سياسة

سياسة إيران وأوروبا وسياسات الابتزاز


وجود أصوات أوروبية ما تزال تدافع عن الاتفاق النووي مع إيران، يبدو أنه يشجعها على التمادي في سياسات الابتزاز.  

إذ أعلن رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي أن هناك 1044 جهازَ طردٍ مركزي جديد يعمل حاليا على تخصيب اليورانيوم في منشأة فوردو. وهو ما يعني أن إيران لم تعد تكتفي بخرق التزاماتها في الاتفاق النووي، ولكنها باتت تتعمد انتهاج سياسة تصعيد خطرة.

وكان صالحي قال قبل ذلك، إن طهران شرعت في تنفيذ مشروع بناء أجهزةِ طردٍ مركزيٍ “متطورة”، “في قلب الجبال” قرب منشأة نطنز. وكأنه يقول إن نجاح إيران في تخصيب المزيد من اليورانيوم إلى الحد الذي يسمح بإنتاج قنبلة نووية، يقترب أكثر فأكثر.

الكل يعرف أن إيران تستخدم هذه الوسيلة لأغراض الابتزاز. ولكن الكل يعرف أيضا أن سياسات الابتزاز، والخضوع لها، لا يمكن أن يبني استقرارا حقيقيا. لأنها سوف تتحول إلى لعبة دائمة، وهذا ما يحصل الآن في واقع الحال.

فكلما أرادت إيران أن تفرض أمرا، كلما عاودت اللعبة نفسها، ولا يمكن لأي عاقل أن يتصور أن ذلك سبيل يمكن القبول به باستمرار.

لقد امتنعت الدول الأوروبية عن دعم طلب الولايات المتحدة لعودة العقوبات إلى سابق عهدها قبل توقيع الاتفاق النووي عام 2015، لأنها ظلت تعتقد أن بقاء إيران ضمن آليات الاتفاق والتزاماته، ربما يكون أفضل لحفظ الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.

ولكن أعمال إيران الاستفزازية لطالما أبطلت هذا الاعتقاد، وكشفت المرة تلو المرة، أنها تستخدم النووي كسلاح من أسلحة الابتزاز الآن، قبل أن يأتي اليوم لتهدد به كسلاح من أسلحة الدمار الشامل فيما بعد.

نعم، توجد إرادة دولية حقيقية، لمنع إيران من الوصول إلى هذا الهدف الخطير، ولكن الابتزاز بحد ذاته يعني الشيء الكثير. فالعلاقات الدولية لا يمكنها أن تقوم على أساس من هذا النوع.

إيران تقبع في هاوية اقتصادية سحيقة. ولولا بعض ما تملكه من احتياطات نقدية جمعتها في الفترة بين توقيع الاتفاق النووي عام 2015 وخروج الولايات المتحدة منه قبل عامين، فان نظامها ربما كان قد تداعى الآن.

مع ذلك، فإن ضغط العقوبات الاقتصادية لا يكفي لإجبار إيران على الالتزام، ليس بقيود الاتفاق النووي وحده، وإنما بأي قيود يفرضها القانون الدولي.

لقد أثبتت التجربة أن هذا نظام حالما تتوفر له أي فرصة، فإنه يستأنف أعماله العدوانية. وإنه يرجئها فقط عندما يضعف، قبل يعاود الكرّة من جديد.

وهذه لعبة لا تكفي لتوفير الاستقرار. ولا تقدم دولة قادرة على العيش وفقا للقيم والأعراف والقواعد الدولية.

السياسات العدوانية هي جزء من طبيعة النظام الإيراني نفسه. ومثلما أن مبدأ “تصدير الثورة” “أو بالأحرى تصدير الخراب” هو مبدأ دستوري في إيران، فإن طبيعة النظام المليشياوية وثقافته الطائفية المتطرفة، تجعله عاجزا عن أن يتصرف كدولة طبيعية.

إيران كيان سياسي وعقائدي شاذ. وشذوذه يجعل منه خطرا دائما على العالم بأسره، وعلى الإيرانيين أنفسهم.

الحرب ليست مرغوبة من أي أحد. واستراتيجية تجفيف منابع القدرة على مواصلة سياسات العدوان تفعل فعلها، ولكن، ما يزال بوسع هذه الاستراتيجية أن تفعل أكثر. إلا أن ذلك يتطلب صوتا واضحا وموحدا.

الانقسام الأوروبي الأمريكي لا يخدم إلا سياسات الاستفزاز. وها هي إيران تطلق لنفسها العنان لتمزق آخر أوراق التزاماتها في الاتفاق النووي، بينما ما يزال هناك بين الأوروبيين من يعتقد أنه ما يزال من المفيد التمسك به.

هذا الانقسام يؤدي في الواقع إلى شيء واحد، هو مساعدة إرهابيي السلطة في إيران على المزيد من التمادي.

ويستطع الناظر المتمعن في المسالك الإيرانية أن يكتشف لو أن الأوروبيين والأمريكيين والعالم بأسره أعلن موقفا واحدا، يدعم العودة إلى فرض عقوبات شاملة، ويقاطع كل أوجه التجارة مع إيران، فان الـ 90 مليار الباقية من الاحتياطات سوف تنضب لتنضب معها كل طاقة العدوان والابتزاز.

ولو أن موقفا دوليا موحدا دفع إلى فرض المزيد من العزلة الدبلوماسية على إيران، فان سلطة الولي الفقيه سوف تتلقى رسالة واضحة، بأن سياسات الابتزاز لم يعد لها مكان، وأن نظامه، وفقا للمعايير الدولية، نظام عاق.

نقلا عن العين الإخبارية

 

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى