سوريا تحت الأنقاض: صراع محتدم بين إسرائيل والفصائل الإيرانية
تكثف إسرائيل غاراتها على سوريا ما يشير إلى أن البلاد تحولت بحكم الأمر الواقع إلى ساحة حرب بين الدولة العبرية والفصائل الموالية لإيران.
واستهدف قصف إسرائيلي مساء اليوم الثلاثاء قريتين في ريف حمص في وسط سوريا وذلك بعد أيام قليلة من غارات أسفرت عن مقتل أكثر من مئة مقاتل موالين لطهران، في أعلى حصيلة منذ تصعيد الحرب مع حزب الله قبل شهرين.
وأفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا” نقلا عن مصدر عسكري بأن “العدو الإسرائيلي شن عدوانا جويا من اتجاه شمال لبنان مستهدفا موقعين في ريف حمص ما أدى إلى وقوع خسائر مادية”.
ومنذ سبتمبر/أيلول، كثّفت إسرائيل بشكل ملحوظ ضرباتها على سوريا، حيث أحصى المرصد السوري لحقوق الإنسان تنفيذها 86 هجوما على الأقل، ما أسفر عن مقتل 199 مقاتلا و39 مدنيا على الأقل.
ويتوزع القتلى غير المدنيين بين جنود سوريين وعناصر من مجموعات موالية لطهران تضم مقاتلين سوريين ومن جنسيات أخرى، بينهم من حزب الله اللبناني وفصائل عراقية وأخرى فلسطينية.
وأسفرت ثلاث غارات دامية طالت مدينة تدمر في وسط سوريا في 20 نوفمبر/تشرين، استهدفت إحداها اجتماعا لمجموعات موالية لطهران، أبرز داعمي دمشق، عن مقتل 106 مقاتلين، وفق حصيلة للمرصد، في أعلى حصيلة قتلى يومية منذ بدء النزاع في سوريا عام 2011.
وبين هؤلاء القتلى 73 عنصرا من فصائل سورية موالية لطهران، و29 مقاتلا غير سوريين، غالبيتهم من حركة النجباء العراقية، وأربعة مقاتلين من حزب الله.
وجدّدت إسرائيل الإثنين قصف معبر جوسية الحدودي مع لبنان الذي سبق واستهدفته مع معابر أخرى أبرزها معبر المصنع الرئيسي الخارج عن الخدمة منذ الشهر الماضي.
ويقول مدير المرصد رامي عبد الرحمن إن الغارات الإسرائيلية طالت بشكل رئيسي معابر حدودية، شرعية وغير شرعية، وشققا سكنية خصوصا في دمشق ومقار لمجموعات تدعمها طهران ومستودعات سلاح وذخائر لحزب الله.
ويضيف عبد الرحمن “مع العدد المرتفع من الغارات، تُعدّ سوريا اليوم بحكم الأمر الواقع من ساحات الحرب الإسرائيلية”.
وخلال زيارته إلى طهران، أشار وزير الخارجية السوري بسام الصباغ في 19 نوفمبر/تشرين الثاني إلى “اعتداءات متكررة على الأراضي السورية بلغ عددها أكثر من 130 اعتداء” منذ بدء الحرب بين حركة حماس وإسرائيل في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.
وشنّت إسرائيل منذ بدء الحرب في سوريا عام 2011 مئات الضربات الجوية، مستهدفة مواقع تابعة للقوات الحكومية وأهدافا إيرانية وأخرى لحزب الله ورغم أنها نادرا ما أكدت تنفيذها، لكنّها كررت عزمها التصدّي لمحاولات إيران ترسيخ وجودها العسكري في سوريا.
وفي الشهرين الأخيرين، قالت إسرائيل إنها تعمل على منع حزب الله من “نقل وسائل قتالية” من سوريا إلى لبنان.
ووضع الجيش الإسرائيلي في بيان الإثنين غارته على معبر جوسية في إطار استهدافه “خلال الأسابيع الأخيرة محاور نقل الأسلحة.. على الحدود السورية اللبنانية”، و”إحباط” قدرات حزب الله.
ويوضح الباحث في مؤسسة “سانتشوري” للأبحاث سام هيلر لفرانس برس “منذ بدء إسرائيل تصعيدها في لبنان، انهار توازن الردع الذي كان قائما بينها وبين حزب الله، فباتت تقصف لبنان متى تشاء، فضلا عن ضربها لأهداف يُزعم أنها مرتبطة بالجماعة اللبنانية وإيران في سوريا دون خوف من رد فعل حقيقي من حزب الله”.
ويضيف “يبدو هذا كلّه وكأنه محاولة من إسرائيل لإضعاف حزب الله بشكل مستدام، إذ تستهدف خطوط إمداده اللوجستية عبر سوريا وتسعى للتوصل إلى حلّ للحرب من شأنه أن يمنع الحزب من إعادة التزود بالسلاح وإعادة بناء” قدراته.
وفي السياق ذاته، يشير الباحث في معهد “تشاتام هاوس” ريناد منصور إلى أن الضربات تستهدف “سلاسل الإمدادات المالية والعسكرية التي تغذّي محور المقاومة”، الذي تقوده طهران ويضم حزب الله وفصائل عراقية وفلسطينية وأخرى من اليمن.
وتكرّر الخارجية السورية تنديدها بـ”العدوان الإسرائيلي وتعمّد إسرائيل توسيع رقعة عدوانها على دول المنطقة”.
وفي موقف لافت الأحد، اعتبر المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن أنه “من الضروري للغاية تهدئة التصعيد حتى لا يتم جرّ سوريا أكثر إلى هذا النزاع”.
وتفاقم الضربات الوضع الهشّ في سوريا التي تغرق بعد أكثر من 13 عاما من النزاع في أزمات اقتصادية متلاحقة تفاقمها عقوبات غربية.
ولا تحرّك دمشق ساكنا إزاء الضربات الإسرائيلية، بعدما نأت بنفسها عن التصعيد منذ بدء إسرائيل حربها في قطاع غزة، لكن محللين يقولون إن الخيارات أمامها محدودة.
ويوضح هيلر “من شأن أي هجوم مضاد من سوريا ضد إسرائيل، أن يدفع الأخيرة إلى رد فعل انتقامي واسع النطاق يستهدف القيادة السورية أو البنية التحتية الأساسية” المستنزفة أساسا.
وكانت طهران قالت على لسان رئيس البرلمان الإيراني محمّد باقر قاليباف الشهر الحالي “نعتبر سوريا الخط الأمامي لحركات المقاومة”.
ويقول مصدر مقرب من حزب الله، أبرز مكونات “محور المقاومة” من دون الكشف عن هويته، لفرانس برس إن “دور سوريا ليس مواجهة إسرائيل بل أن تشكل شريان إمداد من إيران والعراق الى حزب الله”، نافيا أي ضغوط تمارس على دمشق من حلفائها، خصوصا روسيا، للتوقف عن ذلك.
وبينما تستهدف ضربات إسرائيلية بين الحين والآخر المتمردين الحوثيين في اليمن، تخشى طهران وبغداد من أن تطالهما ضربات إسرائيل، وفق المصدر ذاته، حتى لو كان وقف إطلاق النار وشيكا بين حزب الله وإسرائيل.
وفي العراق، تزداد المخاوف من ضربات إسرائيلية خصوصا بعد إعلان وزير خارجية إسرائيل جدعون ساعر مؤخرا أن لبلاده “الحق في الدفاع عن نفسها”، مطالبا مجلس الأمن بالضغط على بغداد لوضع حدّ لهجمات الفصائل الموالية لطهران.
واعتبرت الحكومة العراقية أن إسرائيل تبحث عن “ذرائع تهدف إلى تبرير عدوان مخطط له ضدّ العراق”. وتتبنى فصائل “المقاومة الإسلامية في العراق” يوميا هجمات بمسيّرات على أهداف في إسرائيل، تضامنا مع قطاع غزة ولبنان، تعلن إسرائيل إحباط غالبيتها.
ويقول ريناد منصور “تمكّن العراق على مدى أكثر من عام من البقاء نسبيا بمعزل عن الحرب الإقليمية”، على وقع التزام أميركي وإيراني الدفع بهذا الاتجاه.
لكنه يشير إلى خشية بغداد من أن “يحظى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بحرية متزايدة في الفترة الانتقالية بين الرئيسين الأميركي الحالي جو بايدن ودونالد ترامب، في ملاحقة محور المقاومة بأكمله”.