مع تحذير أمين عام الأمم المتحدة من فشل قمة جلاسكو للمناخ، فإن القضايا الخلافية ستكون محل جدل مع رهان دول كبرى على بقاء الوضع كما هو.
قمة جلاسكو تريد الحفاظ على هدف اتفاقية باريس للمناخ، الموقعة عام 2015، والمتمثل في حصر ارتفاع درجة الحرارة بـ1.5 درجة مئوية.
قمة المناخ المقبلة خلال أيام ستكون حاسمة في تفاصيلها، وقد تكون معرضة للفشل، نظرا لعدم توفر الثقة بين الدول المتقدمة والنامية، وعدم وجود أهداف طموحة بين بعض الاقتصاديات الناشئة، وعدم حدوث تغيير هيكلي في مواقف الدول الكبرى من إشكالية المناخ، وما يرتبط بها من موضوعات تتطلب موقفا دوليا جديدا بدلا من اتباع أنصاف الخيارات وأنصاف الحلول.
المعلوم أن القمة تستهدف اتخاذ مزيد من الإجراءات الطموحة بشأن المناخ، ومواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري، التي تقترب بشكل خطير من الخروج عن السيطرة، في ظل الطوارئ المناخية الراهنة، من فيضانات وحرائق تهدد الكوكب، وحالة عدم الثقة بين الدول المتقدمة والنامية، وضرورة الحصول على نصف فرصة لمنع ارتفاع درجة حرارة الأرض بأكثر من 1.5 درجة مئوية، وهو الطموح الدولي، الذي حددته اتفاقية باريس، التي كانت في الأساس بمثابة خطة طموحة وطويلة الأجل لتتفادى الإنسانية كارثة مناخية حقيقية.
في هذا السياق، تستهدف قمة جلاسكو للمناخ وضع مسار دولي متفق عليه للتغير المناخي تحت السيطرة، كما تعتبر هذه القمة الأهم على صعيد إلزام الدول على مختلف توجهاتها ومواقفها حول العالم باتخاذ إجراءات للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، وإن كان هناك توقع بأن درجات الحرارة حول العالم قد ترتفع بمقدار ثلاث درجات، كما ستمثل عملية حرق الوقود الأحفوري مصدراً رئيسياً لتلك الانبعاثات، الأمر الذي يتطلب وضع نهاية لاستخدام الفحم والتحول إلى المركبات الكهربائية، مع الاستثمار في الطاقة المتجددة، والبديل الموضوع والمحتمل هو الاستمرار في ارتفاع حرارة العالم بمقدار 1.2 درجة مئوية، وإن كانت درجات الحرارة ستظل في ارتفاع مطرد لحين إقدام الحكومات على اتخاذ خطوات تحول دون ذلك.
وتتمثل الآثار المحتملة للتغير المناخي المتوقع في نقص الغذاء، وفي موجات طقس حار، وعواصف، وارتفاع منسوب المياه.
وكحلول وسط وتوافقية ولمواجهة ما يجري، تعهدت الدول الغنية بتقديم 100 مليار دولار مساعدات للدول الأكثر فقراً، لكن الواقع العملي يشير إلى أنها لم تفِ إلا بمبلغ قدره 79 مليار دولار، وحال الوصول إلى اتفاق ملزم لدول العالم بالإنهاء التدريجي لإحراق الفحم، سيعتبر ذلك إنجازاً كبيراً، لكن كل الشواهد ترى أن مثل هذه المهمة لن تكون سهلة، كما يتردد قبل انعقاد فعاليات القمة.
من المتوقع أيضا أن تظهر نقطة خلاف أخرى بشأن أفضل طريقة لإدارة نظام أسواق الكربون وأرصدة ائتمانات الكربون، أو ما يعرف بـ”الائتمانات الخضراء”، وهذه آلية من شأنها أن تجعل الدول المسؤولة عن إحداث التلوث تدفع ثمن الانبعاثات التي تتسبب فيها، وتسمح لمن لديهم اقتصادات أكثر مراعاة للبيئة ببيع أرصدة ائتمانات الكربون.
تبقى الحاجة ملحة إلى العمل إقليميا ودوليا للتوصل إلى أطر زمنية مشتركة لجميع الأهداف الصديقة للبيئة، مع الوصول إلى مستوى انبعاثات صفري بحلول منتصف هذا القرن، مع تخفيضات أخرى لانبعاثات غاز الكربون بحلول 2030.
تجدر الإشارة إلى أنه ستتم مناقشة ما يسمى بـ”الحلول القائمة على الطبيعة” خلال قمة جلاسكو، مثل امتصاص الكربون، أو زراعة الأشجار للحماية من الأحداث المناخية القاسية مثل الفيضانات أو العواصف الرملية.
ومن المتوقع خلال القمة أيضا تدشين عدد من المبادرات، التي تهدف إلى مواجهة تحديات بعينها، كالقضاء على استخدام الفحم وحماية النظم البيئية، وهي إجراءات هدفها الرئيسي رسم مسار للبشرية بعيد عن الاحترار المناخي الكارثي، خاصة أنه بحلول عام 2050 ستكون حرارة الأرض أعلى بـ1.5 درجة مئوية مقارنة بفترة ما قبل الثورة الصناعية، بغض النظر عن الجهود المبذولة لتقليل انبعاثات الكربون، التي تؤدي إلى ارتفاع حرارة الكوكب، حيث تتطلب اتفاقية باريس للمناخ أن تجدد الدول خططها لخفض الانبعاثات المحلية، التي تُعرف بـ”الإسهامات الوطنية المحددة” كل خمس سنوات، وقد لخّص رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، المنتظر من انعقاد القمة في كلمات “فحم وسيارات ونقود وأشجار”، أي إبرام سلسلة اتفاقات للتخلص التدريجي دوليا من الفحم الحجري ومحركات الاحتراق الداخلي، فضلا عن جمع تمويل للدول الأكثر عرضة لتداعيات تغير المناخ.
وتبقى النماذج الرائدة في مجال التعامل مع التغيرات المناخية قائمة، ومنها تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة، واتباعها نموذجا تنمويا شاملا قائما على “الحياد المناخي” والتعامل بجدية مع ضوابطه، ما قد يعد منطلقا حقيقيا لإقدام دول أخرى في الشرق الوسط وخارجه على المضي قدما في مراعاة ضوابط اتفاقية المناخ، التي لا تزال الأمم المتحدة تسعى لإلزام كل الدول، المتقدمة والنامية، العمل بها في ظل ممارسات غير مسؤولة لبعض الدول الكبرى.