فاغنر يعيد خلط أوراق روسيا في سوريا وافريقيا


 يشيع تمرد مجموعة فاغنر شبه العسكرية على القوات الروسية إلى انعطافة خطيرة ليس فقط في مسار الحرب في أوكرانيا. لكن أيضا في مناطق انتشار هذه المجموعة في سوريا وافريقيا وهي التي تضم في صفوفها عشرات آلاف المقاتلين المدججين بالسلاح. واعتمدت عليها موسكو في السنوات الأخيرة في سياق تمددها الخارجي وفي قيادة العديد من العمليات.

وينذر هذا التمرد بسيناريوهات قاتمة خاصة في سوريا حيث ينتشر عشرات آلاف من مقاتليها المسلحين تسليحا جيدا. وسط مخاوف من أن يتمردوا على القوات الروسية وقوات النظام السوري في احتمال قد يعيد خلط الأوراق في منطقة لا تزال مضطربة وقد يوقظ أيضا حربا اعتقدت دول عربية وأخرى غربية أنها باتت أقرب من نهايتها.

وتشهد سوريا من فترة إلى أخرى توترات واشتباكات مسلحة لكنها محدودة جدا مع انحسار نفوذ الجماعات المقاتلة المعتدلة والمتطرفة فيما استعاد النظام السوري بدعم روسي وإيراني السيطرة على معظم الأراضي وعلى وقع مصالحة عربية سورية أعادت دمشق إلى حضنها العربي.

وتراقب دمشق المعنية بأي تأثير لتمرد فاغنر على أمنها، تطورات الوضع في روسيا مع إعلان موسكو الاستنفار العسكري والأمني خاصة في قلب العاصمة وأمام المؤسسات السيادية تحسبا لأي طارئ، بينما أعلن الكرملين أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يمارس مهامه من مقر الرئاسة وعلى اتصال بالقيادات العسكرية.

وأشار المرصد السوري لحقوق الإنسان السبت إلى وجود أعداد كبيرة من مقاتلي فاغنر في الأراضي السورية وكثير منهم من الجمهوريات السوفييتية السابقة، إلى جانب آلاف المقاتلين السوريين المجندين بصفوف المجموعة شبه العسكرية داخل البلاد وخارجها، وسط تساؤلات عن مصيرهم وعن رد فعلهم.

وبحسب المرصد تنتشر قوات فاغنر في مناطق حقول نفط في البادية السورية بالإضافة لتواجدها ضمن المنطقة التي تخضع لتفاهمات تركيا وروسيا والتي تعرف بمنطقة خفض التصعيد.

كما يتواجد معهم أكثر من 3000 سوري مجندين تحت إمرة قيادة فاغنر بالإضافة لآخرين تم تجنيدهم وإرسالهم لخارج البلاد أيضا.

وقد لعبت المجموعة الروسية شبه العسكرية دورا محوريا في المكاسب الميدانية التي حققتها القوات النظامية السورية طيلة السنوات الماضية. واعتمد الجيش الروسي في سوريا بشكل على تلك المجموعة من المرتزقة في العمليات البرية بينما كان دوره يقتصر على الإشراف العسكري والقصف الجوي.

وينتشر عناصر شركة فاغنر أيضا في أكثر من بلد إفريقي ضمن سياسة موسكو الجديدة المبنية على “الحرب الهجينة” في مناطق النزاع والتوتر.

وتقول تقارير إنه من المتوقع أن تملأ الفراغ الأمني الذي خلف الانسحاب الفرنسي من مالي بعد أن طالب المجلس العسكري برحيل القوات الفرنسية ضمن مهام قوة برخان من البلاد والتي أنهت وجودها بالفعل في الأشهر الماضية.

ورغم أن موسكو لا تعترف رسميا بنشاط مجموعة المرتزقة التي اكتسبت شهرة عالمية واتهمت مرارا بارتكاب انتهاكات واسعة، إلا أن الأخيرة تنشط تحت عدة مسميات سواء كشركات للتعدين عن الذهب والماس أو كمدربين عسكريين أو شركات متخصصة في الحرب السيبرانية.

وتقول وكالة بلومبرغ الأميركية استناد إلى مصادر لم تسمها، إن مرتزقة فاغنر يتمركزون حاليا في عشر دول إفريقية منها: السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى وليبيا وزيمبابوي وأنغولا ومدغشقر وغينيا وغينيا بيساو وموزمبيق وربما في جمهورية الكونغو الديمقراطية.

لكن المؤكد أن فاغنر تنتشر في ليبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى والسودان وموزمبيق، بهدف تدريب الجيوش المحلية وحماية كبار الشخصيات أو مكافحة الجماعات المتمردة أو الإرهابية وحراسة مناجم الذهب والماس واليورانيوم في المناطق الساخنة.

قائد فاغنر يربك حسابات بوتين العسكرية والسياسية

وفي المقابل تحصل الشركات التابعة لفاغنر على امتيازات وتراخيص لاستغلال هذه المعادن والثروات وتوريد أسلحة وتقنيات وخدمات عسكرية.

وأهم الدول الإفريقية التي تنشط بها شركة فاغنر في إطار التصور الجيواستراتيجي لروسيا لبسط نفوذها في القارة السمراء، هي مالي حيث تدعم المجلس العسكري الحاكم وتعمل على التمدد مع تراجع النفوذ العسكري الغربي في المنطقة.

وينتشر مرتزقة فاغنر في ليبيا وتحديدا في سرت (شرق طرابلس) والجفرة (جنوب شرق طرابلس)، ويتمركزون بقاعدة القرضابية الجوية ومينائها البحري، بالإضافة إلى قاعدة الجفرة الجوية.

وتقدر مصادر أميركية وأممية عدد مرتزقة فاغنر في ليبيا بنحو ألفي عنصر غالبيتهم من روسيا وشرق أوكرانيا وصربيا، بالإضافة إلى مرتزقة سوريين موالين لها جندتهم المجموعة من شركتين أمنيتين تشرف عليهما في سوريا وهما “صائدو داعش” و”سند للحراسة والخدمات الأمنية”.

وتتمتع فاغنر بتسليح جيد، فمن الطائرات المسيرة الخفيفة المخصصة للمراقبة وتوجيه المدفعية، إلى القناصة ومنظومات ‘بانتسير’ الصاروخية المضادة للطائرات، وصولا إلى مقاتلات ‘ميغ 29′ الحديثة متعددة المهام’ وقاذفات ‘سوخوي 24’.

وأزاحت روسيا فرنسا من موقعها كأكثر الدول نفوذا في جمهورية إفريقيا الوسطى التي تعاني من تردي أوضاعها الأمنية منذ 2013، وتمثل فاغنر إحدى أوجه التعاون الخفية في البلاد.

ومنذ 2018، يتواجد بجمهورية إفريقيا الوسطى، المئات من الجنود الروس وعناصر فاغنر (نحو 450 عنصر) تحت اسم “مدرب عسكري”. لكن موقع “ذي أفريكا ريبورت” قدر عددهم بأكثر من ألف مدرب عسكري وفرتهم شركة فاغنر.

وتكفل فاغنر أمن المؤسسات المختلفة، وتلعب دورا رائدا في تدريب الحرس الرئاسي والجيش، (نحو 1300 عنصر) ويحرسون الرئيس فوستين أرشانج تواديرا، من المجموعات المتمردة التي تسيطر على نحو ثلثي مساحة البلاد.

كما يحمي عناصر فاغنر مناجم الذهب والماس ويحصلون على نسبة من العائدات، اذ تقع معظم هذه المناجم شمال شرقي البلاد، منها مناجم قرب مدينة بامباري في مناطق نفوذ تحالف متمردي سيليكا وغالبيتهم من المسلمين.

وحصلت شركة ‘لوباي إنفست سارلو’ الروسية في صيف 2018، على التراخيص اللازمة للتنقيب عن الذهب والماس بعد أشهر من إرسال موسكو شحنات أسلحة إلى بانغي تضمنت أسلحة رشاشة وقاذفات صواريخ وأيضا مدرعات ثقيلة.

لقد أدرك العديد من رفاقكم خطأهم بالفعل من خلال طلب المساعدة للعودة بأمان إلى مكان انتشارهم الدائم

وبدأت فاغنر نشاطها في السودان منذ 2017 تحت غطاء عدة شركات منها “ميروغولد” و”أم إنفست” للتنقيب عن الذهب، بحسب وسائل إعلام سودانية وغربية. وتولت تدريب أفراد من الجيش السوداني وأيضا قوات الدعم السريع في إقليم دارفور.

وكانت تنشط في عدة مدن سودانية من ميناء بورتسودان إلى الخرطوم ودارفور وتزعم وسائل إعلام غربية ومحلية أن فاغنر نقلت أسلحة وأفرادا من السودان إلى جمهورية إفريقيا الوسطى عبر مطاراتها أو عبر الحدود بين البلدين من منطقة أم دافوق.

وهذا ما دفع الولايات المتحدة لإدراج شركة “آم أنفست” الروسية، في قائمة العقوبات في 15 يوليو/تموز 2020، باعتبارها غطاء لشركة فاغنر.

وينتشر مرتزقة فاغنر كذلك في شمال موزمبيق وبالضبط في مقاطعة كابو ديلغادو الغنية بحقول الغاز الطبيعي والتي تشهد نشاطا متزايدا لتنظيم “أنصار السنة” الذي أعلن بيعته وولاءه لتنظيم الدولة الاسلامية الإرهابي في 2018.

لكن فاغنر لا تبلي بلاء حسنا في موزمبيق وخسرت 10 من عناصرها على الأقل في مواجهات مع “داعش وسط إفريقيا”، ما دفعها لتغيير تكتيكها في هذه المنطقة الواقعة قرب خط الاستواء والمعروفة بغزارة أمطارها وكثافة غاباتها، ما يصعب من مهمة المجموعة الروسية.

وتحاول وزارة الدفاع الروسية حاليا احتواء التمرد مراوحة بين استهدف وحدات من فاغنر في مناطق انتشارها في أوكرانيا والعمل على تطويقها في الأراضي الروسية وبين دعوة مقاتليها للاستسلام للجيش الروسي أو الاتصال بسلطات إنفاذ القانون.

وقالت في بيان “لقد أدرك العديد من رفاقكم خطأهم بالفعل من خلال طلب المساعدة للعودة بأمان إلى مكان انتشارهم الدائم، وقد تم تقديم هذه المساعدة لجميع المحاربين والقادة الذين تقدموا بطلبات”.

وأكدت أن سلامة الجميع مضمونة من خلال مطالبة المرتزقة بتوخي الحذر والاتصال بممثلي وزارة الدفاع الروسية أو سلطات إنفاذ القانون في أقرب وقت ممكن.

وصباح السبت، أعلن قائد فاغنر يفغيني بريغوجين وصول قواته إلى مدينة روستوف الروسية ومحاصرة مقر المنطقة العسكرية الجنوبية.

وأظهرت مشاهد تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، مقاتلي فاغنر منتشرين حول مبنى المقر التابع لوزارة الدفاع الروسية مع عربات مدرعة ودبابات.

وتعهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمحاسبة “الخونة” من مجموعة فاغنر بعد أن هدد قائدها بالإطاحة بقادة الجيش الروسي.

ودعا قائد مجموعة فاغنر إلى انتفاضة على قيادة الجيش الروسي. وبث سلسلة من الرسائل من ليل الجمعة إلى السبت قال فيها إنه دخل مع قواته إلى مدينة روستوف بجنوب روسيا، مؤكدا سيطرته على مواقع عسكرية فيها.

ومنذ أشهر يخوض بريغوجين صراعا على السلطة مع قيادة الجيش الروسي التي اتهمها بقتل عناصره في شرق أوكرانيا.

وفي مناسبات عدة، اتهم كبار الضباط بعدم تجهيز قواته بما تحتاجه من العتاد وتعطيل تقدمها لأسباب بيروقراطية، بينما تنسب لنفسها جميع الانتصارات التي حققها مقاتلو فاغنر.

والجمعة قال بريغوجين بنبرة ملؤها الغضب إن قادة الجيش الروسي أمروا بشن ضربات على معسكراته وقتلوا العشرات من عناصر مجموعته، مؤكدا أنه سيتم توقيف ضباط بارزين في الجيش الروسي، متعهدا بأن “يذهب حتّى النهاية”. وقال لاحقا أن قواته أسقطت مروحية عسكرية روسية.

وبعد ساعات، أكد قائد مجموعة فاغنر السيطرة على المواقع العسكرية في روستوف، المدينة الواقعة في جنوب روسيا والتي يقع فيها المقر العام للقيادة الجنوبية للجيش الروسي حيث يتم تنسيق العمليات العسكرية في أوكرانيا. ثم أكد بعد الظهر سيطرة قواته على المقر العام “من دون إطلاق رصاصة واحدة”.

وقال الكرملين ليل الجمعة إلى السبت إن “الإجراءات اللازمة” ضد التمرد تمّ اتّخاذها. وعززت السلطات الروسية الإجراءات الأمنية في موسكو وفي عدة مناطق مثل روستوف وليبيتسك.

وحذر بوتين السبت من “التهديد القاتل” ومن خطر “الحرب الأهلية” اللذين يمثّلهما قائد مجموعة فاغنر بتمرده على القيادة الروسية. وحث البلاد على الوحدة.

ووصف بوتين الذي قال الناطق باسمه إنه يعمل من الكرملين، تمرد مجموعة فاغنر بأنه “خيانة” مؤكدا أن المتمردين “سيعاقبون حتما”.

وانخرطت قوات مرتزقة فاغنر بالفعل سابقا في نزاعات في الشرق الأوسط وإفريقيا، على الرغم من نفيها ذلك، لكن بريغوجين أقر العام الماضي أنه أسس المجموعة بتجنيده الكثير من عناصرها في السجون الروسية مقابل وعد بالعفو.

في شرق أوكرانيا، شكلت قوات فاغنر رأس الحربة في المعارك. وكان مرتزقتها في الصفوف الأولى للهجوم الذي دام عدة أشهر على مدينة باخموت التي سيطرت عليها روسيا بعد أن تكبدوا خسائر فادحة في صفوفهم.

ويمثل تمرد فاغنر أخطر تحد حتى الآن لحكم بوتين الطويل ويمهد لأخطر أزمة أمنية منذ توليه السلطة في أواخر عام 1999. ويأتي فيما تشن كييف هجوما مضادا لاستعادة أراضيها.

وقال الجيش الأوكراني إنه “يراقب” الخلاف الناشئ بين بريغوجين وبوتين. واعتبرت وزارة الدفاع الأوكرانية أن التمرد “فرصة” لأوكرانيا.

وحذرت موسكو من جانبها، من أن جيش كييف يستغل الفرصة لتجميع قواته وشن هجمات في منطقة باخموت، بينما أثار التمرد أيضا ردود أفعال عدة زعماء في العالم. وقالت واشنطن وباريس وبرلين وروما إنها تراقب التطورات عن كثب.

Exit mobile version