عودة “داعش” أم غياب مواجهته؟

منير أديب


لم يكن هجوم “داعش” على سجن “الصناعة” بالحسكة شمال شرق سوريا، منذ سقوطه في 22 مارس 2019، مفاجئًا.

فغالبية المؤشرات ذهبت إلى خطورة التنظيم الإرهابي المتزايدة وفق قاعدة المعلومات، التي أكدت سخونة هذه المنطقة في سوريا، ونشاط التنظيم فيها، وأن هذا النشاط قد يتم ترجمته في أعمال إرهابية قد تتسع زمانا ومكانا.

تقوم “قوات سوريا الديمقراطية” على تأمين قرابة 19 ألف سجين ينتمون لتنظيم “داعش” الإرهابي في 9 سجون، فضلا عن تأمين قرابة 70 ألفًا من أسر التنظيم من العجائز والأطفال في المخيمات المختلفة، أبرزها مخيم “الهول”، وهؤلاء يمثلون قنابل قابلة للانفجار في أي وقت، خاصة أن زعيمي التنظيم، السابق والحالي، طالبا خلاياه بالعمل على “تحرير سجناء التنظيم في السجون والمخيمات”.

كل المعطيات إذًا تشير إلى ارتفاع معدل الخطر في شمال سوريا، فضلا عن أن “قوات سوريا الديمقراطية” لا تُعد جيشا بالمعنى النظامي المتعارف عليه، وبالتالي هي تقوم على تأمين هؤلاء السجناء بشكل قد لا يتناسب مع حجم خطر التنظيم المتزايد.

ورغم اقتحام سجن “الصناعة” قبل أسابيع من قِبَل قرابة 12 داعشيًا -حسب رواية التنظيم- فإن قلة إمكانات “داعش” حاليا لن تقف عائقًا أمام تنفيذ هجمات إرهابية مماثلة مستقبلا، لأن ضعف الدعم المقدم لـ”قوات سوريا الديمقراطية” سوف يُغري خلايا التنظيم بتكرار هجماته حتى إطلاق سراح مقاتليه المعتقلين، وهم النوعية الأخطر بالتأكيد من مقاتلي التنظيم الإرهابي.

هنا تنبغي الإشارة إلى أن عودة تنظيم “داعش” الإرهابي مرتبطة في الأساس بغياب رؤى مواجهته.. غياب المجتمع الدولي عن القيام بمهامه، التي تتعلق بمواجهة المجموعات الإرهابية، التي وقعت في يد “قوات سوريا الديمقراطية”، بل غياب الاستراتيجية الدولية الشاملة لمواجهة هذا التنظيم أصلا، ولعل هذا أحد أسباب بقاء التنظيم، ومن ثم قوته التي يمكن استعادتها، إذ كان يجب على أمريكا ودول أوروبا القيام بتعهداتها في مواجهة “داعش” وعدم الارتكان إلى دور محدود الإمكانيات للمواجهة على الأرض.

فمن أبجديات الاستراتيجية الدولية أن تتكفل دول العالم بسجنائها وإرهابييها، وألا تتركهم عالة على قوة غير قادرة بشكل كافٍ على حماية سجون تحت إدارتها تعجُّ بعدد ضخم من الإرهابيين -على الأغلب يتلقون دعما خارجيا كبيرا- فلا تمَّت محاكمة هؤلاء “الدواعش” ولا تسلَّمتهم دولُهم، بل ظلوا قنابل موقوتة، فتشعر مع الوقت بدنو انفجارها، إذ لا توجد رؤية لمواجهة خطرها، وهنا بات العالم منتظرًا لرد الفعل، بينما هو غير مشارك في أي فعل حقيقي في المواجهة.

إن السجون، التي يوجد فيها “الدواعش”، غير مؤهّلة بتأمين مناسب، فأضخم هذه السجون، والذي تم اقتحامه على يد “داعش”، وهو سجن “الصناعة”، كان عبارة عن مدرسة ثانوية صناعية تم تحويل مبانيها لسجن وُضع فيه قرابة 3500 “داعشي” من أخطر عناصر التنظيم الإرهابي، كما أنه يُعد أكبر سجون العالم وأخطرها في الوقت نفسه!

وبالتالي لا يمكن القول إن البيئة، التي يوجد فيها سجناء التنظيم، مؤمّنة بشكل كافٍ.

كما نستنتج من الهجوم الأخير على السجن أن الجهاز المعلوماتي لـ”قوات سوريا الديمقراطية” ليس بالقدرة التي تلم بخلايا التنظيم خارج وداخل السجون، ما يعرّض أمن المنطقة والعالم للخطر، فالقوات التي تقوم على تأمين هذه السجون ليس لديها من المعلومات ما يكفيها أو يجعلها قادرة على حماية السجون من الداخل ولا مواجهة الخلايا الموجودة في الخارج، سواء الناشطة أو حتى الخاملة.

كذلك فإن هروب عدد من سجناء “داعش” من داخل سجن “الصناعة” دون تحديد عددهم أو أسمائهم يزيد مخاطر التنظيم، ومن ثم ينعكس ذلك على أمن المنطقة عموما، فهروب هؤلاء السجناء إلى البادية السورية أو حتى إلى الحدود العراقية وبقاء بعضهم داخل مناطق شمال شرق سوريا، يجعل هؤلاء المتطرفين يحاولون إعادة ترتيب صفوفهم مرة ثانية، فضلًا عن جهودهم في عمليات تجنيد غيرهم بحثًا عن أتباع جدد.

لا بد إذًا أن يكون التحرك لمواجهة “داعش” دوليًا، وألا يقتصر هذا على مواجهة عبر الضربات الجوية كما يفعل التحالف الدولي، أو أن يقتصر الدعم على مد “قوات سوريا الديمقراطية” بالأسلحة، بل لا بد من مواجهة وفق استراتيجية شاملة لإرهاب عابر للحدود، على ألا تُترك المواجهة فقط لـ”قوات سوريا الديمقراطية”، كما وجب أن تُراعى في هذه الاستراتيجية قوة التنظيم الإرهابي والانتباه إلى تشخيص تموضعه في شمال شرق سوريا وأسباب اختياره هذه المنطقة تحديدا.

إن كل يوم يمر على وضع مقاتلي “داعش” داخل سجون “قوات سوريا الديمقراطية” لن يكون في صالح مواجهة هذا التنظيم الإرهابي، وأي دعم يقدمه المجتمع الدولي من أجل إبقاء وضع الدواعش كما هم في السجون سوف يُبقي الخطر على ما هو عليه، أما الحل فيكمن في فك هذه السجون ومحاكمة هؤلاء المجرمين بعد عودتهم إلى بلدانهم، أو إنشاء سجون جديدة محصّنة بأحدث الوسائل، على أن تكون تحت حماية القوات الأمريكية أو قوات التحالف الدولي أو بإشراف وحماية قوات دولية تكون هذه مهمتها فقط.

Exit mobile version