سياسة

التداعيات الإنسانية لحربي غزة ولبنان تعزز عزلة إسرائيل دوليًا


 تعيش إسرائيل عزلة دولية انعكست سلبا على اقتصادها وتعاملات مواطنيها في الخارج بسبب حربها على قطاع غزة، فاقمتها أوامر الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس وزرائها بنيامين نتياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت.

واعتبرت صحيفة “كالكاليست” العبرية اليوم الجمعة أنه “بعد 14 شهرا من حرب قطاع غزة، فإن إسرائيل تعيش عزلة دولية غير مسبوقة”، مضيفة “كل يوم يمر يشدد الحصار على إسرائيل أكثر، ابتداءً من شركات الطيران الأجنبية التي اختفت من لوحة مطار بن غوريون، مرورًا بالحكومات التي ترفض بيعها أسلحة، والفنانين الذين ألغيت عروضهم بسبب هويتهم، إلى التعاون الأكاديمي الذي توقف فجأة، وشركات البنية التحتية الدولية التي قررت الانسحاب من المشاريع الإسرائيلية”.
وأشارت إلى أنه “في بعض الأحيان تكون المقاطعة مرئية، وفي كثير من الأحيان تكون رمادية، أحيانًا تكون مبررة بدافع أمني، وأحيانًا ليس لها اسم أو سبب، لكنها موجودة بالفعل”.

وتابعت “كل واحد منا يتأثر بهذه العزلة التي تنعكس على وضعنا المادي وحرية حركتنا وخيارات تعريف هويتنا كإسرائيليين وفي الطريقة التي ننظر بها إلى أنفسنا”.
وترجح صحيفة “كالكاليست” أن لقرار المحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرتي اعتقال ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، بشبهة ارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية “عواقب على الاستثمارات الأجنبية في إسرائيل”.
وقالت “على سبيل المثال، صندوق رأس المال النرويجي، الذي لا يستثمر في شركات الأسلحة بسبب قواعد أخلاقية، ولا يستثمر في البلدان التي يشتبه في ارتكابها جرائم حرب”.
وأضافت الصحيفة العبرية “هذه مشكلة المقاطعة الصامتة، والتي قد تتفاقم بسبب مذكرات الاعتقال، ما يدفع إسرائيل إلى مزيد من التصنيف كدولة منبوذة”.

كما أشارت إلى أن “أكثر من 300 باحث إسرائيلي عانوا من المقاطعة الأكاديمية منذ بداية الحرب، والتي تجلت في منع نشر المقالات وإلغاء المقابلات والمحاضرات، وحظر المشاركة في المؤتمرات، ومنع الشراكات البحثية، تأخير أو إلغاء التبادل الطلابي وإلغاء المنح البحثية”.
وقالت “تنضم هذه المقاطعات إلى المظاهرات التي شهدتها الجامعات الأميركية على مدار العام الماضي”، كما ذكرت أن العشرات من شركات الطيران الدولية أوقفت رحلاتها من وإلى تل أبيب.
ولفتت “من بين 66 شركة طيران كانت تعمل هنا عشية الحرب، لا تزال تعمل 20 شركة طيران، بما فيها الخطوط الجوية الإسرائيلية (و5 شركات إسرائيلية خاصة)، وبالتالي تبقى 14 شركة طيران أجنبية عاملة فقط”.
وبشأن التأثير على السياحة الإسرائيلية بعيد المدى، قالت الصحيفة “تعرضت السياحة الداخلية لضربة كبيرة، وأصبحت السياحة الخارجية أكثر تكلفة بشكل ملحوظ” ونقلت عن اتحاد الفنادق، أنه “تم إغلاق 90 فندقا أي نحو 20 بالمئة من الصناعة الفندقية منذ بداية الحرب”.

أكثر من 300 باحث إسرائيلي عانوا من المقاطعة الأكاديمية منذ بداية الحرب.

وتابعت “منذ بداية عام 2024، انخفض عدد ليالي المبيت للسياح بنسبة 79 بالمئة (1.6 مليون مقارنة بـ7.5 ملايين في الفترة المقابلة من العام الماضي)”.
وأردفت ‘في الوقت نفسه، ارتفعت أسعار التذاكر إلى أوروبا إلى آلاف الدولارات وتراجع العرض وتقلصت الوجهات التي يمكن الوصول إليها عن طريق الطيران المباشر”.
وأضافت “كما أن خروج شركات الطيران الأجنبية من تل أبيب، سواء كان ذلك لاعتبارات تجارية أو لأسباب سياسية، يترتب عليه أيضًا قفزة في أسعار الشحن الجوي التي تقدر بـ30 بالمئة”.
ونقلت الصحيفة ذاتها عن رون تومر، رئيس رابطة المصنعين الإسرائيليين، قوله إن “قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء ووزير الدفاع السابق يضر بالبلد بأكمله، بما في ذلك الصناعة”.

وأضافت “يسمع شخص في العالم عن قيام إسرائيل بتجويع المواطنين في غزة وحرمانهم من الرعاية الطبية ويبدأ في طرح أسئلة على نفسه حول ما إذا كان يريد حقاً العمل مع دولة تفعل مثل هذه الأشياء؟”
وأكدت الصحيفة “الحرب في غزة ولبنان أدت إلى موجة من المقاطعة للصناعة المحلية” ونقلت عن عنات جلعاد، مديرة قسم الفنون في وزارة الخارجية “في العام العادي كنا نستضيف في فعالياتنا أكثر من ألف مدير فني من أنحاء العالم، وهذه السنة جاء بين 20 و30 بالمئة من الضيوف”.
وذكرت الصحيفة أن “الجزء الأساسي من المقاطعة مخفي، ويتجلى في التهرب وعدم الرد على الاستفسارات”.
وفي معرض وصفها لأثر الحرب على الرياضة، قالت الصحيفة “كما أن الوضع المتوتر ألحق أضرارا بالغة بأنشطة الفرق، فجميعها مجبرة على استضافة مباريات في الخارج فقط، وتواجه صعوبة كبيرة في التعاقد مع لاعبين أجانب”.

من ناحية أخرى، ذكرت الصحيفة أنه “لسنوات عديدة، كانت أجنحة العرض الخاصة بشركات الأسلحة الإسرائيلية بمثابة نقطة جذب مركزية في معارض الصناعات الدفاعية حول العالم”.
وأضافت “في الأشهر الأخيرة، أعربت المزيد من الدول عن دعمها العلني لتقليص التجارة مع شركات الأمن الإسرائيلية، بما في ذلك بريطانيا وإيطاليا وأستراليا وإسبانيا، ولا يتعلق الأمر بطلب الأسلحة وأنظمة الدفاع من إسرائيل فحسب، بل يضمل أيضًا توريد المكونات الأساسية للصناعة المحلية”.
واختتمت الصحيفة الإسرائيلية بالقول “سرعان ما كان الرأي العام العالمي يميل تماماً نحو الفلسطينيين وحجم الدمار والموت في غزة، مقابل تحويل الحكومة صورة إسرائيل إلى شخص مهووس بالحرائق متعطش للدماء”.

وفي شأن آخر وجه ألوف بن رئيس تحرير صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية انتقادات لاذعة إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو واصفا إياه بأنه “شخصية مثيرة للانقسام”، معتبرا أنه يستخدم القتال الخارجي لتبرير إسكات منتقديه، فيما يأتي هذا ردّا على قرار حكومي يحرم الصحيفة من الإعلانات بعد أن قال مالكها آموس شوكن إن إسرائيل تسمي مقاتلي الحرية بـ”الإرهابيين”.

وقال ألوف في مقال نشرته الصحيفة إن “الحقيقة هي الضحية الأولى للحرب هذا ما تقوله المقولة القديمة، ولكن مثل أي مقولة أخرى، فإنها تحمل قدراً من الحقيقة”، مضيفا أن “التغطية الإعلامية لساحات المعارك تشكل دوما تحديا إذ تعوقها محدودية الوصول والخطر المميت والضباب المتعمد والمسؤولون الذين يفلتون من العقاب على عدم مصداقيتهم ويصبح الأمر أكثر تعقيدا عندما يكون الصحافيون جزءا من مجتمع محارب، وخاصة إذا كانت المعركة تتمتع بدعم شعبي واسع باعتبارها حربا عادلة”.

“نتنياهو الذي بنى حياته المهنية على التلاعب بوسائل الإعلام، لا يستطيع تحمل الأصوات المستقلة الناقدة”.

وتابع “في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تعرضت إسرائيل لهجوم من حماس التي غزت غزة لقتل ونهب واغتصاب وخطف المدنيين والجنود وفي اليوم التالي، انضم حزب الله إلى المعركة من لبنان وردت إسرائيل بقوة، فأفرغت ودمرت مدن وقرى القطاع وقتلت العديد من المدنيين إلى جانب مسلحي حماس ونشطائها. وفي سبتمبر/أيول 2024، شنت القوات الإسرائيلية هجوما مضادًا على الجبهة الشمالية، ووجهت ضربة قاضية لخصمها اللدود ودمرت القرى الشيعية التي كانت بمثابة قواعد أمامية لها”.

وأضاف “لقد اتحد الجمهور اليهودي الإسرائيلي، الذي غمرته الصدمة إزاء الهجوم المفاجئ الذي شنه العدو وفظائع حماس، في دعم ساحق لما بدا وكأنه معركة وجودية ضد أعداء عنيدين لا يرحمون ويستمر هذا الموقف حتى منتصف الشهر الرابع عشر من الحرب، على الرغم من ارتفاع عدد الضحايا في صفوف الجيش الإسرائيلي والفشل المستمر في تحقيق النصر الكامل الذي وعد به رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو“.

واعتبر أن “الموقف العام في التغطية الإخبارية في وسائل الإعلام الإسرائيلية السائدة: لا ترحموا الطرف الآخر”، مشيرا إلى أن “معظمها لا تبث عمليات القتل والدمار والمعاناة الإنسانية في غزة ولبنان وفي أقصى تقدير، تستشهد بالانتقادات الدولية لأفعال إسرائيل، وتصفها بأنها معادية للسامية ونفاقية ولا تُرى غزة ولبنان إلا من خلال عدسات المراسلين المندمجين داخل وحدات جيش الدفاع الإسرائيلي الغازية”.

وذكّر بما قام به داني كوشمارو، مذيع الأخبار في القناة 12، مشيرا إلى أنه “انضم إلى قوة مشاة في لبنان الشهر الماضي وفجّر وهو يرتدي خوذة منزلاً في قرية لبنانية محتلة وهو يتفاخر قائلا “لا تعبثوا مع اليهود”.

وتابع “عندما أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، تفاعل كوشمارو عاطفيا على شاشة التلفزيون في وقت الذروة، محاطا بصور الأطفال القتلى والمختطفين في 7 أكتوبر، قائلاً إن المذكرات كانت ضدنا جميعًا، جنودنا، هذا الشعب، هذه الدولة”.

وزاد أن “كوشمارو وزملاؤه لم يكلفوا أنفسهم على الهواء عناء شرح الأساس الواقعي وراء اتهامات المحكمة الجنائية الدولية بالتجويع المتعمد كأسلوب حرب وجرائم أخرى ضد الإنسانية، يُزعم أنها أمر بها قادة إسرائيل”.

وقال “إن إسرائيل لديها رقابة عسكرية، وكل قصة إخبارية عن الأمن القومي أو الاستخبارات لا بد أن تحصل على تصريح من هذه الرقابة. والرقابة أمر مزعج، ولكن في زمن الحرب، فإن القيود القانونية والتصفية تتضاءل مقارنة بالرقابة الذاتية التي يمارسها الجمهور. والواقع أن الإسرائيليين ببساطة لا يريدون أن يعرفوا”.

وأكد أن “صحيفة هآرتس كانت طيلة عقود من الزمان، وحدها تقريباً، تنشر تقارير عن معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي وعن ما تعتبره قوات الدفاع الإسرائيلية أضرارا جانبية ناجمة عن مكافحة الإرهاب”

وأشار إلى أنها “تعرضت مرارا وتكرارا لانتقادات لانتقادها أخلاقيات تصرفات قوات الدفاع الإسرائيلية وقد ألغى القراء اشتراكاتهم، وتجمع الساسة ضدنا. ولكننا لم نتزحزح عن موقفنا قط”، مضيفا “عندما ترى جرائم حرب، يتعين عليك أن تتحدث بينما تستمر الحرب، بدلاً من الانتظار حتى فوات الأوان لإحداث فرق. ولم تكن حرب السابع من أكتوبر مختلفة: فمرة أخرى، كنا بمفردنا، نغطي الجانب الآخر من الصراع، على الرغم من صعوبة الوصول إلى المصادر في غزة أو لبنان، وفي الوقت نفسه ندمج مراسلينا مع قوات الدفاع الإسرائيلية مثل وسائل الإعلام الأخرى”.

وقال “لم يحب نتنياهو أبدًا موقفنا الانتقادي تجاهه وسياساته في الاحتلال والضم، حيث وصف صحيفتي هآرتس ونيويورك تايمز بـ”أعظم أعداء إسرائيل” في عام 2012 رغم أنه نفى ذلك لاحقًا”.

وأكد أن “نتنياهو الذي بنى حياته المهنية على التلاعب بوسائل الإعلام، لا يستطيع تحمل الأصوات المستقلة الناقدة”، موضحا “في العقد السابق، أدت إساءة استخدامه لسلطة الدولة لتشويه التغطية الإعلامية، التي كشفت عنها صحيفة هآرتس في عام 2015، إلى محاكمته في محاكمة جنائية بالفساد لا تزال معلقة ولكن حتى بعد توجيه الاتهام إليه، لم يغير سوى التكتيكات، وليس الاستراتيجية، مستعيرًا من كتاب اللعب الناجح لصديقه ومعلمه المجري فيكتور أوربان: مهاجمة وسائل الإعلام السائدة باعتبارها معادية، وجعل مؤيديك المليارديرات يطلقون قنوات داعمة، وبناء “آلة سم” لتوحيد قاعدتك عبر الشبكات الاجتماعية. بمرور الوقت، يغير التيار الرئيسي موقفه، مضيفًا أبواق الزعيم إلى لوحات وقت الذروة، خوفًا من فقدان المشاهدين لصالح القناة 14 التي لا تعرف أي قيود، وهي قناة فوكس الإسرائيلية”.

وقال إن “نتنياهو شخصية مثيرة للانقسام، والجمهور اليهودي الإسرائيلي، على الرغم من توحده خلف الحرب، منقسم بشدة بين مؤيد ومعارض له، لكنه يستخدم القتال الخارجي لتبرير إسكات منتقديه المحليين”.

وأضاف “بعد فترة وجيزة من السابع من أكتوبر، قدم وزير الاتصالات شلومو كارهي، وهو صديق مقرب لرئيس الوزراء، مشروع قرار لمجلس الوزراء لمقاطعة أي إعلان حكومي أو اشتراك في صحيفة هآرتس، مستشهداً بالدعاية المعادية لإسرائيل التي تنشرها الصحيفة. وبعد أن عرقلته وزارة العدل في البداية، أعاد كارهي إطلاق خطته لتقويض هآرتس، مستخدماً ذريعة التصريحات المثيرة للجدل التي أدلى بها ناشرنا عاموس شوكن”.

وتابع “يوم الأحد الماضي، أقر مجلس الوزراء بالإجماع قرار مقاطعة صحيفة هآرتس الذي رعاه نتنياهو ةلزيادة الطين بلة، أطلق كارهي أيضًا مشروع قانون لخصخصة هيئة البث العام الإسرائيلية، التي عملت كشوكة في خاصرة الحكومة، على النقيض من مجموعة من أبواق وسائل الإعلام التابعة لها وقال عن الدافع الأعمق لرئيسه نحن منتخبون من قبل الجمهور، ويمكننا سن تغيير النظام إذا أردنا”.

واعتبر أن مقاطعة هآرتس تفتقر إلى أساس قانوني، لكن نتنياهو لا يهتم إذا تم إسقاطها، فسوف يطلق هجومًا ضد “الدولة العميقة القانونية” وتقويضها لحكمه وقد راهن بشكل صحيح على زعماء المعارضة الذين، تمسكوا بالحماسة القومية العسكرية وامتنعوا عن الوقوف إلى جانب الصحيفة”.

وختم بقوله “سننتصر على هجوم نتنياهو الأخير، تماماً كما تغلبنا على غضب أسلافه وتجاهلهم لنا وسوف تظل صحيفة هآرتس ملتزمة بمهمتها في تقديم تقارير نقدية عن الحرب وعواقبها الوخيمة على جميع الأطراف”، مؤكدا أن “حماية الحقيقة أمر صعب في بعض الأحيان، ولكن لا ينبغي لها أبداً أن تكون ضحية للحرب”.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى