سياسة

قيس سعيد.. ‘الأستاذ الزاهد’ الذي بعثر أوراق نخب تونس الفاسدة


لا أحد كان يتخيل أن ذلك الأستاذ الجامعي الذي كان يجلس منتصب الظهر مرتديا بدلة ورابطة عنق بإحدى جامعات تونس، سيصبح رئيس البلاد.

إنه قيس سعيد، الرئيس التونسي الحالي الذي كان حتى سنوات قليلة مضت أستاذا متخصصا في القانون الدستوري، يقدم محاضراته وأمامه يزدحم دفتر دون عليه ملاحظاته وأسئلة طلبته.

كان رجلا «زاهدا» كما يقول المقربون منه، راضيا بوضعه، بعيدا عن اللهث وراء الكسب، قانعا براتبه الشهري، يستيقظ صباحا بمنزله الواقع بأحد الأحياء الشعبية بمنطقة المنيهلة على أطراف العاصمة تونس.

يرتدي بدلته ويتأكد من ربطة عنقه بنظره سريعة في المرآة، قبل أن يغادر متجها إلى مقهاه الذي يقصده صبيحة كل يوم لاحتساء قهوته المفضلة «كابوسان» كما يطلبها يوميا من النادل الذي يحييه بابتسامة.

ينتمي للطبقة المتوسطة، وحتى حين فاز بأعلى منصب في البلاد، لم يتخل عن تواضعه، بل رفض في البداية الإقامة بقصر قرطاج، وفضل الاحتفاظ بطقوسه اليومية، قبل أن يضطر للقبول بالانتقال حفاظا علي البروتوكولات الخاصة بالمنصب.

اللافت هو أنه حين ترشح في 2019، اعتقد الإخوان أن هذا الرجل القادم من خارج السياسة، باسم ناصع البياض، سيكون حصانهم الرابح للبقاء بالحكم، فكان أن حشدوا أنصارهم وقواعدهم لانتخابه.

لكنه حين تقلد المنصب واكتشف المستور، فضح سعيد جرائم الفرع الإخواني، وفتح ملفات جميع المخالفين، وخاض في الدفاتر الشائكة والتفاصيل الضائعة.

ولأنه الرجل الوحيد الذي استطاع أن يقف بوجههم، يعتبره كثير من التونسيين “قاهر الإخوان” الذي أحال قيادات التنظيم للمحاسبة القضائية عن جميع ما ارتكبوه خلال عشرية حكمهم.

وأعلن سعيد ترشحه لولاية ثانية مدتها 5 سنوات، محتفظا في سجله بإنجازات عدة شهدتها فترته الرئاسية الأولى.

وقال سعيد خلال إعلانه الترشح “نحن في حرب تحرير وطني”، ليؤكد مواصلته في مسار تطهير البلاد من براثن الإخوان والفاسدين و«الخونة» كما يسميهم.

وفي إعلان ترشحه، أكد سعيد أنه يلبي بذلك “الواجب الوطني المقدس” حيث “لا مجال للتردد”.

من هو قيس سعيد؟

انتخب قيس سعيد في أكتوبر/تشرين الأول 2019 بنسبة تصويت فاقت 70%، وأدى اليمين الدستورية كرئيس للبلاد في 23 أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه، وهو أستاذ قانون دستوري ويحظى بشعبية كبيرة لدى قسم واسع من التونسيين.

ولد سعيّد في 22 فبراير/ شباط 1958 (66 عاما) لعائلة من الطبقة الاجتماعية الوسطى، ودرس بالجامعة التونسية وتخرج فيها ليدرّس فيها لاحقا القانون الدستوري قبل أن يبلغ سن التقاعد في 2018.

وسعيّد متزوج بالقاضية إشراف سعيّد، التي التقى بها عندما كانت طالبة حقوق في محافظة سوسة شرقي البلاد، ولديهما 3 أبناء.

ترأس الجمعية التونسية للقانون الدستوري من 1995 حتى 2019، بعد أن شغل عدة مناصب قانونية وأكاديمية مختلفة منذ الثمانينيات.

وترشح سعيّد في الانتخابات الرئاسية لعام 2019 باعتباره محافظًا اجتماعيًا مستقلاً.

ولا يعترف سعيّد بالبرامج الانتخابية، إذ سبق أن قال خلال ترشحه لانتخابات 2019 إنه “لا يملك برنامجا انتخابيا يسوق للأوهام والأحلام الكاذبة والوعود الزائفة”.

كما يعتبر أن “البرامج الانتخابية التي طرحها المرشحون منذ 2011 لا تزال في مرتبة الوعود ولم تطبق فعليا لذلك لم يجن الشعب إلا الأوهام”.

الإطاحة بالإخوان

زادت شعبية الرئيس التونسي قيس سعيد لدى التونسيين إثر الإطاحة بحكم الإخوان.

ففي عيد الجمهورية، وتحديدا في 25 يوليو/تموز 2021، وفي ظل مظاهرات عنيفة، طالب آلاف المتظاهرين بحل مجلس نواب الشعب (البرلمان) وتغيير النظام وقاموا بحرق مقار الإخوان.

وجاءت المظاهرات مع تفاقم الأزمة الصحية المرتبطة بجائحة فيروس كورونا في تونس.

وفي المساء نفسه، واستناداً إلى الفصل 80 من الدستور، أقال قيس سعيّد حكومة هشام المشيشي، وأعلن تعليق الحكومة وتجميد عمل البرلمان الذي كان يرأسه زعيم إخوان تونس راشد الغنوشي، ورفع الحصانة عن النواب، وأعلن تشكيل حكومة جديدة بقيادة نجلاء بودن.

ويرى مراقبون أن سعيد اكتسب شعبية كبرى إثر دخوله في حرب شرسة ضد نظام الإخوان وانطلاقه في مسار المحاسبة وفتح جميع الملفات والقضايا التي تتورط فيها قيادات حركة النهضة (إخوانية) وأبرزهم رئيسها راشد الغنوشي ونائبيه علي العريض ونور الدين البحيري.

ومن بين هذه الملفات، أصدر القضاء التونسي أحكاما بالسجن بحق قيادات إخوانية تورطت في قضايا تسفير الإرهابيين إلى بؤر التوتر، والاغتيالات وقتل الجنود وغسل الأموال والفساد المالي.

فرصة كبيرة

الهادي البحوري، الناشط والمحلل السياسي التونسي، يرى أن “الرئيس سعيد يعرف في الأوساط التونسية بنظافة اليد والصرامة في محاربة الفساد ومكافحة الإرهاب ومحاسبة المجرمين، ما جعله يكسب دعما شعبيا واسعا”.

وقال البحوري إن “سعيد استخدم معرفته العميقة بالنظام القانوني واستند للفصل الثمانين من دستور 2014، وأمر بتجميد عمل برلمان الإخوان وإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي في 25 يوليو/تموز 2021”.

كما “أوقف العمل بدستور الإخوان وأعد دستورا جديدا تم عرضه على المواطنين في استفتاء شعبي، وأدخل تعديلات جوهرية على قانون الانتخابات السابق الذي تم تفصيله على مقاس الإخوان“.

وأضاف البحوري أن استكمال مشروع 25 يوليو/تموز يتطلب ولاية ثانية للرئيس قيس سعيد، لأن المرحلة القادمة تتطلب وجوده، معربا عن توقعه بأن يفوز بالاستحقاق الرئاسي المرتقب.

«حرب شرسة»

من جانبها، توقعت آمال المرزوقي الناشطة السياسية التونسية، فوز قيس سعيد بولاية ثانية، مبررة ذلك التوقع بالإنجازات التي تحققت منذ بدء مسار 25 يوليو/تموز 2021.

وقالت المرزوقي إن “حرب قيس سعيد مع الإخوان لم تكن سهلة بل كانت حربا شرسة نظرا لتشعب الجرائم التي ارتكبوها طيلة فترة حكمهم منذ سنة 2011″.

وأضافت أن “هذا التنظيم الإرهابي غرس أنيابه في كل مفاصل الدولة، لذلك كان اجتثاث خلاياه السرطانية أمرا صعبا”.

وتابعت قائلة إن سعيّد استثمر اللفظ الشعبي للأحزاب السياسية وللمنظومة السياسية السابقة وطرح نفسه بديلا لهم، لافتة إلى أنه “في تواصل دائم مع الشعب من خلال زياراته التفقدية والتحامه مع عموم التونسيين ما أكسبه شعبية وافرة”.

وفي وقت سابق، أعلن رئيس هيئة الانتخابات التونسية، فاروق بوعسكر، قبول 3 مرشحين لخوض الرئاسيات المقررة في 6 أكتوبر/تشرين الأول المقبل من أصل 17 طلبا.

والمرشحون هم الرئيس الحالي قيس سعيد، والأمين العام لحركة “الشعب” زهير المغزاوي، والنائب السابق والأمين العام لحركة “عازمون” العياشي زمال.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى