدة غير قادرة على تمويل أو تزويد مراكز احتجاز داعش بالموظفين، ودمشق ترحب ضمنيًا بوجود القوات الأمريكية لأنها تعلم أن قوات سوريا الديمقراطية المدربة والمجهزة جيدًا جزءٌ أساسيٌ من التكوين المستقبلي لوزارة الدفاع السورية”.
لا يزال آلاف مسلحي داعش وعائلاتهم يقبعون في السجون والمعسكرات المفتوحة في المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية وأبرزها مخيم الهول مع استمرار تأهيلهم وإعادتهم إلى أوطانهم.
وقبيل عودته إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني، أكد ترامب أنه لا ينبغي لأمريكا أن تتدخل في شؤون سوريا أو صراعها وقال لوند “حتى لو انتهى بنا الأمر بتخفيض جزئي للقوات هذه المرة، أعتقد أن الولايات المتحدة ستنسحب على الأرجح من سوريا في ولاية ترامب الثانية وسيكون ذلك على الأرجح عاجلاً وليس آجلاً”.