كيف سقط رئيس الغابون؟
من كان ليعتقد أن حكما امتد لنحو 60 عاما ستنهيه أخطاء تراكمت عبر الزمن لتتحول إلى رصاصات قاتلة أردت عرش آل بونغو في سويعات قليلة؟
أخطاء حكم فادحة كبدت الرئيس الغابوني علي بونغو حكمه وأطاحت به فجر الأربعاء الماضي، لتستيقظ الغابون بعد أكثر من 55 عاما على عرش بلا عائلة بونغو.
سيلفيا، زوجة علي بونغو، الفرنسية التي تحكم من وراء الستار، تشكل أحد أبرز أسباب الامتعاض والاستياء، وهي التي بسطت نفوذها على جميع مفاصل السلطة وكانت رغباتها وأوامرها تنفذ بلا تأخير.
من هو بريس كلوتير أوليغي أنغيما، الرئيس الحالي لجمهورية الجابون؟
نور الدين، الابن البكر لعلي بونغو من زوجته سيلفيا، يعتبر أيضا رصاصة قاتلة في قلب حكم والده، وهو الذي كانت والدته تهيئه لوراثته على رأس البلاد، في تمش لطالما قضّ مضاجع الغابونيين ممن شعروا بأنهم تائهون في حلقة مفرغة لحكم آل بونغو مستمرة منذ 1967 تاريخ وصول عمر بونغو للسلطة.
عوامل تنضاف لقائمة طويلة من الأسباب التي عجلت بنهاية حكم آل بونغو في الغابون:
1- “الملكة” سيلفيا
فرضت نفسها كحاكمة للغابون أو “ملكة” كما يحلو لبعض الغابونيين توصيفها تهكما على تدخلها السافر في الحكم، كما كانت شخصية صعبة المراس، ومتكبرة لدرجة أنها لم تكن تتوانى عن إهانة الضباط وكبار القادة بالدولة.
ولئن يمكن للشعب أن يتغاضى عن تلك الشخصية التي لم تكن يوما محبوبة، لكن الجيش قد لا تروقه تصرفات خارجة عن النطاق صادرة عن سيدة لا صلاحيات لها غير صفتها البروتوكولية سيدة أولى للبلاد.
من هو بريس كلوتير أوليغي أنغيما، الرئيس الحالي للجابون؟
لم يكن استياء الحرس الجمهوري على وجه الخصوص منها جديدا. خصوصا أن قادته كانوا الأكثر تعاملا مع سيلفيا بحكم مهامهم بتأمين الرئيس ومقر إقامته. وحتى حراسها الشخصيين كانوا يشتكون بشكل مستمر ويتذمرون من استعلائها وإهانتها لهم على الملأ.
بعد تعرض علي بونغو لسكتة دماغية كادت أن تودي بحياته العام 2018. انتهزت سيلفيا فرصة غياب زوجها واستبعدت 18 من أهم أعمدة النظام. كما أقصت أخ زوجها غير الشقيق فريديريك وأطاحت به من على رأس استخبارات الحرس الجمهوري.
ولم تكتف بذلك، بل أرسلته إلى “المنفى” كملحق عسكري في سفارة الغابون بجنوب أفريقيا.
ومنذ ذلك الحين. تحول الحرس الجمهوري إلى قنبلة موقوتة مدفونة تحت القصر الرئاسي تنتظر الساعة الصفر للانفجار وهو ما حدث بالفعل مؤخرا.
“ولي عهد”
لم يكن نور الدين نجل علي بونغو فقط بل كان بمثابة “ولي عهد” الغابون الذي يستعد منذ سنوات لوراثة السلطة، وهذه الخطوة طفت للواجهة بعد محاولة انقلاب عناصر من الحرس الجمهوري على الرئيس في 2019.
وبالفعل، بدت خطوات القصر حثيثة لإعداد الشاب لتسلم الحكم، وتم تعيينه منسقا عاما للشؤون الرئاسية، وكان أيضا الحاكم الفعلي للبلاد، يطبق تعليمات والدته بدقة ويصطاد خصومه بشراسة لدرجة أن لا صوت بات يعلو على قراراته التعسفية.
3- الأخ غير الشقيق
بمجرد وفاة والدهما عمر بونغو في عام 2009، وضع فريديريك بونغو. الأخ غير الشقيق لعلي بونغو، نفسه في خدمة الرئيس، وكان متفانيا في ذلك، وبذل قصارى جهده من أجل الحفاظ على العرش.
كان فريديريك يترأس مخابرات الحرس الجمهوري. الجهاز الذي حاول الانقلاب على علي بونغو. وفاقم شكوك سيلفيا حيال أن يكون أخ زوجها متورطا بشكل أو بآخر.
الغابون.. مرحلة ما بعد بونغو
ولذلك، لم تتأخر سيلفيا في إقالته وتعيين قائد جديد للحرس الجمهوري . لكنها لم تكن لتتخيل أن القائد الجديد هو نفسه من سينهي حكمها.
إقالة كان لها وقع كبير في القصر والدولة، وبدا أنه منذ ذلك الحين، بدأ الحرس الجمهوري يعد للانقلاب على علي بونغو.
4- انتخابات شكلية
منذ صعوده للحكم في 2009. أدرك الغابونيون أنهم علقوا في شبكة عائلية تتوارث السلطة وأن الانتخابات أفرغت من معناها لدرجة أصبحت شكلية وبات المرشحون من غير حزب بونغو واجهة لا معنى لها.
ودعم علي بونغو مساره بالعديد من القوانين التي تم إقرارها على المقاس من أجل استبعاد شخصيات معينة من الترشح، وإقصاء أسماء يدرك أن دخولها للسباق قد يثير عاصفة احتجاجات جديدة ضده.
5- عزل الغابون
في مساء 26 أغسطس/ آب الماضي. أي يوم إدلاء الغابونيين بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية. قطع علي بونغو الإنترنت في جميع أنحاء البلاد “لتجنب انتشار الدعوات للعنف” لأن “الاستقرار والسلام والوحدة (…) البلدان هي الأولويات القصوى وعلينا أن نفعل كل شيء لحمايتهم”. بحسب مبرراته حينها.
انقلاب الغابون ومخاوف الإقليم من الجماعات الإرهابية وانتشار الاضطرابات
ولم يكن الغابونيون بحاجة لأكثر من ذلك لرفع منسوب الاستياء لديهم. وهو ما تجلى في منشورات غزت مواقع التواصل، فاقمت على الجانب الآخر الغضب بصفوف الجيش.
كما لم يكونوا بحاجة لمعجزة لإدراك أن النظام ينوي تكرار سيناريوهاته السابقة. عبر تزوير النتائج وإعادة علي بونغو للسلطة.
6- ولاء الجيش
كان الخطأ الأكبر الذي ارتكبه علي بونغو بلا شك هو المبالغة في تقدير ولاء الجيش. وخاصة الحرس الجمهوري.
وبينما كان الجيش منتشراً في جميع أنحاء البلاد، عندما أعلن فريق الخبراء الاستشاري نتائج الانتخابات في الساعة الثانية صباحاً بالتوقيت المحلي. صدرت الأوامر بالحفاظ على النظام عن طريق طعن مقرر في النتائج لكن بطريقة لم تكن لتخطر على بال أحد.
7-مغازلة الكومنولث
بالنسبة للكثيرين. ارتكب علي بونغو خطأ قاتلا بمغازلة منظمة الكومنولث معتقدًا أنه سيحصل على دعم قوي، لا سيما من الملك الحالي تشارلز الثالث الذي أكرمه في منزله.
ففي لندن، لم تكن مشاعر علي بونغو جيدة خلال لقائه بملك بريطانيا وهو الذي كان يعتقد أن لديه صداقات قوية ودعمًا موثوقًا به.