8 مارس ..انتفاضة نسائية من أجل الحياة والحرية بإيران
يرتبط الاحتفال باليوم العالمي للمرأة في إيران، بانتفاضة نسائية ومظاهرة ضد الحجاب الإلزامي، وذلك بعد مرور نحو شهر على الثورة التي قادها روح الله الخميني.
ويشهد موضوع الحجاب تحوَّلا في العقود الأخيرة بفعل عدد من العوامل -من أهمها السياسات الحكومية والتغيير الاجتماعي-إلى موضوع يحوز على مساحة واسعة من النقاش الديني والسياسي والاجتماعي والثقافي في البلاد.
فبعد أقل من شهر على استيلاء رجال الدين على الثورة في إيران، كشف روح الله الخميني عن مواقفه المناهضة للنسوية بشكل أكثر وضوحا، في خطاب ألقاه في مارس 1979، جعل فيه الحجاب إلزاميا في البلاد.
ففي مثل هذا اليوم قام الخميني عام 1979 بإصدار قرار إلزامية الحجاب، وقال لطلاب من المدرسة الدينية الفيضية في قُم وسط إيران: “النساء المسلمات لسن دمى، وعليهن الخروج بالحجاب”.
هاجم الخميني على وجود نساء بلا حجاب في المكاتب والدوائر الحكومية، الخطاب بقوله: “علمت أن النساء عاريات في الوزارات، وهذا مخالف للشريعة”.
كان لدى الخميني آمال كبيرة في دعم المجتمع الأبوي والتقليدي، لتنفيذ قوانينه المناهضة للنسوية، لكنه كان يعلم أيضا أن الجزء الرائد في المجتمع الإيراني وقف ضد عدم المساواة بين الجنسين وإبعاد النساء عن المساحات الاجتماعية.
صحيح أن الخميني لم يستطع إصدار الأمر بإخراج المرأة نهائيا من الساحات الاجتماعية، لكنه حصر وجودها من خلال الأمر بتنفيذ الحجاب الإلزامي.
أولى شرارات الانتفاضة ضد الحجاب
وكان لخطاب الخميني والسقف والقيود التي وضعها للنساء صدى واسع بين الأطياف الاجتماعية المختلفة، وبدأت بعض الجماعات المتطرفة في إيران تهدد النساء منذ ذلك الوقت.
حيث دعت الناشطات، اللواتي اعتقد الكثير منهن أنهن سيحققن المثل العليا والمساواة بين الجنسين مع اندلاع الثورة 1979، إلى عقد اجتماعات تزامنا مع يوم المرأة العالمي.
وفي الثامن من مارس، تم التخطيط لعقد ثلاثة برامج مختلفة من قبل ثلاث منظمات ناشطة في مجال المرأة في كليات التقنية والأدب والفنون الجميلة بجامعة طهران، وبينما كانت الناشطات يقمن ببرامجهن في الجامعة، مُنعت مئات النساء من الذهاب إلى أماكن عملهن لعدم ارتدائهن الحجاب الإلزامي، وطُلب منهن العودة إلى المنزل وارتداء الحجاب.
وبعد هذا الإجراء، احتجت الآلاف من المعلمات والموظفات والممرضات بجامعة طهران على مرسوم الخميني الجديد، وسرعان ما امتلأ محيط جامعة طهران بالنساء المعارضات للحجاب الإلزامي.
وفي أثناء الصدمة والغضب، هتفت المحتجات بشعارات مثل “لم نصنع ثورة للعودة” و “في فجر الحرية المكان الصحيح للمرأة فارغ” و”مساواة مساواة ولا نريد الحجاب والعباءة”.
ومع استمرار المظاهرات الجماهيرية تغير أيضا برنامج مجموعات الناشطات، وانضمت اللواتي حضرن للمشاركة في هذه البرامج في قاعة اجتماعات جامعة طهران، إلى صف النساء المحتجات في الشارع وهتفن ضد الحجاب الإلزامي.
وبحسب روايات شهود عيان، هاجمت مجموعات متطرفة النساء المحتجات، ورددوا هتافات مناهضة لهن.
يوم 8 مارس بإيران
وشق الشعار الثاني طريقه إلى المدارس بعد ذلك بقليل، ولسنوات، أجبر مديرو المدارس الطالبات على ترديد هذا الشعار وغيره من الشعارات الأيديولوجية للجمهورية الإسلامية قبل الذهاب إلى الفصول الدراسية.
وكان تجمع 8 مارس في عام ثورة 1979، أول تجمع واسع النطاق للنساء المحتجات على الحجاب الإلزامي، والذي قيل إنه استمر لمدة ستة أيام، ويشار أنه وفي ذلك اليوم، اندلعت أيضًا الشرارة الأولى لحضور الطلاب احتجاجا على الحجاب الإلزامي.
وروت صحيفة “كيهان” في عددها، مظاهرة احتجاج النساء على النحو التالي: “بدأت مجموعات ومجموعات مختلفة من النساء في مسيرة بشوارع طهران الشمالية والوسطى صباح اليوم بمناسبة اليوم العالمي للمرأة والتعبير عن آرائهم حول حجاب المرأة.. كما شارك في المسيرات النسائية اليوم عدد كبير من طالبات مدارس البنات. كما كانوا يهتفون ضد من هاجموا النساء المحجبات في الأيام الأخيرة”.
وبعد موافقة البرلمان على إلزامية الحجاب في أبريل 1983، تم تحديد السجن والجلد والغرامات للنساء اللواتي لا يرتدين الحجاب.
“كشت إرشاد” لتطبيق قانون الحجاب
وخلال السنوات الأخيرة، كان المسؤول عن تطبيق هذا القانون في الأماكن العامة هو شرطة الأمن المعنوي المعروفة باسم “كشت إرشاد”.
تم تعيين آلاف الموظفين الحكوميين تحت اسم “الأمن”، في الدوائر والمؤسسات الحكومية، وجعل واجبهم الوحيد هو رعاية حجاب الموظفات، ليتم وضع تنفيذ هذا القانون في البيئة الأسرية وغيرها من المجالات على أكتاف رجال المجتمع الأبوي المهيمن من خلال دعاية أيديولوجية واسعة النطاق.
لتستمر مضايقات الجماعات الإسلامية الراديكالية على النساء في الأماكن العامة بضوء أخضر من الخميني، وبشتى الطرق خلال العقود الأربعة عشر للجمهورية الإسلامية.
وقد عانت المرأة الإيرانية من انتهاكات الحكومة، بدءا من الجرس الذي يلتصق على جباههن إلى المواجهات العنيفة للجنة الثورة الإسلامية ودوريات التوجيه ورشق الحامض على وجوههن.
التسمم المتسلسل
وشهدت إيران حوادث التسمم المتسلسل للفتيات في المظاهرات الاحتجاجية، لتتصدر صفحات وسائل الإعلام المحلية والدولية.
واستمرت معارضة الحجاب الإلزامي بأشكال مختلفة خلال السنوات الماضية، لكن أبرز تجلياتها كانت حادثة “فتيات ثورة الشوارع”، التي انطلقت عام 2018 مع الحركة الاحتجاجية الرمزية للناشطة “فيدا موحد”.
وبعد مقتل مهسا أميني في حجز شرطة الأمن الأخلاقي في طهران منتصف سبتمبر 2022، أصبح اسمها رمزًا للتضامن الإيراني، حيث خرجت المحتجات إلى الشوارع دعما لمهسا أميني وضد الحجاب الإلزامي وخلعن الحجاب وأشعلن فيه النار، ورددن هتافات ضد المرشد علي خامنئي مع الرجال المتظاهرين.
وعلى الرغم من أن المسؤولين الحكوميين ينكرون تورط قوى داخلية في تسميم الفتيات، إلا أن النشطاء المدنيين لا يشككون في أن غرفة القيادة المسمومة داخل إيران.
فوارق اليوم والأمس
وبمناسبة اليوم العالمي للمرأة، الذي يصادف اليوم، دعت العديد من الناشطات والنقابات العمالية إلى مظاهرة احتجاجية عبر الخروج إلى الشوارع لمناهضة التمييز ضد المرأة والحجاب القسري وتسميم الفتيات.
وقد أصبحت الاعتداءات على الفتيات في المراكز التعليمية الآن واحدة من أهم الموضوعات في مسيرة الاحتجاج في يوم المرأة العالمي.
ويختلف اليوم العالمي للمرأة هذا العام عن مظاهرات 1979 الحاشدة من حيث عدة نقاط، أولها أن أجزاء كثيرة من المجتمع الأبوي انفصلت عن جسد النظام المهيمن تحت تأثير التربية المدنية، واعترف الناس بطبيعة الجمهورية الإسلامية، وأزالت الحكومة قناعها بمهاجمة المدارس وارتكاب وأد الأطفال في حركة مهسا أميني؛ لذلك انضم المزيد من الناس إلى المتظاهرين.
قالت الناشطة الحقوقية البارزة المعتقلة نرجس محمدي في سجن إيفين بطهران وفي هذه المناسبة، في رسالة لها “أكتب هذه الرسالة من مكان فيه آلاف النساء المثاليات ويعتقدن أن بعض الأشياء تستحق المعاناة من أجلها”.
وأضافت “نعتقد أن تحقيق الحرية والمساواة يستحق المعاناة والحرمان، وشعار النساء هو أن الأمر الشخصي هو موضوع سياسي”.
وتابعت: “من خلال الإصرار على الحياة الإنسانية الحقيقية في موقع وكرامة المرأة والأم، على الرغم من أننا عانينا وحاربنا هيمنة واستبداد حكومة معادية للمرأة ومجتمع يهيمن عليه الذكور لعقود، فإن لدينا اليوم مجتمعا سياسيا ضخما، لقد قلنا إنها أضعفت هياكل السلطة الاستبدادية وخلقت شكلاً تقدمياً وحاسماً في سياسات الصراع والحركات الاحتجاجية والاجتماعية”.
كما أكدت الناشطة الحقوقية نرجس محمدي على أن تشكيل واستمرار نضال العديد من النساء ضد الحكومة “لا يقوم على صراع وعداء الجماعات المعارضة، بل يعتمد في الواقع على موقفنا الإنساني، موقف يقوم على تجنب ومحاربة العنف والتمييز والسيطرة، وبما يتماشى مع إعمال حقوق الإنسان، الحقوق التي إذا لم تتحقق فسنواجه في النهاية عالما خاليا من السلام والإنسانية والمحبة”.
وفي رسالة بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، وصفت شهبانو فرح بهلوي زوجة شاه إيران الراحل، نظام رجال الدين بأنه “مناهض للمرأة”، وقالت إن المرأة الإيرانية في طليعة الكفاح من أجل نيل “حريتها وحقوقها المفقودة”.
وأشادت شهبانو فرح بهلوي بـ “إظهار الشجاعة والوعي” للنساء الإيرانيات في الانتفاضة الأخيرة على مستوى البلاد، مضيفة: “المرأة الإيرانية بدعم من مواطنيها، جلبت الحقوق الأساسية للمرأة والحياة والحرية”.
أعربت فرح عن تعاطفها مع النساء المعتقلات وقالت: “أتعاطف مع النساء المصابات في السجن، وأمهاتنا الحزينات وكل نسائنا الساعيات إلى الحرية وبناء دولة تحترم حقوق الإنسان والمرأة، وليس لديّ شك في أن المرأة الإيرانية التقدمية التي لا تعرف الكلل ستحقق أهدافها وتستعيد مكانتها القيمة”.