سياسة

هل يُحرّك السيستاني جبهة المقاومة؟ إيران تطرق باب النجف في لحظة اشتعال


تتصاعد الدعوات في صفوف الفصائل المسلحة والقوى السياسية الموالية لإيران، الموجهة إلى المرجع الديني الأعلى للشيعة في العراق علي السيستاني لإصدار فتوى للجهاد ضد الولايات المتحدة وإسرائيل، شبيهة بالفتوى التي أصدرها قبل نحو عشر سنوات للتصدي لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، فيما تتزامن هذه المطالب مع تهديدات تطلقها الميليشيات العراقية باستهداف المصالح الإميركية والانخراط في الحرب الدائرة بين إسرائيل وطهران في حال اغتيال المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي.

وتأتي المطالبة بإصدار فتوى الجهاد في إطار الضغوط التي تمارسها أذرع طهران في العراق بهدف تعبئة الرأي العام وحث الحكومة على اتخاذ موقف مؤثر، بينما تسعى الأخيرة جاهدة إلى النأي بنفسها عن الصراع.

ونقل موقع “شفق نيوز” الكردي العراقي عن علي الفتلاوي القيادي في تحالف الفتح بزعامة هادي العامر، المقرّب من إيران، قوله إن “التعدي على الجمهورية الإسلامية التي تعتبر المدافع عن بيضة الإسلام الحنيف لا تخص الشيعة فقط، وإن كانت هي المتصدية”، منتقدا ما أسماه “ضعف القرار الإسلامي السني الكريم”، لافتا إلى أنه “يعطي انطباعا بأن البيانات والفتاوى الشيعية هي صاحبة الصوت الأعلى”.

وتابع أن “التعدي على آية الله القائد الإسلامي الخامنئي يعد تعدياً على الإسلام، باعتباره شخصية دينية يأتم بها ملايين المسلمين، كما هو الحال مع المرجع الأعلى علي السيستاني”.

وأضاف أن “بيان المرجعية الدينية الأخير واضح وصريح”، متوقعا أن “تصدر فتوى جهاد في حال تطورت الأمور بشكل أكبر وأخطر”، مردفا “هنا ستكون أميركا وإسرائيل في خطر كبير”.

ويتمتع السيستاني بمكانة دينية وروحية مرموقة ليس فقط في العراق بل في العالم الشيعي بأسره، كما تُعتبر فتاواه وتوجيهاته ذات تأثير كبير على أتباعه، ليس فقط في الأمور الفقهية بل حتى في المواقف السياسية والاجتماعية، وبالتالي فإن أي فتوى يصدرها بشأن قضية بهذا الحجم سيكون لها صدى واسع وتأثير محتمل على الساحة الإقليمية والدولية.

وتعكس المطالبة بفتوى للجهاد ضد الدولة العبرية والولايات المتحدة التعويل على قدرته على تحريك الشارع الشيعي والتأثير على الأحداث. 

وحذرت المرجعية الدينية العليا للشيعة في العراق في وقت سابق من “مغبة استمرار الضربات الجوية التي تشنها إسرائيل على إيران”، داعيةً الجهات الدولية وبلدان العالم إلى التدخل لإيقاف هذه الحرب، وإيجاد حل سلمي للملف النووي الإيراني.

وجددت في بيان صادر عن مكتب السيستاني “إدانتها الشديدة لتواصل العدوان العسكري على الجمهورية الإسلامية وأي تهديد باستهداف قيادتها الدينية والسياسية العليا”.

وحذّرت من أن “القيام بخطوة إجرامية من هذا القبيل ينذر بعواقب بالغة السوء على أوضاع هذه المنطقة برمّتها، وربما يؤدي إلى خروجها عن السيطرة تماما وحدوث فوضى عارمة تزيد من معاناة شعوبها وتضر بمصالح الجميع إلى أبعد الحدود”.

ويُعرف عن المرجعية الدينية العليا في النجف، ومنها السيستاني، تبنيها لموقف الابتعاد عن التدخل المباشر في الشؤون السياسية والعسكرية، ما لم تكن هناك ضرورة قصوى تهدد كيان العراق أو الشعب العراقي بشكل مباشر، ففتوى الجهاد الكفائي التي صدرت في عام 2014 ضد داعش كانت استجابة لتهديد وجودي حقيقي للبلاد.

ويرى مراقبون أن إصدار فتوى جهاد ضد إسرائيل تستوجب تقييمًا فقهيًا وسياسيًا معقدًا، بالنظر إلى أن المرجعية تأخذ في الاعتبار تداعيات مثل هذه الخطوة على المنطقة بأسرها، وعلى استقرار العراق نفسه، وعواقبها على حياة المدنيين.

ويتوقع أن يُنظر إلى مثل هذه الفتوى على أنها تصعيد كبير قد يجر المنطقة إلى صراع أوسع نطاقًا، وهو ما تحاول المرجعية عادة تجنبه، لا سيما وأن الحكومة العراقية شددت مرارا على ضرورة تجنيب البلاد الانزلاق إلى حرب قد تعيده سنوات إلى الوراء.

وترى المرجعية أن مصلحة العراق واستقراره يقتضيان عدم الانخراط المباشر في صراعات إقليمية قد تؤثر سلبًا على أمنه الداخلي، في إطار نهجها الحذر والابتعاد عن إصدار فتاوى قد تكون لها تبعات خطيرة وغير محسوبة.

وأثار التهديد الإسرائيلي باغتيال خامنئي غضب الفصائل العراقية الموالية لطهران باعتبار الرمزية الكبرى للمرشد الأعلى الإيراني لدى الشيعة.

وندّد الأمين العام لحركة النجباء، المدعومة من إيران، الشيخ أكرم الكعبي، بهذه التهديدات، محذراً من أن “المساس بخامنئي سيشعل نيران الانتقام في عموم المنطقة”

وخاطب الرئيس الأميركي دونالد ترامب قائلاً “إن لمستم شعرة من وليّ الأمة الإمام الخامنئي، فأنتم وحلفاؤكم وأذنابكم ستكونون تحت ملاحقتنا ونيراننا في كل منطقتنا الإسلامية”.

ولطالما شكّل العراق ساحة للصراعات الإقليمية، ما يضاعف المخاوف حاليا من احتمال انزلاقه في أتون الحرب في حال استهداف فصائل عراقية مسلحة موالية لطهران مصالح أميركية في المنطقة.

وفي وقت سابق الخميس، قال المتحدث باسم كتائب حزب الله العراقية أبوعلي العسكري “لقد أخطأ المعتوه الأحمق ترامب في الخطاب والتوقيت وكان عليه أن يفهمها قبل أن يتحدث عن مقام الإمام الخامنئي”.

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اعتبر هذا الأسبوع أن اغتيال خامنئي من شأنه أن “يضع حدا للنزاع”، فيما قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إن الولايات المتحدة لن تقتله “في الوقت الحالي”.

ووصف خامنئي الذي يقود إيران منذ العام 1989، دعوة ترامب لطهران لـ”الاستسلام” من دون شروط، بأنها “غير مقبولة”، مضيفا “نجدد التأكيد على أن دخول العدو الأميركي في هذه الحرب سيجلب له الويلات والدمار غير المسبوق”.

بدوره، قال حزب الله اللبناني في بيان اليوم الخميس إن “التهديد بالقتل حماقة وتهوّر، له عواقب وخيمة”، مشيرا إلى أن “مجرّد النطق به فيه إساءة إلى مئات الملايين” من المسلمين “وهو مستنكر ومُدان بأبلغ عبارات الإدانة”.

وأسفرت الضربات الإسرائيلية عن مقتل 224 شخصا على الأقل وإصابة أكثر من ألف آخرين في إيران، وفقا لحصيلة رسمية. وفي إسرائيل، أدت الغارات الإيرانية عن مقتل 24 شخصا على الأقل، وفي الحكومة.

وتجمّع رجال دين شيعة مساء الأربعاء بلباس عسكري في مدينة البصرة بجنوب العراق قرب الحدود مع إيران، رافعين أعلاما عراقية وإيرانية وهاتفين شعارات تندّد بالهجوم الإسرائيلي على طهران.

وفي لقاء مع السفير الفرنسي في بغداد باتريك دوريل، دعا مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي اليوم الخميس الاتحاد الأوروبي وكذلك المجتمع الدولي إلى جانب الولايات المتحدة إلى “الضغط على إسرائيل من أجل إيقاف عدوانها على إيران”.

ويأتي ذلك عشية اجتماع مرتقب في جنيف بين وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ونظرائه من فرنسا وألمانيا وبريطانيا ومسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى