هل يعطي ماكرون مفاتيح رئاسة 2027 للوبان؟


شارع غاضب ورئيس حُرقت دميته ماض في طريقه على حساب رصيده لدى مواطنيه، فيما حكومته على أبواب تصويت بحجب الثقة. ملامح الوضع العام في فرنسا بعد رفع الحكومة سن التقاعد دون تصويت برلماني.

فبعد أربع سنوات من حركة السترات الصفراء المناهضة للحكومة التي شهدت احتجاجات في بلدات صغيرة ومناطق ريفية، اتهم العديد من ناخبي الطبقة العاملة ماكرون مرة أخرى بازدراء الشعب، فيما طالب سياسيون من حزبه مرة أخرى الشرطة بحمايتهم خوفا من أعمال انتقامية عنيفة.

ماكرون يبرر

وكان ماكرون قرر، يوم الثلاثاء الماضي، استخدام السلطات التنفيذية الواردة في المادة 49.3 من الدستور الفرنسي لتجاوز البرلمان والمضي قدما في خطته لرفع سن التقاعد من 62 إلى 64 دون تصويت، زاعما أنه لا يوجد خيار آخر.

وحاول ماكرون الدفاع عن قراره قائلا إن التصويت ضد القانون كان سيضعف الأسواق ويلحق الضرر بالاقتصاد، ويركز دستور فرنسا المعمول به منذ 65 عاما السلطة في يد الرئيس على حساب النواب، مما يسمح له بتجاوز البرلمان المنقسم في ظروف معينة.

لكن هذه الخطوة قد تحدد برنامجه المحلي وسنواته الأربع المتبقية في منصب الرئيس، خاصة بعد أن اتهم منتقدون المصرفي السابق الذي وعد ذات مرة بالتوفيق بين الشعب الفرنسي وطبقته السياسية التي تراجعت ثقته بها، وإصلاح دولة الرفاهية والحد من التصويت لليمين المتطرف، بمفاقمة حالة الاستياء الشعبي من السياسة التي يتبعها، وتعزيز موقف اليمين المتطرف في الانتخابات الفرنسية المستقبلية.

ذكريات أليمة

وفيما خرج المتظاهرون الغاضبون في مدينة ديجون الفرنسية إلى الشوارع وأشعلوا النار في دمية لإيمانويل ماكرون، في توقيت كان متزامنا مع تظاهر الآلاف في مدن مثل باريس ورين ومرسيليا الأسبوع الماضي، احتجاجا على رفع الحكومة سن التقاعد دون تصويت برلماني، قال وزير الداخلية إن الفوضى نكأت جراح “ذكريات أليمة”.

أوضاع دفعت إلى التساؤل: ماذا سيحدث بعد ذلك؟ لتجيب صحيفة “الغارديان” قائلة في تقرير لها: إن الحكومة قد تنجو من التصويت بحجب الثقة الذي ستواجهه في البرلمان يوم الإثنين المقبل، مشيرة إلى أنه سيكون من الصعب على أحزاب المعارضة الحصول على الأغلبية المطلقة المطلوبة من دون الجمهوريين اليمينيين، الذين ترفض قيادتهم دعمها، لكن المحللين يقولون إنه لا توجد حقائق مؤكدة.

وأشارت إلى أنه إذا نجت الحكومة فإن قدرة ماكرون على تنفيذ برنامجه المحلي ستتهاوى، مؤكدة أن موقفه اهتز بشدة في الجمعية الوطنية منذ فشل حزبه الوسطي في الفوز بأغلبية مطلقة في الانتخابات البرلمانية في يونيو/حزيران الماضي، وسط مكاسب لليمين المتطرف واليسار الراديكالي، فيما أظهر الخلاف المتعلق بالمعاشات التقاعدية كيف لا يمكن الاعتماد على اليمين لمساعدة ماكرون في تمرير التشريعات التي يريدها.

ماتت الماكرونية

وفي هذا السياق، قال الصحفي السياسي توماس ليغراند، في صحيفة ليبراسيون اليومية اليسارية، إن هذا كان “اليوم الذي مات فيه الماكرونية”، مشيرا إلى أن الرئيس سيكافح لتمرير أي سياسة داخلية أخرى.

فحينما تغلب ماكرون على المرشحة اليمينية المتطرفة مارين لوبان وفاز بفترة ولاية ثانية في الربيع الماضي تعهد بتعزيز الإجماع، قائلاً إن الشعب الفرنسي “سئم الإصلاحات التي تفرض عليه من السلطة”، في خطاب اعتبرته النقابات العمالية جوفاء.

وتقول صحيفة “الغارديان” إن تعديلات نظام المعاشات التقاعدية كانت وما زالت نقطة توتر سياسية لكل رئيس فرنسي، لأنها يُنظر إليها على أنها حجر الزاوية لنموذج فرنسا النفيس في الحماية الاجتماعية، لكن تعديلات ماكرون اعتُبرت غير عادلة، بسبب التشوش الذي رافق الوزراء لشرحها للجمهور.

وقالت نقابات العمال إن عمال المهن اليدوية ذوي الدخل المنخفض سيعانون أكثر من غيرهم من ارتفاع سن التقاعد من 62 إلى 64 لأنهم بدأوا حياتهم العملية في وقت مبكر، أما أصحاب الدخول المرتفعة الذين يدخلون سوق العمل متأخرا بسبب دراستهم الجامعية فسيشعرون بتأثير أقل، حيث يتقاعد الكثيرون في سن 67 للحصول على معاش تقاعدي كامل.

مفاتيح الرئاسة

وفي حين بلغ عدد السترات الصفراء 200 ألف في أول مظاهرات في الشوارع في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، حشدت النقابات العمالية في الشهرين الماضيين ما يصل إلى 1.28 مليون شخص، في مسيرات في جميع أنحاء فرنسا خلال شهرين من الإضرابات المتواصلة، فيما تستعد لإضرابات أخرى في الأيام المقبلة وما زال الغضب مرتفعا.

وقال رئيس نقابة الكونفدرالية العامة للشغل اليسارية فيليب مارتينيز إنه إذا استخدم ماكرون سلطات تنفيذية لفرض تغيير المعاش التقاعدي دون تصويت برلماني، فسيعطي “مفاتيح الرئاسة” للوبان في عام 2027.

وبينما كان اليسار الراديكالي صريحا في انتقاداته البرلمان وفي الاحتجاجات، كان حزب لوبان التجمع الوطني هادئا، إلا أنه اتهم ماكرون الأسبوع الماضي بالاستمتاع بإثارة الفوضى في البلاد.

Exit mobile version