سياسة

واشنطن أمام اختبار معقد في التعامل مع حكام سوريا الجدد


تواجه الولايات المتحدة معضلة تتعلق بإستراتيجيتها في سوريا بعد الإطاحة بنظام الأسد، وسط تحذيرات من استغلال التنظيمات المتطرفة ويتصدرها “داعش” الفوضى لإعادة تنظيم صفوفها. وفيما يدعو الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى عدم التدخل في الفوضى” في سوريا، ترى إدارة الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن أن واشنطن الحيوية على المحك.

ورغم أن الخارجية الأميركية قالت في بيان إن موقفها لم يتغير من الجماعات السورية المتطرفة المصنفة على قائمة الإرهاب، إلا أن الوضع قد يفرض تواصلا معينا مع هيئة تحرير الشام التي تقود في الوقت الراهن المرحلة الانتقالية بلا ضمانات واضحة لمدنية الدولة أو لمسار الانتقال الديمقراطي والمسائل المتعلقة بحماية الأقليات وبحقوق الانسان.

ورغم التطمينات التي قدمتها هيئة تحرير الشام ومحاولة زعيمها أبومحمد الجولاني تسويق صورة مغايرة لتلك التي تعرفها القوى الغربية عنه وعن تطرفه، لا يبدو الأمر مطمئنا بالشكل المطلوب الذي يضمن عدم انحراف المرحلة الانتقالية إلى تصفية حسابات وعمليات انتقام وتشدد على غرار ما حدث في أفغانستان بعد استعادة طالبان الحكم مع انسحاب أميركي فوضوي.

وعلى ضوء تعقيدات الوضع السوري وتعدد الفصائل السورية واختلاف أجندتها، ستجد واشنطن نفسها أمام اختبار صعب ومعقد في التعاطي مع هذا الملف خاصة أن الولايات المتحدة ذاتها ستدخل قريبا رحلة انتقال للسلطة من إدارة ديمقراطية تميزت سياستها في الشرق الأوسط بالارباك والفوضى، إلى إدارة جمهورية بقيادة ترامب لم تتضح رؤيتها بعد ولا سياستها الخارجية في المنطقة التي تقف على حواف التوترات وتصعيد أوسع نطاقا. 

وتوقعت الولايات المتحدة مثلها مثل الكثير من الدول الغربية سقوط الأسد، لكن ما كان مفاجئا بالنسبة لها ولبقية الدول هو سرعة الهجوم المباغت الذي شنّته فصائل معارضة بقيادة هيئة تحرير الشام، وأطاح في أقل من أسبوعين بالرئيس السوري بشار الأسد، في بلد دمّره نزاع مستمر منذ أكثر من عقد.

وتجد الحكومة الأميركية نفسها على ضوء ما حدث في سوريا، مجبرة على مراجعة طريقة تعاطيها مع ملف يعتبر من بين الملفات المعقدة، فبعدما فشلت في السنوات الأخيرة في العثور على بديل قوي للرئيس السوري، انسحبت إلى حد كبير للتركيز على القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية الجهادي.

وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الثلاثاء إنه منذ سقوط الأسد، ركزت واشنطن على مسارين أساسيين: الأول منع عودة تنظيم الدولة الإسلامية، مع تنفيذ البنتاغون ضربات ضد أهداف تابعة له، والثاني محاولة التأثير على عملية الانتقال السياسي في سوريا.

وشدد على أن بلاده “ستعترف بالحكومة السورية المستقبلية التي تنتج عن هذه العملية وستدعمها بشكل كامل”. ويتوجه بلينكن هذا الأسبوع إلى الأردن وتركيا لبحث التطورات في سوريا، بحسب ما أكدت وزارة الخارجية الأميركية.

ويتجاهل المسؤولون الأميركيون في الوقت الحالي حقيقة أن الولايات المتحدة تصنّف هيئة تحرير الشام التي كانت مرتبطة بتنظيم القاعدة بـ”الإرهابية”، ويشيرون إلى أنه في هذه المرحلة، “ترسل الجماعة رسائل جيدة”، لكنهم يربطون الحكم عليها بحسب أفعالها وليس أقوالها.

لكن السبت، قبل يوم من إعلان سقوط الأسد، دعا دونالد ترامب إلى عدم “التدخل” في سوريا، معتبرا أن لا علاقة للولايات المتحدة بما يحصل.

وكرّر هذا التصريح في مقابلة مع مجلة “باري ماتش” الفرنسية نشرت اليوم الأربعاء قائلا “هناك الكثير من الأزمات في العالم. منذ أيام، بدأت أزمة جديدة في سوريا. سيتعين عليهم تدبير أمورهم بأنفسهم لأن لا دخل لنا هناك، ولا لفرنسا أيضا”.

وحاول ترامب خلال ولايته الأولى (2017 – 2021) سحب القوات الأميركية من سوريا، قبل أن يعود عن ذلك تحت ضغط دولي.

وقال براين فينوكاين من مجموعة الأزمات الدولية “يبقى أن نرى ما إذا كان سيسحب خلال ولايته الثانية جزءا من هذه القوات أو جميعها” وتنشر الولايات المتحدة نحو 900 جندي في سوريا في هذا السياق.

من جهته، اعتبر ستيفن كوك من مجلس العلاقات الخارجية، إنه ينبغي للولايات المتحدة معالجة المخاوف الحقيقية المرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية، لكن “في ما يتعلق بالمشاركة في تنظيم السياسة السورية، لا أعتقد أن هناك فائدة في ذلك”.

لكن جون تورنر، أستاذ التاريخ في كولبي كوليدج رأى أنه “إذا بقيت الولايات المتحدة على الهامش ولم تدافع عن مصالحها، فنحن نخاطر بتكرار ما حدث خلال سقوط النظام الشيوعي في أفغانستان مطلع التسعينات”، مع وصول حركة طالبان إلى السلطة والتي وفرت ملاذا لتنظيم القاعدة.

مع ذلك، يبدو أن مجال المناورة المتاح للولايات المتحدة محدود، بخلاف “التعبير عن اهتمامها بالمساعدة في التأثير على مسار الأحداث”، وفق ما قال كولن كلارك، مدير قسم البحوث في مجموعة صوفان.

لكنه يعتقد أن “إدارة ترامب يجب أن تكون لديها منذ اليوم الأول سياسة متماسكة بشأن سوريا، ويجب أن تبدأ العمل مع الجهات الفاعلة الأخرى على الأرض، خصوصا الأتراك”.

وفي ما يتعلق بالعلاقة مع هيئة تحرير الشام، رأى روبرت فورد، آخر سفير أميركي لدى سوريا، أن الهيئة أصبحت أكثر اعتدالا وأن تصريحات زعيمها أبومحمد الجولاني تسير في الاتجاه الصحيح.

وأضاف “أنا لا أقول إنه يجب الوثوق بالجولاني. من الواضح أنه سلطوي. ومن الواضح أنه إسلامي لا يعتقد أن المسيحيين لديهم الحق نفسه في السلطة مثل المسلمين. لكنني متأكد من أنني أريد اختباره في بعض هذه المواضيع”.

وتابع أنه “يجب على واشنطن أن تشجّع الهيئة، وكذلك الجهات الفاعلة السورية الأخرى، على التواصل وطمأنة المجتمعات المختلفة في البلاد، ولا سيما المسيحيين والأكراد والعلويين وذهب إلى أبعد من ذلك قائلا إن على واشنطن أن تتراجع وتسمح للسوريين بترتيب مستقبلهم.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى