سياسة

لماذا ستبقى أسعار النفط مرتفعة؟

مجدي صبحي


سوف تبقى أسعار النفط الخام مرتفعة لفترة من الوقت، وذلك وفقا لرأي باتريك بويانيه، الرئيس التنفيذي لشركة النفط الفرنسية العملاقة، توتال.

وقال “بويانيه”، معلقا على الارتفاع الراهن في أسعار النفط إضافة إلى أسعار الكهرباء والغاز المرتفعة، خاصة في أوروبا: “ليس لدي أنباء طيبة لأقدمها، أسعار النفط ستبقى مرتفعة”.

“واستمرار النمو في الطلب العالمي على النفط ووسط انخفاض الاستثمارات في الإنتاج سوف تُبقي الأسعار مرتفعة”.

ويتفق كثير من المديرين التنفيذيين وكثير من المحللين مع “بويانيه” في وجهة نظره أن أسعار النفط سوف تبقى مرتفعة. ويقول بعضهم إن هناك مساحة لزيادة الأسعار أكثر خلال الأشهر المقبلة.

ويمكن للطلب القوي والمساحة المتاحة أمام مديري الأموال للاستثمار في عقود النفط، مترافقا مع تضاؤل الطاقة الإنتاجية العالمية الفائضة والقلق من مستويات المخزون، الدفع بأسعار النفط حتى لمستويات أعلى حسب شركة “فيتول”، أكبر شركة مستقلة في تجارة النفط.

وكما يرى “بنك أوف أمريكا” فإن 100 دولار لبرميل النفط هي في الاعتبار خلال العام الحالي، بل ويمكن أن يحدث هذا سريعا خلال الربع الثاني من هذا العام. 

والواقع أن التوازن الدقيق في سوق النفط بارتباطه بتقلص الطاقة الإنتاجية الفائضة جعل العديد من بنوك الاستثمار ترى أن أسعار النفط سترتفع، ومن بين بنوك “وول ستريت”، التي تشارك هذه النظرة، جولدمان ساكس، وبنك أوف أمريكا، وبنك جي بي مورجان، وبنك مورجان ستانلي، التي ترى جميعها أن سعر 100 دولار للبرميل سيتحقق خلال العام الحالي.

وقد بدأت أزمة الغاز الأوروبية حينما بدا أن مخزونات الغاز في القارة هي عند مستويات منخفضة في هذا الوقت من العام، أي في فصل الخريف. والآن يبدو أن المخزونات العالمية من النفط الخام هي التي تعد منخفضة.

ففي أوائل هذا الشهر قال بنك “مورجان ستانلي” إنه قدر مستوى مخزونات النفط العالمية القابلة للرصد، فوجد أنها قد استنفدت 690 مليون برميل في عام 2021، وهي الآن عند أقل مستوى لها في أكثر من خمسة أعوام.

وقال البنك إن “توقعات الطلب الإيجابية على النفط والتوقعات الحذرة للعرض من جانب تحالف أوبك+، تجعلنا نعتقد أن المخزونات ستنهي عام 2022 وهي ما زالت منخفضة”.

ثم قامت وكالة الطاقة الدولية في هذا الشهر أيضا بتقديم تقرير حول الفجوة ما بين حساباتها للمخزونات العالمية وموقف المخزون الفعلي.

وطبقا لهذا التقرير، فإن المخزونات العالمية من النفط قد انخفضت بأكثر من 200 مليون برميل عما كانت الوكالة تقدر هذه المخزونات في السابق.

وواحد من الأسباب وراء عدم التطابق في الحسابات بين المخزون الفعلي والمقدر هو التقليل من الطلب على الخام. وما يعنيه هذا، على أي حال، هو أن هناك كميات أقل بكثير من النفط في العالم في الوقت الذي يعد فيه الطلب قويا، وما زال ينمو، ومع رفع القيود المرتبطة بالجائحة، يزيد مستوى الطلب أكثر.

ويبدو الأمر بطريقة غريبة بالنسبة للبعض وكأنه تكرار لموقف الغاز الأوروبي منذ أشهر قليلة خلت.

وهناك الآن قبول متزايد بأن أسواق النفط لديها القليل، إن كان لديها على الإطلاق أي ممتص للصدمات، كما جاء في تقرير لوكالة رويترز هذا الأسبوع.

وما يجعل الموقف في سوق النفط ربما أسوأ من موقف الغاز الأوروبي هو أنه ليس هناك أي أحد يمكنه القيام بعمل ما لتغيير مستوى المخزونات للطلب. 

فكما بيّنت تقارير عديدة، نجد أن تحالف أوبك+ يواجه مشكلة في رفع إنتاجه من النفط إلى مستوى الحصص المحددة لكل عضو في التحالف، باستثناء عدد قليل جدا مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، بينما تكافح باقي دول التحالف مع الانخفاض في طاقتها الإنتاجية الفائضة. 

وطبقا لبنك مورجان ستانلي فإن الطاقة الإنتاجية الفائضة العالمية يمكن أن تنخفض من 6.5 مليون برميل يوميا إلى نحو 2 مليون برميل يوميا فقط عند منتصف هذا العام.

في الوقت نفسه، فإن النفط الصخري الأمريكي يسجل نتائج أفضل كما لم يحدث منذ أعوام بسبب ارتفاع أسعار النفط، ولكن العودة لاستراتيجية ضخ النفط حسب الهوى غير محتملة، طبقا لتقرير رويترز: “العهد الجديد من تنظيم رأس المال بين المنتجين الأمريكيين يعني أن ضخ النفط دون حدود لم تعد هي الحالة”.

وخارج تحالف أوبك+ والنفط الصخري الأمريكي، ليس هناك منتج واحد، حتى منتج كبير كالبرازيل، يمكنه أن يعالج منفردا مشكلة المخزون. وفي الوقت نفسه، فإن اكتشافات لمكامن جديدة من النفط سجلت أقل مستوى لها على الأقل خلال عشرين عاما، طبقا لمورجان ستانلي.

وقد لفتت “جويانا” بأمريكا الجنوبية الانتباه مؤخرا مع الاكتشافات، التي حققتها هناك عدد من الشركات. ولكن خارج “جويانا” هناك القليل مما يمكن الحديث حوله. مثل وصول شركة “شل” مؤخرا لاكتشاف النفط خارج سواحل ناميبيا وهذا كل شيء. 

ويتوقع المحللون الآن أن عام 2022 سوف يكون منخفضا في الاكتشافات الجديدة أيضا.

وفي الوقت نفسه، ما زال تحالف أوبك+ حذرا ولم تحركه البيانات الأخيرة حول المخزونات، إذ ما زالت اللجنة الفنية المشتركة الخاصة بالتحالف تتوقع حدوث فائض عرض خلال العام الحالي، وكل ما فعلته مؤخرا أنها خفضت توقعاتها لفائض العرض إلى 1.3 مليون برميل يوميا بدلا من 1.4 مليون برميل يوميا كانت تقدرها في السابق.

ولهذا قرر تحالف أوبك+ يوم الأربعاء قبل الماضي وخلال زمن وجيز الاستمرار في إضافة 400 ألف برميل يوميا إلى إنتاجه الشهري الإجمالي بدلا من إضافة المزيد من النفط. 

وعلى أي حال، فإن تحالف أوبك+ يبقى غير قادر على الالتزام حتى بهذه الإضافة للإنتاج منذ شهور الآن، حيث ينتج أقل من 400 ألف برميل يوميا.

ومما يستحق الذكر أيضا اعتراف وكالة الطاقة الدولية بأنها مفاجأة بالنمو الأكثر من المتوقع في الطلب خلال الربع الأخير من العام الماضي.

وبينما تقدر الوكالة الآن تباطؤ الطلب على النفط خلال الربع الحالي من العام، فإنها راجعت أيضا توقعاتها لمستوى الطلب خلال العام بأكمله برفعه بمقدار 200 ألف برميل يوميا عما كانت قد قدرت في السابق.

هكذا حسب العديد من بنوك الاستثمار والمحللين ومسؤولي صناعة النفط، هناك اتفاق على استمرار أسعار النفط مرتفعة لفترة، ومن بين الأسباب الرئيسية لذلك استمرار نمو الطلب بقوة، خاصة بعد التخفيف من قيود الجائحة إضافة إلى عدم وجود طاقة إنتاجية فائضة كبيرة في العالم، وأخيرا انخفاض مستويات المخزونات إلى مستويات تعد الأقل منذ أكثر من خمسة أعوام.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى