سياسة

لا تأكيد ولا نفي: البرنامج النووي الإيراني يدخل 2025 على وقع الغموض


عشية يوم 13 يونيو/حزيران 2025، كان العالم يعرف الكثير عن البرنامج النووي الإيراني.

على سبيل المثال؛ الوقت التقريبي اللازم لإنتاج قنبلة نووية إذا ما قررت طهران الإقدام على ذلك، كمية اليورانيوم المخصب في منشآتها النووية، نسبة التخصيب، عدد القنابل التي تسمح بها كمية اليورانيوم المخصب، المواقع الحصينة التي تعمل فيها أجهزة الطرد المركزي، وحتى الأسئلة التي كانت لا تزال بحاجة لإجابة.

لكن بحلول يوم 24 يونيو/حزيران من العام نفسه، أي بعد نحو 12 يومًا، كان من الصعوبة بمكان معرفة الإجابات، إذ بدا كل شيء غائمًا فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني.

كيف حدث ذلك؟

في فجر يوم 13 يونيو/حزيران من العام الجاري، شنت إسرائيل سلسلة هجمات على إيران باستخدام أسرابها من المقاتلات، وكذا عبر عملاء لها في الداخل مستخدمين طائرات مسيرة.

وخلال الموجة الأولى من الهجمات استهدفت إسرائيل منشأة نطنز النووية، على بعد 225 كيلومترًا جنوب طهران.

كما تعمدت إرباك إيران بضرب تسلسل القيادة، مستهدفة القادة الكبار في الجيش والعلماء النوويين.

وشنت إيران بالمثل سلسلة ضربات صاروخية وطائرات مسيرة كانت الأكثر تدميرًا في تاريخ إسرائيل منذ تأسيسها.

وطوال الأيام الأربعة اللاحقة عمدت إسرائيل إلى فتح طريق آمن لمقاتلاتها عبر استهداف قواعد الدفاع الجوي، لتفتح ممرًا آمنًا نحو أقصى الشرق.

وبحلول يوم 19 يونيو/حزيران كانت المقاتلات الإسرائيلية تضرب مفاعل آراك النووي، ومنطقة قريبة من منشأة آراك البحثية التي تعمل بالماء الثقيل، وهي جزء من البرنامج النووي الإيراني.

وبعد يومين، أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إسرائيل شنت ضربة جوية استهدفت منشأة نووية في أصفهان، دون حدوث أي عواقب إشعاعية.

وفي 22 يونيو/حزيران، دخلت الولايات المتحدة على خط المواجهة بقصف منشأة فوردو، المخصص لتخصيب اليورانيوم والمخفية في منطقة جبلية، بالإضافة إلى منشآت نطنز وأصفهان.

وتعد هذه المواقع الثلاثة الأشد تحصينًا والتي تطلبت ضربات بالقاذفات الأمريكية الشبحية الرئيسية.

وقال قائد الجيش الأمريكي دان كين حينها إن أكثر من 125 طائرة عسكرية أمريكية شاركت في العملية التي أطلق عليها اسم “مطرقة منتصف الليل”، واستخدم خلالها نحو 75 سلاحًا موجّهًا بدقة، مشيرًا إلى أن واشنطن استخدمت أساليب خداع عدة أثناء التحرك لضرب المنشآت النووية.

وأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد الهجوم أن الضربات الواسعة أدت إلى “تدمير البرنامج النووي الإيراني بالكامل”.

وقال إن الضربة اعتمدت على “دقة استخباراتية غير مسبوقة”، وأن القاذفات الشبحية والصواريخ بعيدة المدى أصابت أهدافًا تحت الأرض “لم تعد قادرة على استعادة نشاطها”، قبل أن يعلن عن دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران حيز التنفيذ في 23 يونيو/حزيران.

الضباب يخيم

لم يمض وقت طويل حتى خيم الغموض على المشهد في إيران، وكان التشكيك الأول صادرًا من الولايات المتحدة نفسها.

وأكد مسؤولون من وزارة الدفاع والاستخبارات الأمريكية أن الضربات، رغم تأثيرها على بعض المنشآت والقدرات، لم تستهدف العناصر الجوهرية للبنية النووية ولا يمكن اعتبارها إنهاءً للبرنامج.

وأشاروا إلى أن القدرات الإيرانية ما تزال قائمة، وأن أي تقييم جذري لطبيعة البرنامج يستند إلى معلومات فنية ودبلوماسية معقدة، لا إلى تصريحات سياسية.

وتسبب التباين بين الخطاب السياسي والمعطيات الفنية في إرباك المشهد، فلم يعد من المعروف حال المنشآت النووية شديدة التحصين، ولا ما إذا كان مخزون اليورانيوم المخصب لا يزال في حوزة طهران، وما إذا كانت أجهزة الطرد المركزي لا تزال تعمل.

وفي رد فعل مباشر أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية عن بدء إجراءات تقييد وصول المفتشين الدوليين إلى المواقع المستهدفة.

وأصدر البرلمان الإيراني قانونًا يعلق التعاون مع الوكالة، وينص على أن أي عمليات تفتيش يجب أن تتم بموافقة المجلس الأعلى للأمن القومي.

كما لوّحت طهران، عبر تصريحات رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، بأن خيار الانسحاب من معاهدة الحد من الانتشار النووي مطروح على طاولة مجلس الأمن القومي كإجراء ردعي استراتيجي، مشددة على أن أي عودة للتعاون مرهونة بتعويض الأضرار.

وبات العالم أمام روايتين: الأولى تتحدث عن نهاية البرنامج النووي الإيراني أو إعادة عقود إلى الوراء، بينما تشير الثانية إلى تضرر محدود في المنشآت النووية المحصنة، مع ضباب يغلف مصير مخزونات اليورانيوم المخصب وقدرة إيران على رفع درجة التخصيب.

وعلى الرغم من نفي إيران الدائم نيتها استخدام اليورانيوم لأغراض عسكرية، لم يعد هناك معلومات دقيقة حول قدرتها على القيام بذلك.

وأصبح كل تحذير غربي من وجود خطر إيراني مزعوم يضعف مصداقية الرواية التي اعتمدتها الولايات المتحدة.

وفي يوليو/تموز وافقت إيران على استقبال فريق فني من الوكالة لمناقشة ما وصفته بـ”آلية جديدة” للتعاون، وقال كاظم غريب آبادي، نائب وزير الخارجية الإيراني، إن الفريق سيزور إيران قريبًا، لكنه أوضح أن الزيارة “لن تشمل تفقد المواقع النووية”، بل ستكون محصورة في بحث الإطار الفني للتعاون المستقبلي.

واستأنف مفتشو الوكالة عملهم في إيران في أغسطس/آب، حيث زاروا موقع بوشهر، محطة الطاقة النووية الرئيسية، بحسب ما أعلن مدير الوكالة رافائيل غروسي، للمرة الأولى منذ تعليق التعاون رسميًا الشهر الماضي.

لكن غروسي شكا من أن الوكالة “لم تصل بعد إلى المستوى الذي ترغب فيه”.

وبعد سلسلة من المناوشات بين طهران ودول غربية على رأسها الولايات المتحدة والترويكا الأوروبية (فرنسا وألمانيا وبريطانيا)، وقعت إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية في 10 سبتمبر/أيلول 2025 بالعاصمة المصرية القاهرة اتفاقًا لاستئناف التعاون الفني، بما في ذلك الإجراءات العملية لعودة أنشطة تفتيش المنشآت النووية.

حتى توقيع اتفاق القاهرة، لم يتسن للوكالة دخول منشآت إيران النووية الرئيسية منذ تعرضها للقصف الأمريكي الإسرائيلي.

عض الإصبع

وقبل توقيع اتفاق القاهرة، كانت الترويكا الأوروبية قد أطلقت في أواخر أغسطس/آب ما يعرف بـ”آلية الزناد”، التي تتيح إعادة فرض العقوبات التي رفعت عن إيران بعد اتفاق 2015 المعروف بخطة العمل الشاملة المشتركة في غضون 30 يومًا.

وقد سمح إطلاق الآلية للمرة الأولى منذ عقد بتفعيل عقوبات الأمم المتحدة على إيران بعد انقضاء المهلة التي منحتها باريس ولندن وبرلين، في مواجهة رفض إيران فتح المواقع الحساسة أمام المفتشين.

وعقب فشل روسيا والصين في أواخر سبتمبر/أيلول في تمديد المهلة النهائية، دخلت عقوبات قاسية تتراوح بين حظر الأسلحة وتدابير اقتصادية حيز التنفيذ تلقائيًا.

وفي رد على إعادة فرض العقوبات الأممية، أعلن وزير الخارجية عباس عراقجي أن اتفاقية القاهرة لم تعد أساسًا لتعاون بلاده مع الوكالة.

وفي الوقت الراهن تسعى دول الترويكا الأوروبية إلى إحياء مسار التفاوض مع طهران رغم التحفظات الأمريكية، فيما يبقى الملف النووي الإيراني داخل دائرة الغموض، في انتظار العام الجديد ربما للكشف أكثر عن حقيقة ما جرى.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى