سياسة

هيلاري كلينتون و”الأربعين حرامي”


من الطبيعي أنْ تكونَ السياسة الحقيقية والأفعال المتخذة بصدد أي قضيّةٍ دوليّةٍ ولا سيما القضايا الخارجية على قاعدة “الأفعال بعيدةٌ عن الأقوال”، أو في أحسن الظروف أنْ تكون الخطابات مرتكزةً على السياسة الفعلية التي تعمل عليها الجهة المصرِّحة ولكن بطريقةٍ تمويهيّةٍ تخص التهويل والمبالغة بخطورة الأمر أو التهويل بمدى صغره وتفاهته، ولكنْ أنْ تأخذَ سياسة الدولة سمة المؤامرة والدسائس من قبل منظومة حكم لدولة كالولايات المتحدة التي حاولت “هيلاري كلينتون” السير بها بهذا المنحى؛ إنما هي ورطةٌ سياسيّةٌ داخليّةٌ وخارجيّةٌ لا غايةَ منها إلا ضرب الاستقرار السياسي والأمني في العالمِ أجمع، لتتحول بذلك مَن كانت تطمح لسكنى البيت الأبيض “كلينتون” من سياسيّة مخضرمةٍ إلى قاطعةِ طريقٍ؛ الأمر الذي استنكره الأمريكيون قبل غيرهم، وهو ما دفع الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” إلى الموافقة على نشر المعلومات السرية فيما يخص البريد الإلكتروني لكلينتون، فاتضح بذلكَ دور إدارة “أوباما” الديمقراطية وواجهة الديمقراطيين من بعده “كلينتون” في الفوضى المنشودة في الشرق الأوسط، على طريقة “علي بابا والأربعين حرامي”.

فقد أوضحت التسريبات رسائل كثيرة ناقشت فيها “كلينتون” مسألة الدعم الذي تتبناه باسم الولايات المتحدة لقطر من أجل دعم تنظيم الإخوان، للمساهمة في تأزيم الأوضاع ونشر الفوضى في الدول العربية التي امتطى التنظيم الإرهابي صهوتها، ولعل أبرز تلك الملفات الداعمة بحسب ما تضمنته الرسائل المسرّبة هو الملف الإعلامي الذي يشكل الأزمة الحقيقية للتنظيم، مما دفع قطر إلى تحويل قناتها “الجزيرة” منبراً لهم، ريثما يتم التجهيز للدعم المالي لتصوير الأمر على أنه جهد خاصٌّ بالتنظيم من خلال دعمه ب 100 مليون دولار من أجل تكوين منصتهم الخاصة، والتي اشترط التنظيم وفق ما أوردته التسريبات أنْ يتسلّم القيادي الإخواني “خيرت الشاطر” إدارتها بالتعاون مع الجزيرة، وهو الأمر الذي يبرر لقاءات كلينتون مع المدير العام للجزيرة “وضاح خنفر” والمدير العام للجزيرة الناطقة باللغة الإنكليزية “توني بورمان” في الدوحة عام 2011.

كما فضحت التسريبات الكثير عن دور المال القطري لزعزعة الأوضاع في بداية ما يسمى “الربيع العربي” من خلال التطرق للكثير من الرسائل المتبادلة بين كلينتون وحمد بن جاسم إبان اندلاع الأزمة في مصر وتونس وتصدّر الإخوان المشهد على الساحتين المصرية والتونسية، الأمر الذي أسعَدَ قطر وكلينتون التي اقترحت تقديم الدعم بصورة استثمارية تهرباً من تحمل مغبة الدعم المباشر لتنظيم لا ينتهج إلا التدمير وضرب السلام والأمان، فتم التسويق للأمر على شكل “صندوق الاستثمار الأمريكي المصري”، ومشروع مماثل في تونس تحت المسمى ذاته “صندوق الاستثمار الأمريكي التونسي”، وتمويل المشروعين بعشرات الملايين من الدولارات للمساهمة في تعويم المشروع الإخواني القطري، ولكن قطر لم تكتف بذلك حسب التسريبات فقد أبدت استعدادها لتقديم الدعم إلى مصر وتونس الإخوان بعشرات المليارات من الدولارات خارج هذين الصندوقين.

ولكن ليس هذا كل شيءٍ فيما يخص التسريبات المنشورة لبريد كلينتون الإلكتروني، فليس المهم ما طرح من قضايا فحسب، بل في الكثير من الأحيان يكون مجرد عدم التطرق للقضيّة تواطؤاً، لا سيّما وأنّ هذا الأمر يتعلق بشخصية تتبوأ مركزاً رفيعاً للدولة التي تعد الأعظم على مستوى العالم اليوم، وإنّ ما يهمها وتعمل عليه وتناقشه في رسائلها التي من المفروض أنْ تكون على قدر كبير من السرية هو السياسة الأمريكية الخارجية التي تعدُّ وسيلة النفوذ الأمريكي الأقوى الذي يمنحها القوة المهيمنة على العالم، ولا سيما فيما يخص قضايا الشرق الأوسط التي تعد بوصلة السياسة الخارجية الأمريكية، وعليه فإنّ عدم تطرق “كلينتون” لقضية أمن المنطقة ودور إيران وحزب الله وتركيا الداعم للفوضى والعامل على ضرب استقرارها وأمنها يعد بحد ذاته فضيحةً لا تقلُّ عن الفضيحة الواضحة في التآمر مع القوى المخربة، لا سيما وأنّ الدلائل السابقة في غير هذه الرسائل تشير إلى تورط “كلينتون” في هذا الدعم بصورة مباشرة أو غير مباشرة كقضية ارتباط كلينتون وحملتها الانتخابية عام 2016 برجل الأعمال النيجيري من أصل لبناني “جيلبير الشاغوري” ذي العلاقة الوطيدة مع “حزب الله” المصنف إرهابياً على اللوائح الأمريكية.

كل هذه القضايا والتسريبات التي لا تنمُّ عن عمل مؤسساتي وسياسيٍّ يتناسب وحجم المؤسسة السياسية والإدارية لدولة عظمى مثل الولايات المتحدة، لا يجعل لدى الإنسان المتفحص غير انطباعٍ واحدٍ، ألا وهو بأنّ هذه الشخصيات التي تتبوأ المراكز الرفيعة مثل “هيلاري رودهام كلينتون” ما هي إلا صورةٌ من صور أساليب اللصوص وقطاع الطرق، الأمر الذي يجعل الاسم الأنسب لها هو “علي بابا والأربعين حرامي” فرسائل كلينتون ما زالت حبلى والحبل على الجرار، وعلى ما يبدو فإنّ هذا ليس إلا غيضاً من فيضٍ ستكشفه الأيام القادمة لإماطة اللثام عن بقية الأربعين.

نقلا عن العين الإخبارية

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى