تستعد خدمة الصحة الوطنية في بريطانيا لاختبار تقنية علمية ثورية قد تغيّر حياة آلاف المرضى حول العالم. إذ تبدأ خلال أيام تجربة أول شريحة دماغية قادرة على تحسين المزاج ومكافحة الاكتئاب والصرع، وفق ما أوردته صحيفة الغارديان.
هذه الشريحة، التي سيتم زرعها داخل جمجمة الإنسان، تموّلها وكالة الأبحاث والاختراعات المتقدمة البريطانية بتكلفة تصل إلى 6.5 مليون جنيه إسترليني (نحو 8 ملايين دولار).
وتقوم فكرة الشريحة على مراقبة نشاط الدماغ وإرسال نبضات فوق صوتية لتنشيط مجموعات محددة من الخلايا العصبية المرتبطة بالحالة النفسية والمزاجية.
جاك كارولان، ممثل الوكالة، أوضح للصحيفة أنّ هذه التكنولوجيا العصبية قد تكون قادرة على مساعدة فئات واسعة من المرضى الذين يعانون من اضطرابات يصعب علاجها، مثل الاكتئاب المقاوم للعلاج، والصرع، والإدمان، واضطرابات الأكل.
وبحسب الخطة، سيشارك في التجارب الأولى نحو 30 مريضًا، سيرتدون جهازًا على فروة الرأس لمدة ساعتين، بينما يقوم الباحثون بقياس نشاط الدماغ ودراسة مدى قدرة النبضات فوق الصوتية على التأثير في المزاج والدوافع بشكل موثوق.
وفي حال حصول المشروع على الموافقة من الجهات التنظيمية البريطانية، فإنّ الخطوة التالية ستكون إطلاق تجربة سريرية موسّعة لعلاج هذه الاضطرابات النفسية والعصبية.
لكن، وعلى الرغم من الأمل الكبير الذي تحمله هذه التقنية، تبرز تساؤلات أخلاقية جدّية حول ملكية البيانات الدماغية وخصوصيتها، وإمكانية استخدامها بشكل سلبي، سواء في التوظيف أم التأمين الطبي، أم حتى فيما يُعرف بالتمييز العصبي.
يُذكر أنّ هذا المجال يشهد تطورًا سريعًا حول العالم، ويجمع بين علوم الأعصاب والهندسة الطبية والأبحاث السريرية، وسط ترقّب لنتائج هذه التجربة التي قد تُحدث تحولًا في كيفية علاج الأمراض النفسية والعصبية مستقبلًا.
1. الاكتئاب والتحديات الحالية في العلاج:
الاكتئاب هو اضطراب نفسي يعاني منه ملايين الأشخاص حول العالم، ويتميز بمشاعر مستمرة من الحزن واليأس وفقدان الاهتمام بالأشياء التي كانت ذات معنى. يعاني العديد من المصابين بالاكتئاب من صعوبة في التفاعل مع العلاج التقليدي، سواء كان العلاج الدوائي أو العلاج النفسي. في كثير من الحالات، لا تكون الأدوية فعّالة بما يكفي، وقد يواجه المرضى آثارًا جانبية غير مرغوب فيها، مما يجعل إيجاد حل فعال أمرًا بالغ الأهمية.
2. الشريحة الدماغية: كيف تعمل؟
تم تطوير هذه الشريحة الدماغية بهدف تحسين الاتصال العصبي في الدماغ. تعتمد فكرة هذه الشريحة على استخدام تكنولوجيا التحفيز العصبي العميق (Deep Brain Stimulation, DBS)، وهي تقنية طبية تتضمن زرع أقطاب كهربائية صغيرة في مناطق معينة من الدماغ لتحفيز النشاط العصبي. في حالة الاكتئاب، تم تحديد مناطق معينة من الدماغ، مثل النواة المتكئة، والتي تشارك في تنظيم المزاج والعواطف، كأهداف رئيسية للتحفيز.
تعمل الشريحة الدماغية الجديدة على إرسال إشارات كهربائية دقيقة إلى هذه المناطق الدماغية، مما يساعد في “إعادة ضبط” النشاط العصبي وتحسين توازن المواد الكيميائية في الدماغ التي تتحكم في المزاج. يمكن تخصيص هذه الإشارات لتلبية احتياجات المريض الفردية بناءً على ردود فعل الدماغ.
3. فعالية الشريحة في علاج الاكتئاب:
الدراسات الأولية التي أجريت على هذه الشريحة أظهرت نتائج واعدة في تحسين أعراض الاكتئاب لدى المرضى الذين لم تنجح معهم العلاجات التقليدية. أشارت الأبحاث إلى أن بعض المرضى الذين تلقوا التحفيز العصبي العميق أظهروا تحسنًا كبيرًا في مزاجهم ورفاههم النفسي بعد فترة قصيرة من العلاج.
من الجدير بالذكر أن هذه الشريحة ليست علاجًا سحريًا، حيث يتم استخدام التحفيز العصبي العميق كجزء من خطة علاجية شاملة تتضمن متابعة طبية مكثفة. ومع ذلك، فإن النتائج الأولية تشير إلى أن هذه التكنولوجيا قد تفتح آفاقًا جديدة للمرضى الذين يعانون من الاكتئاب الحاد والمزمن.
4. الآثار الجانبية والتحديات:
على الرغم من الأمل الكبير الذي تقدمه هذه الشريحة للمرضى، فإنها ليست خالية من التحديات. التحفيز العصبي العميق قد يتسبب في بعض الآثار الجانبية مثل الصداع أو الدوار في البداية، وهي آثار قد تكون مؤقتة أو قابلة للتحكم من خلال تعديل الجرعة أو التحفيز. كما أن إجراء جراحة لزرع الشريحة يتطلب تقييمًا دقيقًا للحالة الصحية للمريض.
إضافة إلى ذلك، فإن الأبحاث ما زالت جارية لمعرفة مدى فعالية الشريحة على المدى الطويل، حيث أن الأطباء يراقبون باستمرار النتائج والآثار النفسية والاجتماعية لتقنيات التحفيز العصبي.
5. الأمل في المستقبل:
من المهم أن نلاحظ أن هذه الشريحة ليست الحل النهائي لكل مريض يعاني من الاكتئاب، ولكنها تمثل خطوة هامة في الطريق نحو فهم أفضل للدماغ البشري وكيفية علاجه باستخدام التكنولوجيا الحديثة. يمكن أن تساهم هذه التقنية في تطوير علاجات مخصصة للمصابين بالاكتئاب على غرار ما يحدث حاليًا في علاج بعض الاضطرابات العصبية مثل مرض باركنسون.
يأمل الخبراء أن تفتح هذه الشريحة الدماغية الأفق لتطوير المزيد من العلاجات الفعّالة للاكتئاب، التي يمكن أن توفر حلاً طويل الأمد لأولئك الذين يعانون من هذا الاضطراب النفسي المعقد.
تعد الشريحة الدماغية الجديدة تقدمًا علميًا مثيرًا في مجال علاج الاكتئاب، حيث توفر أملًا للمرضى الذين لم تنجح معهم العلاجات التقليدية. على الرغم من أن الأبحاث لا تزال في مراحلها الأولى، إلا أن التحفيز العصبي العميق يقدم فرصة لتغيير حياة المرضى بشكل إيجابي. قد يكون هذا التطور في العلاج بداية لتحول جذري في الطريقة التي يتم بها علاج الاكتئاب في المستقبل، مع تقديم أمل جديد لملايين الأشخاص حول العالم.