“هجوم برلماني في ليبيا على باتيلي خوفًا من تخطيه وتهميشه”
هاجم ستون نائبا في البرلمان الليبي مساء الجمعة المبعوث الأممي عبدالله باتيلي واتهموه بتضليل الرأي العام وبالعمل ضد التوافق. ما يعكس تخوف مجلسي النواب والأعلى للدولة من فرض باتيلي خارطة الطريق السياسية الخاصة بالبعثة الأممية. وتهميش المجلسين الذين يعملان على المماطلة في إجراء الانتخابات بالإصرار على تشكيل حكومة جديدة وتجاهل إصدار القوانين الانتخابية.
ويعتقد البعض أن بيان النواب الستين جاء مدفوعا من رئيس المجلس عقيلة صالح الذي لم يصدر عنه أي تعليق إلى حد الآن عن رسالة التحذير. الذي وجهها له رئيس البعثة الأممية وإعلانه عن رفضه الضمني لاعتماده خارطة طريق المسار التنفيذي للقوانين الانتخابية.
ويذهب البعض الآخر إلى أن بيان النواب الستين يندرج ضمن خطة الدفاع. التي طالما سلكها البرلمان والأعلى لترسيخ وجودهما كمؤسستين تشريعية وإستشارية. وقد برز ذلك عندما لوح باتيلي بخطة بديلة وتوجيهه بتشكيل لجنة تعنى بإصدار القوانين الانتخابية. لكن المجلسين عجلا بإنجاز تعديل الإعلان الدستوري الـ13 وتشكيل لجنة 6+6 التي تولت خلال اجتماعاتها في مدينة بوزنيقة المغربية إعداد قوانين الانتخابات.
وفي بيان شديد اللهجة، قال النواب إن “ممارسات بعثة الأمم المتحدة في ليبيا وعلى رأسها المبعوث الخاص عبدلله باتيلي. أصبحت في الفترة الأخيرة مشوبة بنوع من الغموض وكأنما باتت تعمل ضد التوافق الليبي”. مضيفا “وليس ببعيد ملاحظات البعثة الأممية حول قوانين الانتخابات الصادرة عن لجنة 6+6 وغيرها من القضايا”.
وحذر بيان النواب البعثة الأممية “من مغبة هذه المواقف وندعوها للالتزام بمهامها الموكل اليها وفق قرار انشائها رقم 2011/2009. الذي حصر مهامها في دعم المؤسسات السياسية الليبية، ولم يخولها التدخل في الشأن الليبي كما هو حاصل الآن”.
واعتبر النواب أن “ما ورد في بيان بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا تضليل للرأي العام يهدف إلى تفريغ توافق المجلسين من محتواه والتقليل من أهميته من خلال وصفه بالأحادي في حين أنه يعد اساساً لتوافق عريض بين الليبيين من أجل الوصول للانتخابات الرئاسية والبرلمانية”.
وذكّر البيان بأن “هذا التوافق بين المجلسين كان مطلباً أساسيا لكل من سبقه في رئاسة البعثة، كونه يأتي تنفيذا لنصوص الاتفاق السياسي الليبي الذي جاء ثمرة عمل مضن وشاق أشرفت عليه بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا آنذاك وأصبح اليوم وثيقة دستورية مهمة”.
وكانت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا حذرت الخميس الماضي من “أي إجراءات أحادية الجانب أو محاولة لتقويض تطلعات الليبيين إلى إجراء انتخابات وطنية”. وذلك بعد إعلان مجلس النواب موافقته على خارطة الطريق المنبثقة عن لجنة “6+6″، المشكلة من البرلمان والمجلس الأعلى للدولة، لإعداد قوانين الانتخابات.
وقالت البعثة، في بيان، إنها علمت بموافقة مجلس النواب على خارطة طريق، وإعلانه فتح باب الترشيحات لحكومة جديدة، محذرة من “عواقب وخيمة على ليبيا جراء أي مبادرات أحادية الجانب، لمعالجة الانسداد السياسي”.
لكن الناطق باسم مجلس النواب عبدالله بليحق قال إن بيان بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا “تضمن معلومات غير صحيحة”. نافيا ما ورد بالبيان “حول اعتماد مجلس النواب خارطة طريق المسار التنفيذي بملاحظات، والادعاء بأن مجلس النواب فتح باب الترشح لرئاسة الحكومة”.
وأعرب بليحق، في بيان عن الاستغراب من “وصف ما قام به مجلس النواب بالإجراءات أحادية الجانب”، معتبرا أن ذلك “غير صحيح”.
وتابع “من المفترض أن يكون دور بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا هو دعم تحقيق التوافق بين الليبيين، وهو ما تجسده الإجراءات المتخذة من قِبل مجلس النواب”.
ورداً على بيان البعثة، أصدرت سفارات الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا في ليبيا، بياناً مشتركاً، ليل الخميس. أعلنت فيه دعمها لجهود باتيلي الرامية إلى إشراك جميع الأطراف في معالجة النقاط المختلف عليها في القوانين الانتخابية للجنة 6+6.
وأكد بيان السفارات الخمس ضرورة “أن تتم مناقشات كل الأطراف في ليبيا في إطار العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة”. مشدداً كذلك على “ضرورة مشاركة جميع الأطراف السياسية في ليبيا بشكل بناء مع رئيس البعثة الأممية”. كما أكد البيان “دعم تأمين الاتفاق السياسي الشامل الضروري على طريق الانتخابات، من خلال مساحة متكافئة لجميع المرشحين”. لافتاً إلى أن “المناقشات حول خارطة الطريق يجب أن تكون جزءاً من المفاوضات السياسية الأوسع التي تُيّسرها الأمم المتحدة”.
ومن المنتظر أن يناقش المجلس الأعلى للدولة ملاحظات مجلس النواب على القوانين الانتخابية ليتم تضمينها من قبل لجنة 6+6 وإرجاعها إلى مجلس النواب لاعتمادها بشكل نهائي للبدء في تنفيذها
وتتعلق ملاحظات مجلس النواب بإلغاء الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية. والسماح لمزدوجي الجنسية بالترشح، شريطة إحضار ما يفيد بالتنازل عن الجنسية الأجنبية من سفارة الدولة التي يحمل جنسيتها المرشح في حال فوزه، كما يسمح للعسكريين بالعودة إلى مناصبهم في حال عدم فوزهم في الانتخابات.
ويستبعد مراقبون موافقة المجلس الأعلى للدولة على ملاحظات مجلس النواب فالقبول بتلك الملاحظات يعني السماح لقائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر بالترشح. وهو ما لن يسمح به المنتظم المسلح والشعبي في غرب البلاد الذي لطالما رفض ترشح حفتر.
ويشير هؤلاء المراقبين إلى أن ملف القوانين الانتخابية سيبقى قيد المماطلة وتشكيل اللجنة تلو اللجنة للنظر فيه وإعادة صياغته وغيرها من المبررات. فالقوانين الانتخابية أنسب عنوان يمكن أن يعمل تحته المجلسان للوصول إلى هدفهما الحقيقي وهو تشكيل حكومة جديدة وإبعاد رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة الذي بات يشكل خصما عنيدا للمجلسين.
ويعتقد مراقبون أن بيان البعثة الأممية لم يكن موجها إلى مجلس النواب فحسب بل أيضا إلى الأعلى للدولة. فهي تريد أن تذكرهما بوجود شركاء آخرين لهما من الأطياف السياسية والمجتمعية والعسكرية التي يجب أن الجلوس إليها حول طاولة التفاوض الجديدة، معتبرين أن هذه الرسالة تؤكد أيضا مضي البعثة في اتجاه تنفيذ المسار التفاوضي الذي أعلنت عن بدء التحضير له قبل أيام.
ويعتبر مراقبون أن نشاط باتيلي في دعم اللقاءات الخاصة بالمسار الأمني والعسكري بين قادة معسكري غرب وشرق البلاد. يعدّ إضافة هامة لعمليات التفاوض السياسي المقبلة، وهو ما يعول عليه باتيلي لإنجاح خطته، حيث أن إشراك العسكريين يحيّد خطر عرقلتهم وقبولهم لأي اتفاق، كما أن مشاركة العسكريين سيكون الضامن لتنفيذ نتائج أي اتفاق، فهم من في يدهم الكلمة على أرض الواقع.