هل يُشكّل هجوم “حماس” لحظة تحول تاريخية في النزاع بين إسرائيل وفلسطين؟


تساءلت صحيفة “تلغراف” البريطانية عما إذا كان الهجوم الذي شنته “حماس” على إسرائيل سيشكل لحظة “تحول” بنفس القدر الذي أثرت به أحداث كبرى سابقة، كانهيار الاتحاد السوفييتي، وأحداث 11 سبتمبر عام 2001.

وفي مقال للكاتبة شيرلي جاكوبس، قالت الصحيفة إن العالم يشهد بين الحين والآخر “زلزالاً يمزق التاريخ، ويحطم القصص البسيطة التي تساعدنا على فهم هذا العالم”.

وأوضحت الصحيفة أن “زلزال” انهيار الاتحاد السوفييتي أدى إلى تحطم “المعتقدات القديمة” المتعلقة بعالم منغمس في معركة حضارية بين مفاهيم “الحرية” مقابل “الشمولية“، وأدى ذلك الزلزال إلى ظهور “رواية جديدة” حول الانتصار المفترض للنظام الليبرالي.

وتلك الأسطورة تحطمت هي الأخرى، عندما استهدف إرهابيو تنظيم “القاعدة” برجي مركز التجارة العالمي بطائرات في 11 سبتمبر/أيلول، إذ صار ينظر إليها بوصفها كاذبة في ظل عودة الأصولية الدينية.

وتابعت الصحيفة: “كذلك الغزو الروسي لأوكرانيا، وبرغم كونه كارثياً بالنسبة للكرملين، فقد كشف عن سذاجة وجهة النظر التي تزعم أن أوروبا آمنة من الصراع، وأن مكاسب السلام في مرحلة ما بعد الحرب الباردة يمكن تحويلها بأمان إلى الرفاه الاجتماعي”.

وتصل الصحيفة إلى هجوم “حماس“، لتتساءل حول ما إذا كان سيؤدي إلى حدوث لحظة “تحول” بنفس القدر الذي أثرت به الأحداث السابقة، وقلب كل شيء رأسا على عقب. ورأت أن هجوم حماس غير المسبوق أحدث “جرحاً نفسياً عميقاً لدى دولة إسرائيل وشعبها”، ولكن عواقب هذا الهجوم قد تؤدي أيضاً مع مرور الوقت إلى تفكيك بعض “الافتراضات الأساسية” التي عززت تصور الغرب الأوسع للأمان، ما يبشر بعصر مظلم جيوسياسي جديد، بحسب الصحيفة .

الأوهام الثلاثة

واعتبرت الصحيفة أن العالم أمام ثلاثة أوهام في التعامل مع الأحداث الجارية، أولها قدرة الغرب على قيادة عالم المال والاقتصاد العالمي، ومدى فعالية فرض العقوبات كأداة لتجنب الصراعات .

ورأت الصحيفة أن “كثيرين تشبثوا بوجهة النظر القائلة بأن القيود المفروضة على التجارة المعولمة والتمويل كانت بمنزلة الورقة الرابحة في أيدي الغرب، وقيل أيضاً إن أية دولة لن تتعمد جعل نفسها أكثر فقراً لمجرد تحقيق هدف غير عقلاني اقتصادياً، وبأن من شأن العقوبات أن تثني أعداءنا عن شن الحروب أو غيرها من الأعمال العدائية.”

لكن تلك الفرضية ثبت عدم جدواها، بحسب الصحيفة، ففي الحالة الروسية عوملت موسكو بالمعادل المالي لمبدأ “الصدمة والرعب”، لكن الأخيرة لا تزال ترفض التراجع بشأن أوكرانيا.

وأردفت الصحيفة أن “الرؤى الغامضة” لإحياء الإمبراطورية الروسية المفقودة كانت أكثر أهمية بالنسبة للكرملين من المال، فيما كشفت هذه الأداة أيضا عن العجز في الحد من قدرة إيران على تمويل الإرهاب وإثارة الانقسام في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، على الرغم من خضوعها للعقوبات الأميركية منذ عام 1979.

ورأت الصحيفة أن أسباب فشل العقوبات الاقتصادية، سواء بسبب القيود التي ترافقت مع فرض هذه العقوبات، أو الافتقار إلى التصميم الغربي في تطبيقها، يبقى أمرا قابلا للنقاش.

وأضافت: “وفي حالة روسيا، زعم البعض أننا أحجمنا عن فرض تدابير فعّالة حقاً لأننا غير مستعدين لتحمل ضربة اقتصادية هائلة بأنفسنا.”

أما في الحالة الإيرانية، فإن “على البيت الأبيض أن يجيب على العديد من التساؤلات بجدية حول ما إذا كان الرئيس الأمريكي جون بايدن قد أخطأ في استراتيجيته تجاه إيران، إذ خففت الولايات المتحدة العقوبات على النفط الإيراني، في محاولة لحمل طهران على إبطاء برنامجها النووي، وكبح جماح الميليشيات التابعة لها.”

وأضافت الصحيفة: “ولكن نظراً لقدرة إيران على مواصلة التجارة مع دول غير غربية، مثل الصين وروسيا، فربما تكون أي قيود اقتصادية محكوما عليها بالفشل دائماً”.

وهم التكنولوجيا

حالة الوهم الثانية التي تحدثت عنها الصحيفة، تتعلق بالدور الذي تلعبه التكنولوجيا، فقد ظن الغرب واهماً بأن قيادته للعديد من الإبداعات المتطورة تكنولوجياً من شأنها أن تساعد في منع أي “تهديدات خبيثة”.

وفي هذا الصدد، اعتبرت الصحيفة أن “هجوم حماس على إسرائيل أظهر قدرة حركة متشرذمة، تستخدم شبكة الإنترنت من الجيل الثاني، على تخريب واحدة من أكثر أنظمة المراقبة والدفاع تقدماً في العالم”.

وأضافت الصحيفة أن العديد من الجيوش الغربية عملت على تحويل مواردها المالية بعيداً عن القوة البشرية العسكرية التقليدية إلى تمويل مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والإنترنت والمراقبة، مشيرة إلى أن هذا النهج بدا واضحا في المراجعة التي أجرتها بريطانيا مؤخراً، والتي استخدمت لدعم التخفيضات في حجم الجيش البريطاني.

وأشارت الصحيفة إلى أن أنواع “الابتكارات الخارقة” التي من شأنها أن تحول بشكل حاسم الحرب غير المتكافئة لصالح الغرب لا تزال بعيدة المنال.

وأضافت أن العمليات الإسرائيلية في غزة تثبت ذلك، فلا يوجد حتى الآن سلاح دقيق قادر على استهداف المقاتلين في منطقة حضرية مكتظة بالسكان دون إلحاق أضرار جانبية هائلة.

وهم السمعة

أما حالة الوهم الثالثة، بحسب الصحيفة، وهي “الأخطر والتي لم تنكسر بعد”، فهي “سمعة الولايات المتحدة “، وأشارت الصحيفة إلى أن الولايات المتحدة أظهرت تصميماً كبيراً في الرد على هجمات حركة حماس، فأرسلت أسطولاً إلى البحر الأبيض المتوسط دعماً لإسرائيل، ورسالة تحذير لطهران أيضا.

وتقول الصحيفة إن الأوروبيين يدقون ناقوس الخطر بشكل متزايد بشأن شحنات الأسلحة الموجهة إلى أوكرانيا والتي ستضطر إلى إعادة توجيهها إلى غزة.

وأشارت الصحيفة إلى أن غرق الغرب في صراع عربي إسرائيلي سيمتد لسنوات قادمة، وهذا من شأنه أن يحفز بكين أيضا على الاستفادة من هذا الوضع والقيام بغزو مفاجئ لتايوان.

وقالت الصحيفة: “لا أحد يعتقد جدياً أن الولايات المتحدة ستكون قادرة على خوض ثلاثة حروب بالوكالة بنفس الفعالية في ثلاث قارات، خصوصا في ظل حالة الانقسام السياسي التي تعيشها”، وأضافت أن “الولايات المتحدة لا تستطيع مواصلة القيام بدور شرطي العالم.”

وختمت الصحيفة بالقول إن “المرارة الحقيقية في كل هذا هو أن الوضع حاليا مختلف تماما عما كان عليه قبل أيام قليلة، فقد بدا أن التقارب المذهل للمصالح الاستراتيجية بين العدوين اللدودين، المملكة العربية السعودية وإسرائيل، قد جعل المنطقة قريبة بشكل مثير من عصر ذهبي جديد من الاستقرار والتجارة، أو هكذا كان يبدو.

Exit mobile version