سياسة

فتوى الغرياني الجديدة.. ورقة الإخوان المحروقة


في بلد يعاني منذ 9 أعوام من الفوضى، جرّاء الصراعات السياسية وانتشار الأسلحة والتنظيمات الإرهابية، يخرج مفتي ليبيا السابق، الصادق الغرياني، بين الفينة والأخرى بتصريحات وفتاوى تدعو إلى التشرذم والعنف والقتل بين أبناء الوطن الواحد، يفسرها انحيازه التام للمتشددين في ليبيا؛ حيث يوظف الدين ضدّ أي معارض لمنهجه الرافض لإنهاء حالة الفوضى وبناء دولة مستقرة.

آخر الدعوات التحريضية للمفتي، المُقال من قبل مجلس النواب الليبي، جاءت بإباحته العمليات الإرهابية وتفجير الشباب لأنفسهم في قوات الجيش الليبي، الذي يشنّ منذ نيسان (أبريل) الماضي عمليات عسكرية تهدف لتحرير العاصمة الليبية من سيطرة الميليشيات المسلّحة والتنظيمات الإرهابية، وذلك لتكبيدهم خسائر كبيرة في المعدات والأرواح، بحسب ما أوردت صحيفة المرصد الليبية.

وجاء حديث الغرياني، المقيم في تركيا، عبر قناة “التناصح” المملوكة لشخصيات داعمة للتيار المتشدد في ليبيا. ورداً على سؤال حول ما إذا كان يجوز لمن وصفهم بـ “الثوار” تفجير أنفسهم خشية الوقوع في الأسر، أجاب: “قتل النفس منهيّ عنه، فقد يقع الشخص في الأسر وينجيه الله وقد يخاف أن يقع في الأسر ويأتي من ينقذه، التفجير في العدو بمعنى أن يكون فيه نكاية للعدو؛ أي يوجد فيه أثر وهزة وانكسار هذا مشروع وجائز”.

ودعا الغرياني، خلال استضافته الأربعاء الماضي عبر برنامج “الإسلام والحياة”، الذي يذاع على قناة “التناصح”، من وصفهم بـ “المقاتلين والمجاهدين” إلى عدم الالتفات لأي حديث آخر غير حسم المعركة وإتمامها، بالإشارة إلى وباء كورونا الذي يجتاح معظم دول العالم ويقتل مئات الآلاف؛ لأن الوباء الأكبر الذي يهدد ليبيا، وفق الغرياني، هو القائد العام للقوات المسلحة المشير خليفة حفتر ووحدات القوات المسلحة الليبية، الذين “يجب القضاء عليهم”، بحسب الغرياني الذي أشار إلى أنّ من يريد وقف القتال بسبب الفيروس وغيره هدفه جعل الجيش الليبي يلتقط أنفاسه؛ لأنه مهدد بالسقوط حسب زعمه.

وأشار إلى أنّ حكومة الوفاق، بقيادة فايز السراج، ما تزال تحافظ على الود مع من وصفهم بـ “المجرمين القتلة والدول المجرمة”، ولا تتخذ أي إجراء فعلي عملي يردعها غير بيانات واستنكارات، لافتاً إلى أنّ المجلس الرئاسي وغيره سيندمون على هذا “الموقف المتخاذل”.

وطالب الغرياني الحكومة وذوي الخبرة والقادة والنخب بالإفراج عن الإرهابيين في السجون، مناشداً المجلس الرئاسي ووزير الداخلية والعدل كونهم المسؤولين عن إخراج السجناء الذين تم اتهامهم بالإرهاب لأنهم كانوا يقاتلون قوات الجيش الليبي في المنطقة الشرقية أو كان لديهم توجه يخالف توجه الآخرين فالسكوت عن وجودهم بالسجن سيؤخر النصر، بحسب تعبيره.

وازدادت وتيرة التحريض على العنف، واتخذت منحى خطيراً خلال شباط (فبراير) الماضي؛ حيث خرج الغرياني من مقر إقامته بإسطنبول، بفتوى يدعو فيها وزير التعليم بحكومة الوفاق، الإخواني محمد عماري زايد، بتوقيف الدراسة في طرابلس وإرسال الطلاب إلى القتال لمواجهه الجيش الوطني الليبي.

وفي سياق متصل بفتاواه التي أثارت ردود أفعال كثيرة على الصعيد الشعبي، أفتى الغرياني في تسجيل خاص لقناة الجزيرة القطرية، بـ “عدم جواز” أخذ الأموال التي تمنحها الدولة الليبية لأهل طرابلس كمنحة أرباب الأسر، واعتبرها في حكم “الرشوة”، مما سبب موجة انتقادات كبيرة للغرياني الذي ينفق ملايين الدولارات من المال العام خارج ليبيا، وغير المطلع على الصعوبات التي يواجهها الليبيون في العاصمة طرابلس وفي باقي مدن ومحافظات ليبيا.

كما أفتى الغرياني في شهر أيار (مايو) الماضي، بعدم تكرار أداء فريضة الحج والعمرة لمن أداهما، داعياً لتوجيه نفقات الحج والعمرة للميليشيات المسلحة التي تقاتل ضد الجيش الوطني الليبي، عندها استذكر الكثير من المراقبين والنشطاء التبرعات النقدية التي قدمها الصادق الغرياني إلى أمناء مسجد في مدينة إكستر بمقاطعة ديفون البريطانية، على الرغم من أنّ الكثير من الليبيين يعيشون بظروف اقتصادية صعبة.

فتوى الغرياني الغريبة التي أثارت الاستهجان والسخرية، تضاف لسابقاتها من فتاوى التضليل، فقد دعا من قبل لإخراج زكاة المال للميليشيات المسلحة في طرابلس، وفق ما أوردت شبكة “سكاي نيوز”.

ومن بين فتاوى الغرياني السابقة التحريضية، واحدة تطالب بإهدار دم القائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، وجنوده، وفتوى أخرى باعتبار القتال ضد الجيش الوطني الليبي “جهاداً”!

ورغم لعب الغرياني دوراً كبيراً في تأجيج الفتنة والدعوة لإراقة الدماء في ليبيا، بتحريض من دول إقليمية، إلا أنّ تأثيره على الصعيد الشعبي أصبح محدوداً بعيداً عن بعض مريديه والموالين له الذين يرون بأنّ الغرياني “ناطق باسم الرب”، وهذا يظهر عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي تضج بعد كل فتوى للغرياني، وتعكس موقف أغلب الشعب الليبي الرافض لمفتى “الميليشيات المسلحة”، كما يطلقون عليه، والذي أصبح الورقة المحروقة التي يلعب بها الإخوان المسلمون والدول الراعية لهم للوصول إلى مبتغاهم وتحقيق مكتسبات لهم.

ومنذ تنصيبه مفتياً للديار الليبية، من قبل الإخوان في شباط (فبراير) 2012، تحالف الغرياني معهم ومع ذراعهم السياسي حزب العدالة والبناء، الذين شكلوا على مدى الأعوام الأخيرة الجناح السياسي والدبلوماسي الداعم للجماعات اﻹرهابية في ليبيا. وبدأ الغرياني بإطلاق فتاوى كثيرة تدعو إلى سفك الدماء في ليبيا ليطلق عليه الليبيون “مفتي الدم”، و”مفتي الفتنة”؛ حيث تركزت فتاواه لتصب في مصالح وأهداف الجماعات المتشددة فقط، ليساهم بذلك في انتشار الفوضى والدم في ربوع ليبيا، فارتكبت عدة جرائم عنف استناداً إلى فتاواه، التي طالب خلالها الجماعات الإرهابية، برفع السلاح ومحاربة قوّات الجيش الليبي.

غير أنّ مجلس النواب الليبي صوّت في تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 بالأغلبية على إقالته وحل دار الإفتاء، وإحالة أعضائها للنائب العام؛ إذ وصف بعض أعضاء المجلس فتاوى الغرياني بأنّها “داعمة للإرهاب”، وأنّه يتحمل جزءاً كبيراً من مسؤولية استمرار تدهور الأوضاع الأمنية والإنسانية في البلاد بسبب انحيازاته التنظيمية المكشوفة.

نقلا عن حفريات

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى