هجمات ميليشيات الحوثي تُعيد حركة الشحن البحري إلى القرن الثامن عشر


سلّط تقرير نشرته وكالة ‘بلومبرغ’ الأميركية الضوء على ما وصفته بـ”عاصفة مجتمعة” أخرى تواجه الصناعة والتجارة البحرية وحركة الملاحة في البحر الأحمر بسبب هجمات الحوثيين التي اضطرت سفن الشحن والناقلات إلى العودة إلى طرق التجارة خلال القرن الثامن عشر، فيما يلقي هذا التطور بظلال قاتمة على الاقتصاد العالمي بالنظر إلى الارتفاع المنتظر في تكاليف النقل وتأثير طول الرحلة على سلاسل الإمداد.

وفي تقرير كتبه برندان موراي أشار إلى أن أزمتي أكبر ممرين ملاحيين تجاريين في العالم وهما باب المندب وقناة بنما ستكون لهما تداعيات كبيرة على قطاع النقل البحري وتجارة التجزئة، رغم اختلاف أسبابهما.

وأوضح أن هجمات الحوثيين التي استهدفت السفن في باب المندب الذي يربط بين المحيط الهندي والبحر الأحمر أجبرت الناقلات على التوقف عن المرور من قناة السويس لتسلك طريق رأس الرجاء الصالح عبر أفريقيا والذي كان يستخدم حتى منتصف القرن التاسع عشر.

وتابع أن قناة بنما في أميركا الوسطى تشهد هي الأخرى أزمة بسبب موجة الجفاف التي تضرب المنطقة وتسببت في انخفاض منسوب مياهها، ما أدى إلى تراجع كبير في عدد السفن التجارية التي يمكنها المرور عبرها.

وساهم شقّ قناتي بنما والسويس في تقليص المسافة بين آسيا وكل من أميركا الشمالية وأوروبا، فيما تدرس شركات الشحن كافة الخيارات لتجنب استخدام هذين الممرين بما في ذلك الشحن الجوي رغم ارتفاع تكاليفه.

وأفادت شركة مراقبة حركة الشحن البحري ‘فيلكس بورت’ بأن نحو 180 سفينة محمّلة بالحاويات غيّر مسارها بعيدا عن البحر الأحمر وقناة السويس في رحلة تدور عبرها حول أفريقيا، فيما توقفت سفن أخرى عن الحركة في انتظار تعليمات جديدة بهدف تجنب هجمات الحوثيين، وفق التقرير.

وتنذر عودة حركة الشحن البحري في العالم إلى القرن الثامن عشر بتداعيات كبيرة على الاقتصاد العالمي، إذ ستؤدي إلى تأخير في وصول البضائع لأسابيع إضافية، فضلا عن ارتفاع التكلفة، فيما ستفضي إلى اضطراب في نشاط شركات الخدمات اللوجستية البرية التي تشتغل وفق جداول النقل البحري.

وارتفعت تكلفة نقل السلع في حاوية مقاس 40 قدم مكعبة من آسيا إلى شمال أوروبا بنحو 16 في المئة خلال الأسبوع الماضي، فيما ينتظر أن تصل الزيادة إلى نحو 41 في المئة خلال ديسمبر/كانون الأول الجاري، كما سجلت فواتير وقود الناقلات قفزة مهمّة، وفق مؤشر ‘ديروري’ العالمي لأسعار نقل الحاويات.

وأشار موراي نقلا شركة ‘أبركرومبي أند فيتش’ لمتاجر الملابس أن المؤسسة تعتزم اللجوء إلى الشحن الجوي لتجنب الاضطربات في حركة الملاحة البحرية، فيما حذرت شركة متاجر الأثاث السويدية ‘آيكيا’ من حدوث نقص في بعض المنتجات في متاجرها بسبب تعطل الملاحة في البحر الأحمر.

وأشارت “بلومبرغ” نقلا عن بيانات تتبع السفن إلى أن “نحو 30 سفينة فقط بما في ذلك ناقلات النفط الخام والوقود مرّت عبر مضيق باب المندب خلال الأسبوع الحالي، فيما قدّر انخفاض عدد السفن بنحو 40 في المئة”وقال رئيس هيئة قناة السويس أسامة ربيع نهاية الأسبوع الماضي إن 55 سفينة حولت مسارها عبر رأس الرجاء الصالح، بدلا من مضيق باب المندب منذ 19 نوفمبر/تشرين ثاني الماضي”.
والشهر الماضي أعلنت جماعة الحوثي اليمنية الاستيلاء على سفينة الشحن ‘غالاكسي ليدر’ المملوكة لرجل أعمال إسرائيلي في البحر الأحمر واقتيادها إلى الساحل اليمني.
وتوعد الحوثيون في أكثر من مناسبة باستهداف السفن التي تملكها أو تشغلها شركات إسرائيلية بذريعة التضامن مع فلسطين ودعت الدول إلى سحب مواطنيها العاملين ضمن طواقم هذه السفن.
وتوالت الهجمات ضد سفن تقول الجماعة إنها مرتبطة بإسرائيل الأمر الذي دفع عدة شركات شحن حاويات لتعليق رحلاتها عبر البحر الأحمر حتى إشعار آخر.

وأبرز هذه الشركات، ثلاث تصنف أنها أكبر شركات شحن الحاويات عالميا وهي شركة ‘أم اس سي” وشركة “إيه.بي مولر – ميرسك إلى جانب شركة بريتش بتروليوم للنفط والغاز.
وتقع طريق رأس الرجاء الصالح في جنوبي دولة جنوب إفريقيا وأصبحت منذ أكثر من قرن طريقاً ملاحية خاوية من السفن التجارية بسبب طول الطريق الملاحي وخطورة الأمواج هناك.
وبحسب موقع حكومة جنوب أفريقيا يقع رأس الرجاء الصالح في شبه جزيرة كيب وهي إحدى أقصى نقاط جنوب القارة الأفريقية وتواجه المحيط الأطلسي.

الموانئ الأفريقية تفتقر إلى التجهيزات اللازمة للتعامل مع الازدحام

ويحتل رأس الرجاء الصالح مكانا مهما في التاريخ التجاري لجنوب إفريقيا كان بمثابة محطة توقف للسفن المبحرة من أوروبا إلى مستعمرات الشرق الأقصى.
والطريق هي موطن لأكثر من 1000 حطام سفينة وتسمى المنطقة فيث جنوب إفريقيا بـ”مقبرة للسفن” بسبب الطقس المتقلب، بفعل التقاء مياه المحيطين الأطلسي والهندي.
ويمر عبر مضيق باب المندب أكثر من 10 بالمئة من التجارة العالمية المنقولة بحرا وأكثر من 12 بالمئة من النفط والمشتقات المنقولة بحراً كذلك.

وارتفعت أسعار الشحن البحري إلى إسرائيل من مختلف الموانئ الصينية إلى أكثر من 2300 دولار للحاوية 40 قدما بحلول 12 ديسمبر/كانون أول الجاري من 1975 دولارا في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني، وفق تحليل من منصة الشحن العالمية ‘فريتوس’.
وقال زفي شرايبر الرئيس التنفيذي للشركة “بالنسبة للسفن المتجهة إلى إسرائيل من آسيا فإن الطريق حول إفريقيا أطول بكثير – حوالي 7000 ميل بحري وبين 10 و14 يوما – مقارنة بقناة السويس وهذه الطريق تتكبد أيضا تكاليف وقود أعلى”.
وتابع “منذ بداية الحرب على قطاع غزة، زادت معدلات رسوم النقل عبر المحيطات من الصين إلى موانئ إسرائيل بنسبة 46 بالمئة”، بينما أعلنت شركات مثل إيه بي مولر ميرسك الدنماركية أنها ستطبق “رسوما إضافية ضد مخاطر الطوارئ” على جميع البضائع التي يتم تفريغها في الموانئ الإسرائيلية.

وخلص مؤشر البنك الدولي لعام 2022 والذي صدر في مايو/أيار إلى أن أكبر موانئ في دولة جنوب أفريقيا، بما فيها دربان، من حيث كميات الحاويات التي يتعامل معها وكيب تاون ونجورا من بين الأسوأ أداء على مستوى العالم.

وقال أليسيو لينسيوني مستشار اللوجستيات وسلاسل الإمداد “حتى بالحالة التي عليها دربان الآن لا يزال الميناء الأكثر تطورا والأكبر في أفريقيا لذلك فالسفن التي تغير مسارها حول القارة لديها خيارات محدودة للرسو والتزود بالوقود وغيره”.

وأضاف أن موانئ المياه العميقة الكبيرة الأفريقية الأخرى على طول طريق رأس الرجاء الصالح مثل مومباسا في كينيا .ودار السلام في تنزانيا تفتقر إلى المعدات والتجهيزات اللازمة للتعامل مع الازدحام المتوقع في الأسبوعين المقبلين.

وقالت عملاق الشحن ‘ميرسك” إن السفن .التي غيرت مسارها إلى طريق رأس الرجاء الصالح ستحاول قدر الإمكان. التزود بالوقود في ميناء الانطلاق وميناء الوصول النهائي فقط.

وأضاف متحدث باسم الشركة “في حالة الاحتياج للتوقف في الطريق سيتقرر الأمر. حالة بحالة وأولويتنا في الخيارات هي لميناءي والفيس باي (ناميبيا). وبورت لويس” في موريشيوس.

ويقول عاملون في قطاع الشحن إن الأحوال الجوية غير المواتية .وهياج البحار المعتاد عند رأس الرجاء الصالح المعروف .بسبب ذلك باسم “رأس العواصف” إضافة إلى قناة موزامبيق المعرضة للأعاصير يعني أن السفن قد تستهلك وقودها أسرع مما يجعل خدمات. إعادة التزود بالوقود أمرا بالغ الضرورة.

وتشكل البيروقراطية أيضا مصدر قلق. ففي سبتمبر/أيلول احتجزت السلطات في جنوب أفريقيا خمس سفن لتزويد الوقود في خليج أنغولا للاشتباه في مخالفة قانون الجمارك. والرسوم وتعرضت شركات منها بي.بي وترافيغورا. وميركوريا لأوامر تعليق للعمليات في انتظار نتائج للمراجعة.

ومنذ أن بدأت في جنوب أفريقيا أول عملية تزويد بالوقود البحري من سفينة إلى سفينة .في خليج ألجوا في عام 2016. كان هناك ارتفاع حاد في أحجام الوقود. والسفن التي تستخدمه.

ويقولون محللون إن توقعات الاحتياج للمزيد من الوقود البحري .تعني أنه من المنتظر زيادة الواردات إلى نحو 230 كيلوطن في ديسمبر/كانون الأول.

وقال يونس عزوزي محلل السوق في كبلر لتحليل البيانات .”من المتوقع أن تسجل جنوب أفريقيا مستوى قياسيا من واردات زيت الوقود. خلال الشهر الجاري بسبب الطلب على إعادة التزود بالوقود المرتبط بأزمة الحوثيين في البحر الأحمر”.

Exit mobile version