متابعات إخبارية

كيف أصبحت خريطة المليشيات في طرابلس؟


شهد الليبيون عاما قاسٍ ليس بتردي الخدمات والانقسام السياسي وانهيار حلم الانتخابات فحسب، بل أمنيا أيضا مع توالي اشتباكات المليشيات.

كان العام 2022 مشحونا بالأزمات لليبيا، بداية من فشل إجراء الانتخابات في موعدها المحدد وموجات الغضب الشعبي، والانقسام السياسي الذي وصل ذروته بانقسام السلطة التنفيذية إلى حكومتين متوازيتين شرقا وغربا.

واستغلت مليشيات غرب ليبيا هذه الأجواء في إطار التنافس على السيطرة والنفوذ لتصفية حساباتها مع خصومها أو تعديل مواقعها واكتساب مزيد من المناطق، واندلعت عدة مواجهات تراوحت حدتها بين مناوشات عابرة إلى اشتباكات دامية قتل وأصيب فيها أكثر من 200 شخص.

الموجة الأولى

اندلعت الموجة الأولى من الاشتباكات المتقطعة، وسط يناير الماضي في العاصمة طرابلس، وتحديدا على طريق الشط بالقرب من ميناء طرابلس والمصرف المركزي بين مليشيات النواصي والردع، في إطار الصراع على النفوذ والسيطرة واستظهار القوة.

لكن بداية الاشتباكات ذات البعد السياسي كانت في مدينة الزاوية، غربي العاصمة طرابلس، مع بداية الحديث عن تشكيل حكومة جديدة وتعديل دستوري ينظم المرحلة الجديدة 31 يناير الماضي.

وخلال ذلك سعت بعض المليشيات لإبراز قوتها وسيطرتها، ما أسفر عن مقتل عدد من المدنيين وتدمير المنازل، ولكنها لم تستمر طويلا فسرعان ما عادت المدينة للهدوء بتراجع منافستها.

وظل هذا الوضع مستمرا من الاشتباكات المتقطعة، خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام، وسط تدهور أمني ملحوظ بالمنطقة الغربية، واستخدام الأسلحة الثقيلة والمتوسطة.

الحروب الخاطفة

عقب تعيين مجلس النواب الليبي لفتحي باشاغا رئيسا لحكومة جديدة مارس 2022 وعد بدخول العاصمة سلما، إلا أن رئيس الحكومة منتهي الولاية عبدالحميد الدبيبة رأى أن إجراءات تعيين باشاغا غير قانونية ورفض تسليمه السلطة، فكان ذلك بداية انقسام معسكر الغرب.

البداية الحقيقية للاشتباكات بين قوات الحكومتين لم تكن بالعاصمة بل في مدينة الزاوية التي ينتمي إليها وزير الداخلية الجديد في 23 أبريل/ نيسان الماضي، إلا أنه تم الاتفاق على التهدئة.

وحاول باشاغا دخول العاصمة عدة مرات فحدثت اشتباكات بين قوات الطرفين، ما اضطر باشاغا للعودة، ثم أعاد هذه الكرة في أكثر من مرة.

موجات التصفية

بطبيعة الحال لم يرض الدبيبة عمن ساند منافسه، فأقال عددا من كبار قادة المليشيات بينهم نائب رئيس جهاز المخابرات العامة مصطفى قدورة ومدير الاستخبارات العسكرية أسامة الجويلي من منصبيهما على خلفية الاشتباكات.

كما كافأ عماد الطرابلسي بتعيينه وكيلا لوزارة الداخلية ثم وزيرا مكلفا لموقفه الداعم للدبيبة ضد قائد قوات خصمه أسامة جويلي رغم أن الرجلين (الجويلي والطرابلسي) من ذات المدينة (الزنتان).

وأثارت هذه الخطوات حفيظة قادة المليشيات وعادت الاشتباكات في عدة مناطق إلا أنها كانت محدودة سعيا للحفاظ على مناطقها ومناصبها.

أدرك قادة مليشيات غرب ليبيا بالخطر المحدق بهم، وبات الوضع في انتظار انفجار الوضع في أي وقت فعملوا على تصفية المليشيات المنافسة، وتم القضاء على كثير منهم وإخراجهم من معسكراتهم في الاشتباكات التي دارت خلال شهر يوليو/تموز وأغسطس، وأهمها المليشيات المتحركة وما يعرف بـ”الأمن العام “و”قوة الحرس الرئاسي” و”اللواء 777 قتال” بقيادة هيثم التاجوري وغيرهم.

وخلال تلك الموجة الثانية أيضا، شهدت العاصمة أواخر أغسطس اشتباكات هي الأعنف حصدت أكثر من 212 شخصا ما بين قتيل وجريح، ما دفع باشاغا في النهاية لإعلان تخليه عن فكرة دخول العاصمة وممارسة مهامة من سرت وبنغازي.

كما اتفقت المليشيات فيما بينها على هدنة ووقف إطلاق النار وترك الأمور السياسية، إلا أن ذلك لم يمنع توالي الاشتباكات الخاطفة في طرابلس ومحيطها.

إعادة توزيع القوى

ونتيجة لهذه الاشتباكات المتتالية تغيرت خارطة السيطرة في العاصمة ومحيطها، فتم القضاء على مليشيات ونزع مقار أخرى وبروز قوى جديدة.

أما أبرز المليشيات اللي خرجت من المشهد وتم الاستيلاء على آلياتها ومقارها فهي “مليشيات النواصي”والتي كانت تتمركز في في سوق الجمعة منذ 2011، حيث تم السيطرة على مواقعها الآن لصالح “مليشيات الردع”.

كما خرجت مليشيات ما يعرف بـ”كتيبة ثوار طرابلس” بقيادة هيثم التاجوري من مناطقها وتم طرد عناصرها والاستيلاء على آلياتها وتوزيعها على مليشيات حليفة من “قوات محمد باحرون الفار” من الزاوية وغنيوة الككلي آمر مليشيات ما يسمى “دعم الاستقرار”.

كما تم القضاء على قوات أيوب بوراس المعروفة بـ”الحرس الرئاسي”وانتزاع مقراتها من منطقة عين زارة وإزاحته من المدينة بالكامل لتسيطر عليها قوات غنيوة.

الخارطة الجديدة

وتتوزع السيطرة الآن في العاصمة الليبية طرابلس على عدة مليشيات كبرى أهمها مليشيات بشير خلف الله المعروف بـ”البقرة” في المناطق من بعد الخمس ابتداء من القرة بوللي إلى غوط الرمان، (الساحل والجزء الشمالي الشرقي للعاصمة).

في حين تسيطر قوات مليشيات الردع على مناطق المدخل الشرقي للعاصمة امتدادا جنوبا إلى منطقة سوق الجمعة إلى وسط طرابلس.

أما مناطق جنوب العاصمة خاصة من بوسليم وصولا إلى طريق المطار فتقع تحت سيطرة مليشيات غنيوة الككلي، ومنطقة غربي العاصمة تحت تحالف مليشياوي من الزاوية بقيادة بحرون الفار.

ثم ظهرت “مليشيات 444” التي اختارت لنفسها أن تظهر في صورة المحايد ومحارب الإرهاب والتدخل لحل أي إشكالية بين المليشيات ومنطقة نفوذها الصريحة في خارج العاصمة من معسكر التكبالي إلى منطقة الفرجان إلى قصر بن غشير إلى سوق السبت وسوق الخميس وفم ملغة وترهونة وبني وليد، وهي منطقة واسعة وشاسعة.

وتأتي بقية المناطق في العاصمة التي تتحكم فيها تكتلات من مليشيات صغيرة وغير مؤثرة وتتبع وتتعاون مع إحدى المليشيات الكبرى الأخرى في العاصمة.

وعن المشهد خارج العاصمة طرابلس فيبدو أكثر استقرارا، خاصة مصراتة التي اختارت تجنب الاشتباكات، مع بروز قوات مكافحة الإرهاب برئاسة الجحاوي كأحد أهم القوى بالمدينة.

وتنتشر المليشيات المتطرفة والموالية لتنظيمي الجماعة الليبية المقاتلة والقاعدة في الساحل الغربي بمدن صبراتة وصرمان والزاوية إلى جانب مليشيات التهريب مثل العمو الدباشي والبيدجا، المعاقبين دوليا لتهريب البشر، إلى جانب الفار في الزاوية، وفي مناطق زوارة والجبل الغربي فتنتشر جماعات ديموغرافية عرقية أكثر منها إرهابية.

وتشهد مناطق الغرب الليبي، خاصة العاصمة طرابلس، اشتباكات مسلحة بين الحين والآخر بين المليشيات المسلحة، رغم مساعي الأمم المتحدة ودول رعاية مؤتمر برلين تحقيق تقدمات في المسار الأمني مع النجاحات المستمرة للجنة العسكرية الليبية المشتركة “5+5”.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى