متابعات إخبارية

ليبيا.. 2022 حرب ضد الفساد تتعثر بألغام الإخوان


دخلت ليبيا في صراعات أفرزت حكومات متوازية منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي عام 2011. أدت لانقسام مؤسساتي جعل مستوى الفساد هناك مخيفا.

فساد تسببت فيه هشاشة المؤسسات القضائية وضعفها أمام بنادق المليشيات التي تحمي الفاسدين. ما جعل ليبيا تحل كأكثر الدول فسادا في العالم. حيث جاءت في الترتيب 194 من أصل 196 دولة في مؤشر الفساد العالمي الأخير.

ففي ليبيا كل عام يصدر ديوان المحاسبة وهيئة الرقابة الإدارية تقارير مخيفة عن فساد مسؤولي الدولة وصلت للاستيلاء على مليارات الدينارات الليبية والدولارات الأمريكية من أموال الدولة ولكن دون أن يتحرك أحد.

بداية فضح الفساد

بداية فضح الفساد في ليبيا كانت عام 2017. حيث أصدر ديوان المحاسبة الليبي المكلف وفق القانون بمراجعة المعاملات المالية للحكومة ووزاراتها والهيئات العامة في الدولة ومؤسساتها تقريرا يحمل إيحاء بأن قيمة الهدر المالي في ليبيا بلغ 278 مليار دينار، خلال خمس سنوات. حيث جمع أداء عدة حكومات متعاقبة ومتوازية منذ العام 2012.

وخصص التقرير ذاته ما جرى من فساد مالي، خلال عام 2017، حيث وثق تجاوزات مالية وعمليات تلاعب وهدر للمال العام بشكل كبير. شملت المصاريف الباهظة لبعض المسؤولين، مثل تكاليف الإقامة في الفنادق وسعر استئجار طائرات خاصة وتغيير أثاث مكتبي وشراء سيارات وهواتف.

كما فضح عمليات تلاعب بالاعتمادات المصرفية لدى البنك المركزي لشركات معينة. وغير ذلك من الأمور التي استفزت الليبيين آنذاك دون إقدام أحد على إكمال المشوار والتحقيق في الأمر قضائيا.

وشمل تقرير 2017 أغلب الأجهزة والمؤسسات في الدولة. وتناول المبالغة في عديد البعثات الدبلوماسية والازدواجية في صرف المرتبات وانحرافات دعم العملية التعليمية وفساد المتابعة المالية لبعض البعثات الدبلوماسية في الخارج.

أما عام 2019، فلم يصدر تقرير عن ديوان المحاسبة بخصوص العام السابق له (2018). كما جرت العادة، إلا أن وسائل إعلام ليبية كانت قد سربت جزءا منه تحت عناوين “تفاصيل تقرير ديوان المحاسبة لسنة 2018 المحجوب بطلب من المجلس الأعلى للدولة”. وهو المجلس الواقع تحت سيطرة تنظيم الإخوان الذي الذي ينتمي له خالد شكشك رئيس ديوان المحاسبة الليبي.

تقرير حجب فعلا لعامين متتاليين، قبل أن يصدر في سبتمبر عام 2020 ليكشف الفساد المالي المستشري في جسم الدولة الليبية المرتكب عام 2018 وذلك في نحو 900 ورقة.

وجاء في هذا التقرير عديد التجاوزات في مختلف قطاعات الدولة، وعلى رأسها المجلس الرئاسي السابق برئاسة فائز السراج، كاشفا وجود فارق بين مخصصات ومصروفات حكومة الوفاق السابقة.

وقد بلغت المخصصات أكثر من 98 مليون دينار، بينما بلغت المصروفات في نفس الفترة 86 مليون دينار، إضافة للجوء المسؤولين بالرئاسي السابق إلى التكليف المباشر لعدد محدد من شركات السفر والسياحة بالمخالفة للائحة الإدارية.

وبين التقرير أن هناك زيادة بمعدل الإنفاق على المكافآت، بنسبة 57 % مقارنة بالسنة السابقة دون وجود مردود مقابل ذلك. وعدم وضوح أغراض وأهداف ونتائج المهام الخارجية التي ارتفعت نسب الإنفاق عليها إلى 62 % عن سنة 2017.

كما بين التقرير وجود تجاوزات بلغت 18 مليونا و288 ألفا و28 دولارا بمصرف ليبيا المركزي الذي يديره الصديق الكبير في طرابلس.

أرقام صادمة

 

أما في فبراير 2020 فقد احتوى تقرير ديوان المحاسبة على فساد أيضا يخص عام 2019. حيث جاء في التقرير جملة من المخالفات المالية تتعلق بزيادة في مصروفات البعثات الدبلوماسية الليبية بمبلغ إجمالي قارب 311 مليون دينار، وذلك دون مبرر.

إضافة لوجود خمس بعثات في دولة واحدة فقط وارتفاع عدد السفارات والقنصليات والبعثات الدبلوماسية الليبية من 138 عام 2018 إلى 150 عام 2019.

وفي أغسطس/آب عام 2021 أصدر ديوان المحاسبة تقريرا حول ما جرى في عام 2020، حيث قال في مقدمة التقرير إن “عام 2020 لم يكن أفضل حالاً من الأعوام السابقة.

حيث لا تزال بلادنا حبيسة المرحلة الانتقالية ولا تزال الظروف الاستثنائية الحرجة من انقسام واقتتال وازدواج السلطات التشريعية والتنفيذية وتغييب سلطات المساءلة مستمرة، بالإضافة إلى تفشي وباء كوفيد 19 “.

وتحدث التقرير عن عجز مالي في الدولة الليبية للعام 2020 تجاوز 14 مليار دينار، وتجاوزات مالية في مؤسسات الدولة ما أدى إلى انخفاض الاحتياطات العامة بقيمة 11 مليار دولار وعجز الميزانية وارتفاع الدين العام بقيمة 26 مليار دينار في ذلك العام 2020.

وفي سبتمبر/أيلول 2022 أصدر ديوان المحاسبة تقريره لعام 2021، والذي كشف عن مصروفات عشوائية بداية من قيام مجلس الوزراء لحكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية بصرف أكثر من 12 مليون دينار هدايا “ساعات” لضيوف الرئيس “الدبيبة” وتخصيص ميزانية لشراء أحدث الهواتف النقالة لوزارة التعليم العالي بقيمة 255 ألف دينار.

كما أشار إلى صرف 1.9 مليون دينار على وجبات إفطار وغداء وعشاء لديوان مجلس الوزراء في شهر واحد فقط. إضافة إلى إبرام وزارة الأوقاف عقد بمبلغ 700 ألف دينار مع شركة “للملابس العربية”، وفساد في الصرف لدى البعثات الدبلوماسية الليبية في الخارج.

2022.. عام مكافحة الفساد

ورغم تغول الفساد والفاسدين إلا أن ذلك الوضع تغير في 2022. وبدا واضحا وجليا من خلال الحملة القضائية التي أطلقها النائب العام الليبي المستشار الصديق الصور الذي عينه مجلس النواب الليبي بترشيح من المجلس الأعلى للقضاء.

تلك الحملة اشتملت سجن وزراء ورؤساء بعثات دبلوماسية في الخارج سابقين وحاليين، إضافة لمدراء مصارف ومسؤولين ماليين وغيرهم من المتنفذين والواصلين لأموال ليبيا بغير وجه حق.

وبدأت تلك الحملة مطلع العام  2022، حيث سجن النائب العام في يناير الماضي وزير الصحة بحكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية ووكيل الوزارة احتياطيا على ذمة التحقيق في قضية مخالفات مالية توصل إليها موظفو ديوان المحاسبة في خصوص تنفيذ ميزانية التنمية المخصصة لقطاع الصحة وذلك قبل أن يفرج عن الوزير بحكم براءة يوم الإثنين الماضي.

بعد ذلك أمر النائب العام بسجن وزيرة الثقافة ووزير التربية والتعليم في ذات الحكومة قبل أن يفرج عنهما في وقت لاحق.

ومنذ ذلك الحين وحملة النائب العام ضد الفساد في ليبيا مستمرة وسجن وفقها العميد السابق لبلدية التواته جنوب طرابلس والمراقب المالي بتهمة الاستيلاء على مبالغ مالية مصروفة لغرض مواجهة الآثار الناجمة عن حالة نزوح المواطنين القاطنين جنوبي طرابلس.

كما أمر بسجن مدير سابق لإدارة الخدمات الصحية بتهمة الاختلاس وحبس القائم السابق. بأعمال بعثة ليبيا لدى سيراليون بتهمة التربح غير المشروع وحبس مسؤول الملف الصحي ببعثة ليبيا في أوكرانيا.

وفي إطار ملاحقة الفساد والفاسدين سجن النائب العام أيضا هذا العام  الجاري من تولى إدارة القنصلية الليبية العامة في تركيا سابقا والمراقب المالي وموظفين آخرين. إضافة لسجن القائم السابق بأعمال بعثة ليبيا لدى جنوب أفريقيا بتهمة إساءة استعمال سلطاته بقصد تحقيق نفع غير مشروع لغيره.

كما سجن المراقب المالي في بعثة ليبيا لدى أوغندا بتهمة اختلاس 700 ألف دولار. إضافة لسجن رئيس بعثة ليبيا السابق لدى أوغندا خلال الفترة من 2013 حتى سنة 2017، وذلك باتهامات تتعلق بالفساد المالي.

أيضا سجن النائب العام المراقب المالي ببعثة ليبيا في قطر وسلفه بتهمة الاستيلاء على المال العام. إضافة لسجن 3 رؤساء سابقين لبعثة ليبيا إلى أوكرانيا بتهمة الاستيلاء على المال العام.

وشهد سجل السجناء من المسؤولين أيضا مدير مستشفى الشويرف ونائبه بتهمة الاستيلاء على 3.5 مليون دينار. وحبس مسؤولين بوزارة التعليم بتهمة الاستيلاء على المال العام ومدير إدارة ضرائب طرابلس بتهمة الاختلاس.

كما سجن النائب العام مدير مصلحة أملاك الدولة – بنغازي في وقائع التصرف في بعض الأملاك العقارية المملوكة للدولة الليبية. استناداً على وثائق رسمية مزورة حررها القائمون على إدارة العقارات.

كما سجن رئيس قسم الخزينة بمصرف الجمهورية / فرع الصابري (حكومي) لاختلاسه مالا منقولا وجد في حيازته، وحبس مسؤول مكتب الخدمات المالية الشاطئ لاستيلائه على جزء من مرتبات موظفين.

وأمر بحسب مسجل عام كلية تقنية الطيران المدني والأرصاد الجوية حبساً احتياطياً في واقعة تزوير البيانات المتعلقة بالمنحة الدراسية المقررة لفائدة طلاب الكلية. وتم حبس أيضا مدير وكالة مستشفى طرابلس المركزي التابعة للمصرف التجاري الوطني (حكومي) وأحد الموظفين في واقعات الاستيلاء على مبلغ مالي (29.265.335.000 دينار ليبي) من الحساب العام للصكوك المصدقة.

وسجن النائب العام أيضا موظفين بمصلحة الضرائب بسبب جريمة اختلاس مبالغ مالية قدّرت بمئات ألوف الدينارات من خزينة مصلحة الضرائب تحت غطاء إدراج بيانات على خلاف الحقيقة.

تحركات إخوانية 

كل تلك الإنجازات غير المسبوقة في ليبيا لم ترض، على ما يبدو تنظيم الإخوان. الذي حاول عبر مجموعة من أعضاء ما يعرف بالمجلس الأعلى للدولة قبل أسبوعين إفساد وإيقاف حملة مكافحة الفساد تلك. وذلك بتقديم طعن لدى الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا في طرابلس يقضي بعدم دستورية تكليف مجلس النواب للمستشار الصديق الصور نائبا عاما للبلاد.

ومن قدم الطعن في قرار تكليف المستشار الصديق الصور، هو الإخواني المتطرف سياسيا عبدالرحمن السويحلي إلى جانب نعيمة الحامي. وهي إخوانية أيضا عرفت بآرائها غير المتزنة إلى جانب شخصين آخرين غير معروفين للعامة.

لكن هذا الطعن واجه موجة كبيرة من الغضب تحدث عنها المحامي الليبي ناجي بالراس علي قائلا: إنه “مستغرب من الطعن في تكليف الصديق الصور لعدة أسباب”. لعل أولها هو “الإنجازات غير المسبوقة التي حققها الصديق الصور بإطلاقه حملة لمكافحة الفساد لم يتجرأ أحد من مسؤولي القضاء قبلة أن يطلقها”.

وأضاف: “ليبيا تغرق في فساد المسؤولين منذ عام 2011 وتولى هذا المنصب العديد من الشخصيات لكنهم جميعا مع كل الاحترام لأشخاصهم لم يتجرؤوا على فتح ملفات فساد المسؤولين كون الجميع متورطا. كما أن الاقتراب من الفاسدين قد يؤدي إلى الإقالة من المنصب”، على حد قوله.

وهناك سبب آخر سجله المحامي الليبي ويتمثل في “مرور أكثر من عام على ذلك التكليف”. متسائلا: “لماذا الآن يطعن في التكليف؟.. السبب بكل تأكيد حملة مكافحة الفساد ومحاولة تعطيلها”.

واختتم المحامي الليبي بالراس علي حديث قائلا: “ربما من يسعون وراء الإطاحة بالصديق الصور.. هم خائفون من أن تطالهم في يوم ما حملته ضد الفساد أو أحد المقربين منهم كون الحملة لم تستثن أحد ولن تستثني أحدا”.

تابعونا على
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى