جهود الصومال بمساعدة الإمارات في مواجهة الإرهاب
يُحاوِل الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود توظيف العديد من المعطيات بما فيها التوافق الذي يحظى به محلياً، ونجاحاته السابقة على صعيد محاربة الإرهاب في بلاده. وعلاقاته الخارجية الجيدة، وإعادة نشر القوات الأمريكية في الصومال. من أجل تحقيق إنجازات سريعة بشأن تحجيم نشاط حركة الشباب المجاهدين الموالية لتنظيم القاعدة. واستعادة الأمن والاستقرار في العاصمة مقديشو وبقية أرجاء البلاد. ويبدو أن رؤية الرئيس شيخ محمود متعددة المحاور لمحاربة حركة الشباب عسكرياً ومالياً وفكرياً حقَّقت حتى الآن نتائج ملموسة ومشجعة. وفي حال استمر تضافر الجهود المحلية والخارجية بوتيرة أكبر، فإنها قد تُحدِث تقدماً نوعياً في مسار تقويض قُدُرات التنظِيم الإرهابي، ومحاصرته. وكبح طموحاته للتمدُّد في الصومال والقرن الأفريقي.
تهدف الورقة إلى تقييم جهود مكافحة الإرهاب في الصومال. واستكشاف المسارات المُحتملة لمستقبل حركة “الشباب المجاهدين“. في ضوء تغيُّر المشهد العملياتي والنجاحات المحرزة ضدها. بعد مرور نصف عام من ولاية الرئيس شيخ محمود.
مستجدات جهود مكافحة الإرهاب في الصومال
1. المساعي الحكومية
مضى شيخ محمود في تجسيد شعاره “المصالحة الوطنية” في مسعى لتجاوز الخلافات السياسية وتحقيق الاصطفاف الداخلي في مواجهة حركة الشباب. والتغلُّب على التحديات الأمنية والاقتصادية والإنسانية. وهو ما تمثَّل في اجتماعات اللقاء التشاوري الذي ضم قادة الصومال في العاصمة مقديشو في يونيو وسبتمبر وأكتوبر 2022. والذي تضمَّنت مخرجاته العديد من النقاط المهمة على رأسها التكاتف لمجابهة الجفاف والمجاعة. وتحرير البلدات والمدن من قبضة حركة الشباب لإيصال المساعدات الإنسانية للمتضرِّرين من الجفاف.
في اتجاهٍ موازٍ، حرص الرئيس الصومالي على اتّباع سياسة خارجية أكثر مرونة واتزِاناً تأخذ مصالح بلاده أولوية، وتنأى قدر الإمكان عن سياسة المحاور الإقليمية. وفي هذا السياق قاد وحكومته حراكاً دبلوماسياً خارجياً مكثَّفاً لتصفير المشكلات وتحسين العلاقات مع الجيران والأصدقاء الإقليميين والدوليين لضمان الحصول على الدعم الخارجي. بخاصة في ملفي الجفاف ومحاربة الإرهاب. ففضلاً عن زيارة جاراته الثلاث (جيبوتي وإثيوبيا وكينيا). زار محمود تقريباً أهم الدول الإقليمية والدولية الفاعلة في بلاده بمن فيهم الإمارات وتركيا (اللتان مثلتا أول محطتين خارجيتين له)، وإريتريا (مرتين). والولايات المتحدة (مرتين)، وتنزانيا، ومصر، والجزائر، والسعودية، وغيرها. وبالإضافة إلى نجاحه في الإيفاء بتعهُّداته بشأن إعادة قُرابة 5 ألف جندي صومالي من إرتيريا، والذين وصل بعضهم بالفعل.ومن المقرِّر اكتمال وصول البقية بحلول أواخر يناير المقبل. وقد أثمر الحراك الدبلوماسي الصومالي عن توقيع اتفاقيات للتعاون الأمني والاقتصادي. لاسيما مع دول القرن الأفريقي وشرق أفريقيا. وكسب مزيد من الدعم الإقليمي والدولي. الأمر الذي أسهم في إعادة الزخم لجهود مكافحة الإرهاب في هذا البلد.
على الصعيد الميداني، تمكَّن الجيش الصومالي المسنود بالمليشيات المحلية المعروفة بـ”أصحاب الإزارات” والقوات الأفريقية، خلال الأشهر القليلة الماضية. من استعادة زمام المبادرة والتحوُّل من الدفاع إلى الهجوم وشنَّ عمليات عسكرية مكثَّفة ومنسَّقة ألحقت بالشباب خسائر فادحة تُقدَّر بنحو 1800 قتيل (أي خُمُس إجمالي مقاتليها البالغ قوامهم قرابة 9 ألف مقاتل تقريباً)، واعتقال 114 آخرين. كما انحسر نطاق سيطرتها وتحرُّكاتها الفعلي بنحو 15%. بعد أن كانت تُسيطر على قرابة نصف مساحة البلاد قُبَيل تولِّي محمود السُّلطة في مايو الماضي. حيث خسرت الحركة أكثر من 50 مدينة وبلدة وقرية. لاسيما في ولايات غلمدغ وهيرشبيلي والجنوب الغربي. بما في ذلك طردها من مناطق استراتيجية مثل “مساجد علي جدود” و”آدم يبال” و”بحدو”. ومؤخراً بلدة “رون نرغود” آخر معقل لها في محافظة شبيلى الوسطى بولاية هيرشبيلي.
وبالتوازي مع الحرب الميدانية، شنَّت الحكمة الصومالية حرباً اقتصادية لتجفيف مصادر تمويل الشباب. عبر تجريم التعامُل معها مالياً، ومعاقبة التجار والشركات الذين يدفعون الضرائب لها. إضافة إلى تجميد العشرات من الحسابات المصرفية التي يُعتَقد أنَّها لأفراد وجِهات على صلة بالحركة. كما احتضنت مقديشو مؤخراً مؤتمراً لوضعِ آليةٍ تُعزِّزُ الرقابة المالية وتمنعُ تدفُّق الأموال إلى الحركة. وبحسب تقديرات محلية، خسرت الحركة نحو 30% من مداخيلها خلال شهري سبتمبر وأكتوبر الماضيين فقط. جراء العمليات العسكرية والإجراءات المالية الحكومية ضدها.
كما اتَّخذت الحكومة بعض السياسات والتدابير في مسار إصلاح الخطاب الديني وخنق الأيديولوجيا الفكرية للإرهاب. بما في ذلك تعيِين القيادي السابق في حركة الشباب مختار روبو وزيراً للأوقاف والشؤون الدينية، وإطلاق بعض القنوات التليفزيونية والمنابر الإعلامية لتعرية فكر وسلوك الإرهابيين. وإغلاق عشرات المواقع الإخبارية ومئات الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي التي تنشر الدعاية لهم.
2. الجهود الدولية والإقليمية الداعمة
الولايات المتحدة: في الأشهر الأخيرة، عادت إدارة بايدن للتركيز على الملف الأمني ولعب الدور الخارجي الأبرز في الحرب على الإرهاب في الصومال. من خلال العمل بوتيرة أكبر جنباً إلى جنب مع القوات الصومالية والشركاء الإقليميِّين للضغط على مقاتلي حركة الشباب. ففضلاً عن إعادة نشر قرابة 500 جندي أمريكي في الصومال، وتدريب مزيد من القوات الصومالية الخاصة المعروفة بـاسم “دناب”. وفَّرت القيادة الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم) الدعم الجوي والاستخباراتي للجيش ورجال العشائر في حملتهم العسكرية المستمرة ضد الحركة (ضمن أدوار أخرى. من قبيل التنسيق مع القوات الصومالية وقوات البعثة الأفريقية وبينها البين). ومنذ فوز محمود بالسلطة. زادت ضربات المسيرات الأمريكية بشكل ملحوظ. حيث شنَّت عشرات الغارات ضد معاقل الحركة، قضت على نحو 100 إرهابي. على رأسهم الرجل الثاني في الحركة عبدالله نذير، مطلع أكتوبر الماضي. وفي سياق مساعي تقويض النفوذ المالي للشباب. فرضت الخزانة الأمريكية في منتصف الشهر نفسه عقوبات على 14 شخصاً في الحركة بينهم قيادات. إلى جانب شبكة مكونة من 9 أشخاص يتعاونون معها في شراء الأسلحة وجمع الأموال.
الإمارات دفعت بمشروع تاريخي إلى مجلس الأمن. تم إقراره منتصف العام الماضي، حول التسامح لمعالجة خطاب الكراهية والتطرف، وذلك خلال عضويتها في المنظمة الدولية. ترجمت التزامها بالفعل عبر أشكال متنوعة لحصار الإرهاب واجتثاث خطابه ومواجهة عناصره على خارطة الإقليم.
بعثة الاتحاد الأفريقي (أتميس): أعلنت أكثر من مرة أنَّها جزءٌ من العمليات العسكرية التي حرَّرت بعض المناطق من الشباب. غير أنَّ دورها لا يزال في الواقع أقل فاعلية وذا طابع دفاعي أكثر منه هجومي حاسم، إذ تكاد تقتصر مشاركتها على المعارك القريبة من قواعد تمركزها. وتعطي الأولوية للقيام بمهام حماية المواقع الحيوية، مثل المؤسسات الحكومية والمطارات والموانئ والطرق الرئيسة.
جارات الصومال الثلاث (إثيوبيا وكينيا وجيبوتي): اتجهت لتعزيز التنسيق والتعاون العسكري والأمني مع حكومة شيخ محمود لمواجهة التهديدات المتصاعدة لحركة الشباب. لاسيما بعد الهجمات التي قامت بها الحركة في شمال شرق كينيا. وتنفيذ المئات من مقاتليها توغلات كبيرة (قرابة 100 كم) في العمق الإثيوبي. قبل التصدّي لهم وتكبُّدهم نحو 800 قتيل على يد شرطة “ليو” التابعة لإقليم الصومال الإثيوبي وقوات الدفاع الإثيوبية، في أواخر يوليو الماضي. إذ كثَّف الجيشان الكيني والإثيوبي انتشارهما على طول حدودهما مع الصومال. كما شنَّت المقاتلات الكينية والإثيوبية العديد من الغارات على معاقل الحركة في الأقاليم المتاخمة للدولتين. بخاصة في أقاليم هيران وبكول وغدو وسط وجنوب الصومال.
جهود دولية أخرى: قادت جهات إقليمية على رأسها مجلس السلم والأمن الأفريقي جهوداً في مجلس الأمن الدولي لرفع حظر الأسلحة المفروض على الصومال. وأعلن الاتحاد الأوروبي وبريطانيا في يوليو وأغسطس الماضيَين تقديم مساعدات مالية إضافية بقيمة 120 مليون يورو و2.3 مليون جنيه إسترليني على التوالي لدعم الجيش الصومالي وبعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال.
آفاق الحرب على الإرهاب ومستقبل حركة الشباب
في ضوء ما سبق، يُمكن استشراف ثلاثة سيناريوهات محتملة لجهود مكافحة الإرهاب في الصومال ومستقبل حركة الشباب، وذلك على النحو الآتي:
1. نجاح الحكومة وحلفائها في إلحاق مزيد من الهزائم بالحركة وتحجيمها: قد تشهد المرحلة المقبلة دورة انحسار وضعف جديدة لحركة الشباب على غرار ما حصل بين عامي 2011 و2017،. ويتطلَّب ذلك استمرار وتزايُد تظافر الجهود المحلية والدولية لتضييق الخناق على الحركة من النواحي كافة. بما في ذلك جهود تقويض شبكاتها المالية والقضائية والأمنية، وخلخلة وإضعاف تماسكها الداخلي. ودحر عقيدتها الفكرية والقتالية. بالتزامن مع تعريضها لضغط عسكري واسع ومُنسَّق يُجبرها على التراجُع والتقهقر. ويُعزِّز هذا السيناريو تزايُد السخط الشعبي من حركة الشباب. وتزايُد أهمية الصومال في التقدير الاستراتيجي للدول المتنافسة على النفوذ في القرن الأفريقي. وخشية دول الجوار من تمدُّد نشاط الشباب إلى أراضيها، الأمر الذي يدفع تلك الدول لمزيد من التعاون مع الحكومة الصومالية لتحجيم الحركة واستعادة الأمن والاستقرار في هذا البلد.
2. تحوُّل مسار الحرب لصالح حركة الشباب مجدداً؛ فلا تزال هناك العديد من العوامل المحفِّزة لتنامي نشاط الإرهاب في الصومال والمنطقة. والتي تُمثِّل غالبيّتها تحدِّيات جسيمة يصعُب التغلُّب عليها بفترة وجيزة، لاسيما ما يتعلَّق بعدم جهوزية الجيش والأمن الصوماليَّين لتحمُّل مسؤولية فرض الأمن واستعادة الاستقرار في البلاد. بخاصة في ظل استمرار الحظر على تسليح الجيش الصومالي. وتفاقُم الأزمات الاقتصادية والإنسانية جراء موجة الجفاف وتفشِّي المجاعة. والتي تُثقِل كاهل الحكومة والشَّعب الصوماليَّين وتستغلها الجماعات الإرهابية لتثبيت وجودها وتعزيز شرعيَّتها.
3. تراجُع زخم الحرب على الحركة وبقاء الوضع على ما هو عليه؛ وقد يكون ذلك بسبب: تراجُع الدعم الخارجي وتراجُع زخم المعارك ضد الحركة. نظراً لكلفة الحرب المرتفعة والمُحبِطة للصومال وشركائه الدوليِّين، ووجود أولويات ومشاغل أكثر إلحاحاً وعلى رأسها أزمة المجاعة وتزايد النزوح الداخلي. ونجاح الحركة في استنزاف خصومها وخلق انقسامات داخل العشائر وتحوُّل هؤلاء لمواجهة بعضهم بعضاً بدلاً من التركيز على توحيد جهودهم لقتالها. وإخفاق الحكومة في ترسيخ سيطرتها على المناطق المحررة، وإيصال الخدمات والمساعدات الإغاثية والإنسانية إليها وحماية المواطنين من بطش الشباب. وهو الأمر الذي سيقود لعودة الحركة لاستعادة ما خسرته، واستمرار حرب “الكرّ والفرّ” بين الجانبين.