“لوبي السلاح”.. وحقوق الإنسان عند “الأمريكان”

محمد خلفان الصوافي


الحادث البشع الذي وقع الأسبوع الماضي في ولاية تكساس الأمريكية، بقتل شاب 21 شخصًا في مدرسة، بينهم 19 طفلاً، ليس الأول من نوعه.

 

فقد أصبح شائعًا في الولايات المتحدة الأمريكية ذلك النمط من العنف الفردي أو ما يُعرف بـ”الذئاب المنفردة”، ويذهب ضحيته مئات الأشخاص سنويا، والحُجة أن المجرم “مضطرب نفسيًّا”.

ورغم أن حوادث القتل الجماعي تقع في بلدان أخرى من العالم، وبعضها يمثل مفاجأة لكثيرين، مثل ألمانيا وسويسرا، فإنها صارت ظاهرة أمريكية بامتياز، خصوصًا في الأعوام الأخيرة.. حيث يتفوق الأمريكيون بمراحل على أي شعب آخر في عدد حوادث القتل، وكذلك في أعداد الضحايا الذين تذهب أرواحهم سنويًّا، ما يعني أن هناك عاملا أو محركا داخليا لهذه القضية يخص المجتمع الأمريكي.

ففي عام 2021 وحده، وقع في الولايات المتحدة 691 حادث إطلاق نار جماعي.. نتج عنها مقتل 800 شخص في شيكاغو، و557 في فيلادلفيا و400 في لوس آنجلوس.

ظاهرة القتل الجماعي في الولايات المتحدة -إلى جانب كونها مشكلة نفسية أو اجتماعية للمجرم نفسه- لها وجه آخر مرتبط بثقافة الشعب الأمريكي، الذي يعتبر حمل السلاح “شرفا قوميا”.

هنا نقول إنه كان يمكن للإدارات الأمريكية المتعاقبة تغيير هذا الموروث التاريخي، ولو بالتدريج على مدار العقود الطويلة الماضية، بعدما انتشرت جرائم قتل لأبرياء، وبدأ السياسيون ينزعجون منها، لولا الدور المحوري الذي يلعبه “لوبي السلاح” هناك.. وتحديدًا رابطة الأسلحة الوطنية، “NRA”، التي تمثل المستفيدين من تجارة السلاح الشخصي، وهم أصحاب المصانع والتجار، إضافة إلى شرائح من اليمين الأمريكي المحافظ.

نجح هذا اللوبي في مواجهة كل الضغوط، التي تمارَس عليه منذ عقود لتقييد حيازة الأفراد للأسلحة، كما صار له دور مؤثر -شأن بقية اللوبيات وجماعات الضغط الأمريكية- في توجيه بوصلة السياسات الداخلية وترجيح كفة بعض المرشحين في الانتخابات الحزبية والنيابية، ما ينقلنا إلى الجزئية الثانية، والتي لها علاقة بحماسة الإدارات الأمريكية تجاه التدخل في شؤون الدول الأخرى بحجة “الدفاع عن حقوق الإنسان” وصون حياتهم والمحافظة عليها والتي بدأت تتوسع فيها بشكل كبير ومزعج.

صحيح أن قضية تراخيص حمل السلاح وما ينتج عنها من جرائم قتل أمر أمريكي داخلي، لكن لو نظرنا إليه من مسألة الاهتمام بقضايا الإنسان في العالم والتدخل في ثقافات الآخرين بغية تغييرها بإجراءات تشريعية يكون من الأولى للإدارات الأمريكية التركيز على الدفاع عن حقوق الإنسان الأمريكي، الذي يعاني جرائم القتل وبشكل بشع، وذلك عبر تغيير تلك الثقافة الأمريكية أو موروث حمل السلاح، والوقوف أمام التربح المالي والسياسي للوبي السلاح، فهذا هو مربط الفرس في هذه القضية.

فالملاحظ أن الولايات المتحدة تشغل نفسها بالدفاع عن حقوق الإنسان في العالم، ولكنها لا تعمل على إصلاح وضع اجتماعي قائم فيها، فيما بات الأمر مسيئا للداخل الأمريكي بعدما صار أطفال المدارس هدفا متكررا.. هذا التناقض ينبغي أن تستدركه الإدارات الأمريكية.. علما بأن المراقبين لم تعد تنطلي عليهم أهداف التدخلات الأمريكية، وبدؤوا يتساءلون حول حقيقة الدور الأمريكي في حماية الإنسانية والسلم العالمي. 

إن المسألة، كما تتضح، ليست مبادئ ثابتة ولا قيما مجتمعية موروثة ولا حتى معايير موحدة، وإنما مصالح سياسية ومكاسب اقتصادية.. هذه هي صاحبة الكلمة العليا ولا شيء آخر.

 

Exit mobile version