حوار مصري تركي.. أحلام تركية لا يسندها واقع
صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنه “لا مانع لدينا من الحوار مع مصر، وإجراء محادثات مع القاهرة أمر مختلف وممكن وليس هناك ما يمنع ذلك”. وتأتي هذه التصريحات في أعقاب تصريحات أخرى قبلها بأيام على لسان ياسين أقطاي مستشار الرئيس التركي قال فيها “إن الجيش المصري لن يقاتل نظيره التركي في ليبيا، وأضاف “الجيش المصري جيش عظيم، نحن نحترمه كثيرا، لأنه جيش أشقائنا” وتابع أقطاي قائلا “لا نتمنى ولا ننتظر من الجيش المصري أن يعادي تركيا، وهذا لا يعني أننا خائفون منه”. وأكد أقطاي على أن التواصل بين تركيا ومصر ضروري رغم الخلافات بين البلدين.
وجاء رد القاهرة متحفظا حيث علق وزير الخارجية المصري على حديث ياسين أقطاي قائلا” نحن نرصد الأفعال، وإذا لم يكن الحديث متفقا مع السياسات لا يصبح له وقع أو أهمية، خاصة أن السياسات التي نراها بالتواجد على الأراضي السورية والعراقية والليبية، بالإضافة إلى التوتر القائم في شرق المتوسط، جميعها تنبئ بسياسات لزعزعة استقرار المنطقة، وتابع وزير الخارجية” جميع ما يحدث لا يقود إلى حوار أو تفاهم لبدء صفحة جديدة، الأمر ليس بما يصرح به، وإنما بأفعال وسياسات تعزز من الاستقرار وتتسق مع العلاقات والشرعية الدولية وهذا ما يهمنا في تلك المرحلة”.
أسباب الموقف التركي
وإذا كان رد القاهرة مفهوما في ضوء عدم وجود أي تغيرات في الموقف التركي تقود إلى الحوار، فيبقى تفهم سر هذا التحول الواضح في الموقف التركي وما الذي تعرضه تركيا حتى يتم الحوار بين الجانبين.
يبدو أن التحول الواضح في الموقف التركي يأتي نتيجة لعدد من التطورات من أهمها ما يلي:
1. الموقف المصري الحازم فيما يتعلق بالتطورات في ليبيا حيث كان إعلان الرئيس المصري أن خط سرت-الجفرة خط أحمر، ثم موافقة مجلس النواب المصري في 20 يوليو على قيام الجيش المصري بمهام قتالية في الخارج وأثره في ردع الأتراك وإفهامهم أن هناك مخاطرة ممكنة بمواجهة عسكرية مع الجيش المصري إذا ما مضوا في تحركهم داخل ليبيا.
2. الموقف التركي المعزول فيما يتعلق بالتطورات في شرق المتوسط. فقد قامت تركيا بتوجيه سفن للبحث والاستكشاف عن النفط والغاز في المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص بدعوى أن جمهورية قبرص التركية (التي لا يعترف بها أحد سوى تركيا فقط) لها حقوق في المنطقة. كما أن خط ترسيم الحدود البحرية الذي تم الاتفاق عليه بين تركيا وحكومة الوفاق في ليبيا يتعارض مع الخطوط الإرشادية التي يتضمنها قانون البحار الدولي لعام 1982 وهو قانون لم تقم تركيا بالتصديق عليه. وجاء الاتفاق المصري اليوناني على ترسيم الحدود البحرية بينهما وفقا لقانون البحار ليضع إشكالية وجودية كبيرة أمام الاتفاق التركي الليبي لوجود مناطق متداخلة بين الاتفاقين، ويصعد من خطورة الموقف والتهديد بمواجهة عسكرية في المنطقة.
3. الموقف الأوروبي وخاصة الفرنسي من معارضة التحركات التركية المنفردة في شرق المتوسط، والتهديد بفرض عقوبات على تركيا لقيامها بأعمال البحث والتنقيب في مناطق تخص قبرص واليونان. وينتظر أن يتضح الموقف الأوروبي بشأن العقوبات مع انعقاد القمة الأوربية خلال أيام.
4. الموقف الأمريكي الداعم لقبرص والذي تمثل في زيارة وزير الخارجية الأمريكي لقبرص ثم رفع الحظر الجزئي لتوريد السلاح الأمريكي لها والمفروض منذ ثلاثة وثلاثين عاما.
5. التدهور المستمر في حالة الاقتصاد التركي والذي تتمثل أهم مظاهره في عجز مزمن في ميزان العمليات الجارية، وانخفاض متوالي في سعر صرف الليرة التركية وارتفاع في معدلات البطالة والتضخم. ويفرض هذا التدهور قيودا على التوسع التركي في المنطقة، والذي امتد إلى أكثر مما تسمح به القدرات والإمكانيات التركية. علاوة طبعا على أن هذا التدهور يخفض من شعبية أردوغان وشعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم.
أي أسس للحوار؟
ما تعرضه تركيا بالفعل لكي يتم الحوار الذي تدعو له مع مصر، هو مجرد كلمات جوفاء لا تغني ولا تسمن من جوع. ففيما يتعلق باتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان تدعي تركيا أنها تعرض على مصر منطقة أوسع مما يعطيها اتفاقها مع اليونان. ويبدو الأمر وكأن تعيين الحدود البحرية يتم وفقا للأهواء التركية بحيث توزع ما تريد على نفسها وعلى من تريد، بينما هناك قانون دولي يوضح كيفية تعيين هذه الحدود. وإذا كانت تركيا لم تصدق على هذا القانون، فإن هذا لا يعني عدم وجوده. والاتفاق المصري اليوناني ينسجم وهذا القانون، وتم إيداع الاتفاق بعد تصديق الجهات التشريعية في البلدين عليه في الأمم المتحدة. وإذا كانت تركيا تعترض على الاتفاق فأمامها جهات التحكيم الدولية التي لا بد وأن تستند إلى القانون الدولي للبحار. ومن هنا فمصر احترمت القانون الدولي، ولم تلتفت إلى الأهواء التركية التي لا يحكمها أي ناظم أو قانون. وما تعرضه تركيا في هذا الشأن لا يقدم أي شيء إذا يشجع على الحوار.
الأمر الثاني هو تأكيد تركيا على أنه ليس هناك خطر من تواجدها في ليبيا لأنها تستهدف السلام. وهو تبرير غريب في الوقت الذي ترسل فيه بانتظام الأسلحة وجماعات المقاتلين المرتزقة والإرهابيين إلى ليبيا. وهي تقول إن ليس هناك خطر على الأمن القومي المصري من تواجدها في ليبيا. وهي مقولة تبعث على الدهشة من بلد تتواجد قواته العسكرية في بلدين هما العراق وسوريا بدعوى تأمين حدودها ضد ما تدعي أنه جماعات إرهابية كردية، في الوقت الذي يصل فيه طول الحدود بين مصر وليبيا إلى 1049 كيلو متر، وسبق لجماعات إرهابية أن دخلت إلى مصر عبر ليبيا، كما أن عمليات تهريب للسلاح تتم أيضا عبر هذه الحدود. وعلى الأقل فمصر على عكس تركيا لا تتواجد أية قوات لها حتى الآن في أراضي أي بلد آخر، لكن هناك فعلا ما تخشاه على أمنها القومي، ولن يصون هذا الأمن مجرد تصريحات تركية. من هنا أيضا فالموقف التركي في هذا الشأن هو فعلا مجرد كلمات لا تشجع على قيام أي حوار بين الجانبين.
من الغريب أيضا أن تدعو تركيا للحوار مع مصر في الوقت الذي تحتضن فيه جماعة الإخوان المسلمين وتقود حربا إعلامية مضادة لمصر. ويطلب الأتراك من الدولة المصرية القفز فوق هذا الأمر أي أنها تطلب الحوار مع “طرف” تناصبه في الوقت نفسه عداءً علنيا!!
الدعوة التركية إذا إلى الحوار مع مصر هدفها الرئيسي هو كسر طوق العزلة المفروض عليها، وهي تدعو إلى هذا الحوار دون أن تقدم أي شيء يغري فعلا على بدء الحوار. والمطلوب حتى يكون هناك أسس للحوار أن تقوم تركيا بتعديل سلوكها في كامل الإقليم، وليس فقط استخدام الكلام المعسول.
نقلا عن العين الإخبارية