مساعي حركة الشباب في الصومال


إذا تم النظر إلى النشاط الإرهابي في الصومال منذ بداية عام 2024، يتبين بوضوح أنه شهد ازدياداً في الحوادث الإرهابية مقارنة بالأعوام السابقة، وخاصةً منذ عام 2016. هذا الزيادة في النشاط الإرهابي يعكس تحديات الأمن المستمرة التي تواجهها الصومال، ويضعف الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار والسلام في البلاد.

يشير هذا الوضع إلى أهمية التصدي لجذور الإرهاب ومصادر تمويله، وتعزيز التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب وتعزيز الأمن في المنطقة. إلى جانب ذلك، يظهر أن الصومال بحاجة إلى دعم دولي ومساعدة في بناء قدراتها الأمنية وتعزيز مؤسساتها الأمنية لمكافحة الإرهاب بفعالية.

من المهم أن يأخذ المجتمع الدولي بجدية تهديد الإرهاب في الصومال ويوفر الدعم اللازم للحكومة الصومالية لمواجهة هذه التحديات بفعالية ومساعدتها في بناء مستقبل آمن ومزدهر لشعبها.

هذه البيانات، على الرغم من كونها سيئة من حيث الأضرار التي لحقت بالصوماليين، فإنها من ناحية أخرى، توضّح أن قرارات الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، ألحقت ضرراً بفرع تنظيم “القاعدة”، أي حركة الشباب الإرهابية، ما جعلها في وضع الدفاع قبل طردها من ملاذاتها السابقة.

ففي شمال الصومال، يواصل فرع “داعش” نشاطه في البلاد، والذي يشنّ أيضاً هجمات متفرقة في العاصمة مقديشو، ربما لإثبات وجوده في مناطق جنوب بونتلاند.

إن مساعدة وتعاون جيبوتي وإثيوبيا وكينيا مع الصومال هو أمر حاسم في هذه المعركة ضد الإرهابيين، وفي هذه الحالة، فإن الكينيين هم أكثر من يعاني، لأن حركة “الشباب” الإرهابية، التي تتعرض للملاحقة من قبل الصوماليين وكل من جيبوتي وإثيوبيا، تسعى للسيطرة على بعض الأراضي في شمال شرق كينيا حيث يواجهون أيضاً معارضة قوية من الجيش الكيني.

هناك بعض الدلائل الجيدة على أن هذه البلدان تعمل في الاتجاه الصحيح، والحقيقة أن الإرهابيين في الصومال يجدون صعوبة متزايدة في الحصول على مجندين، وهو أمر يحدث أيضاً في كينيا، والتي كانت حتى الآن المعقل الرئيسي لتجنيد الإرهابيين من قبل حركة “الشباب”. يدرك الكينيون أن الإرهاب لا يُحارب فقط بالسلاح، لذلك هم يعملون مع الدعاة المسلمين لتعليم أيديولوجية إيجابية. تستغل حركة “الشباب” حتى الآن الحرمان الاجتماعي لتجنيد المقاتلين، بالإضافة إلى الدين، كأحد الأسباب الرئيسية للقتال الذي تخوضه، ولهذا السبب تعمل كينيا في المناطق الأكثر حرماناً التي كانت بمثابة أرض خصبة للتجنيد.

ويتواجد تنظيم “داعش” الإرهابي في جنوب إفريقيا وموزمبيق وجمهورية الكونغو الديمقراطية والصومال وبلدان الساحل وحتى وقت قريب في جنوب ليبيا وسيناء في مصر. من جهتها، تقوم حركة “الشباب” الإرهابية، وهي فرع القاعدة في الصومال، بتجنيد التنزانيين والأوغنديين للقتال في الصومال. أما الكينيون الذين ذهبوا للقتال في صفوف حركة “الشباب” يعودون بخيبة أمل وهو ما يدفع شبكات التجنيد للبحث عن مقاتلين في مكان آخر.

الإرهاب “الجهادي” هو ظاهرة لا تزال في تصاعد وستستفيد في السنوات القادمة من الزيادة السكانية غير المصحوبة برفاهية اجتماعية، لذلك من المتوقع أن يبحث الإرهابيون عن مناطق ذات قدرة دفاعية منخفضة حيث يمكنهم البقاء فيها دون تكبد الكثير من الضحايا. وهذا دليل على أهمية التصدّي للإرهابيين بقوة منذ البداية، وإلا فإنهم يختارون هذه المناطق كقواعد ويقيمون معسكراتهم، وهذا هو الحال الذي عانى منه الصومال في السنوات الأخيرة.

التعاون الاستخباراتي والدفاعي مع دول الجوار ضروري، بل ويصبح محورياً، لأنه بخلاف ذلك، يُسمح للإرهابيين بالتنقل عبر الحدود بحثاً عن أماكن للبقاء واللجوء. يجب أن نتجاوز الخلافات بين الدول وأن نجعل مكافحة الإرهاب أولوية إذا كنا نريد تفادي التأثّر بالظاهرة.

تقدّم المجموعة الرباعية المكوّنة من جيبوتي وإثيوبيا وكينيا والصومال درساً في كيفية العمل ضد الإرهاب. إذا اتخذت دولة ما إجراءات ضد الإرهابيين دون الاعتماد على جيرانها، فقد تكون قادرة على تجنب المشكلة مؤقتاً من خلال لجوء الإرهاب مؤقتاً إلى الدولة الأضعف، ولكن لا شك أنه بمجرد أن يقوى الإرهابيون، سيعودون إليها، وبالتأكيد بمزيد من الضراوة.

الوجود الإماراتي في الصومال

في عامَي 1993 و 1994، أرسلت الإمارات 640 رجلاً ينتمون إلى “قوات الواجب” ليشاركوا في البعثة الإنسانية التابعة لـ”فرقة العمل الموحدة” التي يبلغ عددها 37000 جندي في الصومال. كما ساهمت في بعثة حفظ السلام الخاصة بـ”عملية الأمم المتحدة الثانية في الصومال”، ووفرت عدداً من الوحدات العسكرية ومستشفًى ميدانياً. وقُتل ثلاثة جنود إماراتيين في المعارك. ومع استمرار الحرب الأهلية الصومالية لزمن طويل وانسحاب القوات الدولية، اضطلعت الإمارات بدور الجهة المانحة.

بعد ذلك، انخرطت الإمارات على أصعدة مختلفة مع الحكومة الفيدرالية الصومالية، ومنطقة أرض البنط التي تتمتع بحكم ذاتي، وجمهورية أرض الصومال التي أعلنت استقلالها عن الصومال في عام 1991:

 

بدأت العلاقات مع الحكومة الفيدرالية بالتحسن بعد عودة حسن شيخ محمود إلى السلطة في الانتخابات الرئاسية في 15 مايو 2022، بفضل دعم مالي إماراتي كبير. وأُفرج بعد أيامٍ عن مبلغ 9.6 ملايين دولار. كانت القوات الصومالية قد صادرته سابقاً. وفي فبراير 2023، صادقت مقديشو على اتفاق رسمي للتعاون الأمني مع أبوظبي. ووصلت بعد شهرٍ المركبات العسكرية الإماراتية إلى منطقة جوبالاند للبدء ببناء قاعدة جديدة ستمتلكها وتديرها دولة الإمارات.

وبشكل عام، كانت المساهمات الإماراتية في الصومال إيجابية إلى حدٍ كبيرٍ. وتشمل المساعدة في تمويل تطوير “الجيش الوطني الصومالي”. وتحديث مطار بربرة الذي تفكر حالياً “قيادة الولايات المتحدة في أفريقيا” في استخدامه. وتنفذ الإمارات بعض العمليات بعيداً عن الأنظار، مثل تلك التي تحصل في أرض البنط ضد مهرّبي الأسلحة الإيرانية.

Exit mobile version