مختبر الألعاب الإلكترونية
منذ طفولتنا ونحن نسمع تحذيرات وقصص تخويف من الألعاب الإلكترونية، مثل إصابة شاب بصرع بسبب إدمانه على لعبة.
أو تقليده لشخصية عنيفة أو ذات سلوك خاطئ. تخوّف الآباء على أبنائهم ليس بجديد، لأنها فطرة في الكائنات الحية وليس البشر فحسب. هذا مبرر للتخوف في ذاك الزمان، أما الآن فلا داعي للتهويل، والأسباب ستُذكر ضمن هذا المقال.
التقنية أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياتنا، بل وصلنا إلى الذكاء الاصطناعي الذي يتحكم في أغلب أمور حياتنا. الإدمان الإلكتروني أصبح عادة يومية، فلا مبرر للقلق من إدمان الألعاب الإلكترونية. أما تقليد وتقمص شخصيات ذات طابع عنيف أو تؤدي سلوكيات خاطئة غير مقبولة في المجتمع الذي يعيش فيه الطفل أو الشاب فهذا يعتمد على دور الأب والأم في النصح ومتابعة طفلهما.
وقد يقلد الطفل أو الشاب شخصيات في مسلسلات أو أفلام يتابعها الآباء بين أبنائهم، أو حتى شخصيات على أرض الواقع، مثل الممثلين ولاعبي الكرة وكذلك مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي. ويستدل البعض على خطورة هذه الألعاب بأحداث في مجتمعات أوروبية وآسيوية، وهذا الاستدلال باطل بسبب اختلاف الثقافة المجتمعية وكذلك العادات المحلية.
في منحنى آخر، منذ فترة وجيزة بدأت حملة تجريم “استغلال” الألعاب الإلكترونية لأهداف إجرامية أو نصب واحتيال، وقد وصلت إلى تجنيد الشباب في منظمات إرهابية. ولكن استخدام هؤلاء للألعاب الإلكترونية وسيلة للوصول لضحاياهم ليس معناه تجريم أو تحريم هذه الألعاب.
البحث عن التسلية والمتعة ليس جرماً، فالتوعية والمراقبة تحميان الفرد من الانسياق نحو تلك العصابات.
وكما يُقال شرٌّ لا بد منه، هكذا هي التقنية الحديثة قد يراها البعض شرا، ولكن لا يستطيع الاستغناء عنها، فإن حرمت الطفل أو الشاب من لعبته المفضلة، فما يوجد في تلك الألعاب يوجد خارجها.
المنظمات الإرهابية استغلت خاصية المحادثة الفورية في تلك الألعاب، وفي نفس الوقت هذه المحادثات الفورية موجودة في أغلب البرامج الأخرى؛ إذاً ليس مبرراً الاستمرار في الهجوم دائماً ضد الألعاب الإلكترونية، هذا الهجوم أصبح كصوت موسيقى نشاز يأتي من اسطوانة قديمة.
التفكير العكسي، أو ما يسمى التفكير خارج الصندوق، يأتي إلينا بطرق لتطويع هذه التقنيات لصالح المجتمع والفرد خاصة. الطفل أو الشاب الموهوب في اللعب يمكن صقله بسهولة ليخدم دولته مستقبلاً في الثورة الصناعية الرابعة.
هذه الألعاب تجعل الطفل والشاب في تفكير وتركيز دائمين، إذاً هي تنمية ذهنية ورياضة للعقل. ومن هنا جاءت تسمية الألعاب الإلكترونية بالرياضات الإلكترونية أو الذهنية. يمكن لمدربي المهارات الاجتماعية والذهنية والتنمية الذاتية استخدام هذه الألعاب في دورات التدريب، وكذلك في المدارس ورياض الأطفال.
في إحدى ورش العمل تم التطرق إلى استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجال صيانة مصانع حقول النفط والغاز، وكانت إحدى المداخلات -بما أن الجيل الحالي مهووس بلعب “الببجي”- أن “المحاكاة ستكون باستخدام الذكاء الاصطناعي سهلة عليه، إذ هي شبيهة بلعبة الببجي”. قد يكون هذا القول عاديا، ولكن إن فكرنا من زاوية أخرى سنجد أنها طريقة مبتكرة لتعليم الجيل الجديد المحاكاة.
الألعاب مختبر لاستكشاف المواهب الخفية في الفرد، وفي الوقت نفسه هي أداة تعليم وتهيئة مبتكرة للفرد، ووسيلة لإيصال معلومة بطريقة محببة.
علينا أن نفكر بشكل مختلف، فلن نأتي بجديد إن بقينا نفكر كما فكر من سبقونا، وكذلك علينا تهيئة الجيل القادم للتفكير بأسلوب يختلف عنا ضمن المبادئ والقيم المجتمعية والأعراف.