سياسة

حكومة الكاظمي وانهيار الأمن وملفات الفساد وداعش


عجلة تطور العراق تتعثر يومًا بعد الآخر رغم الوعود الكثيرة التي يطلقها السياسيون العراقيون في الفترة الأخيرة.

  فقد وصل الانفلات الأمني والفوضى إلى درجة كبيرة حتى امتد ذلك إلى التظاهرات الثقافية كما شهدته قاعة الجواهري التابعة لاتحاد الأدباء والكتاب في النجف الأشرف بالتصدي لمقتدى الصدر، وحتى أن البعض طالب بحذف حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي على غرار ما جرى للرئيس الأمريكي دونالد ترامب. هذا هو احتجاج الأدباء والكتّاب، فكيف حال احتجاجات الشعب العراقي وسط تردي الأوضاع على جميع الأصعدة؟ الفوضى والنظام اختلطا ببعضهما ولم يعد العراقيون يفرقون بينهما، فالنظام يسمي التظاهرات الاحتجاجية بالفوضى، وهي ليست كذلك، بل تعبر عن صرخة المطالبين بحقوقهم ليس إلا. وكثير من العراقيين يتعلقون بالآمال التي رسمتها لهم ثورة تشرين ومطالبها المشروعة التي تم إجهاضها بالعنف والخطف والقتل.

 الحكومة التي يقودها مصطفى الكاظمي تواجه تحديات كبيرة في جوهرها أمنية واقتصادية على الصعيدين الداخلي والخارجي. وظلت هذه القضايا بعيدة عن إيجاد الحلول اللازمة مما جعل المشهد العراقي يمضي من تعقيد إلى آخر. وفي هذا الجو المشحون بالتوتر، والجميع ينتظر موعد الانتخابات البرلمانية. الأحزاب السياسية عاجزة عن تلبية تطلعات وطموحات الشعب في جو من انهيار الأمن وتراكم ملفات الفساد وعجز الميزانية وتأخير الرواتب والقروض وجائحة كورونا، حيث سجل العراق أعلى مستوى له في العالم العربي من حيث الإصابات. كما أن تورط بعض الكتل السياسية في التحكم بالعملة العراقية وقيمتها أصبح حديث الشارع العراقي ما دفع البعض في مجلس النواب من النزيهين إلى المطالبة بكشف الحقائق أمام الشعب العراقي.

أزمة تولّد أزمة، والأزمات تتراكم فيما تتضخم أرصدة الساسة العراقيين وهيمنة المصالح الشخصية لدى النواب على المصالح الوطنية حيث تُخنق الأصوات المستقلة الداعية إلى التغيير. وهناك مسألة التكتلات بين القوى السياسية التي لا يهمها سوى الفوز بالمناصب والاستيلاء على المال العام أمام عجز القضاء وهيئة النزاهة. هذه كلها تضع العراقيل أمام حكومة الكاظمي التي تلجأ هي الأخرى بسبب افتقارها إلى دعم الأحزاب والكتل السياسية، إلى تهدئة الأوضاع باللجوء إلى التبريرات والحجج الواهية تارة والتهرب أمام الاستحقاقات تارة أخرى. ويبدو أن هناك عجزا عن تحديد ملامح وأسباب الأزمة الاقتصادية التي سببها الفساد الذي تتستر عليه الأحزاب الحاكمة ومَنْ لهم مصالحهم الخاصة فيها. لذلك عجز العراق عن بناء نفسه طوال عقدين من الزمان.

إن الحرب حاضرة بشكل أو بآخر سواء من قبل الجماعات الإرهابية أو المليشيات الموالية لإيران التي من شأنها زعزعة الاستقرار الذي لم يعرفه الشعب العراقي منذ سنوات طويلة. وتتذرع حكومة الكاظمي بالقوى الإقليمية والدولية التي أصبحت شماعته المفضلة لأنه عجز عن إقامة علاقات متوازنة مع محيطه العربي لصالح إيران، وضبابية مواقفه. فالأزمة الاقتصادية التي تواجه العراق تعود إلى ملفات الفساد ونهب موارد الشعب العراقي من خلال تكبيله بالديون والقروض ورهن موارده النفطية. إضافة إلى ذلك، يزيد تعقيد الأوضاع انتشار القوات الأمريكية في مهمة تستغرق تسعة أشهر في الوقت الذي تنشط فيه عمليات داعش الارهابية وآخرها تفجيرات ساحة الطيران في وسط بغداد.

لعل ما يؤثر على الأوضاع العراقية الحالية يتمثل بالخرق الأمني بتفجير ساحة الطيران، والتداعيات الاقتصادية ومشاكل الموازنة السنوية، وملف كورونا وتحدي توفير اللقاح لملايين العراقيين، والقصف الصاروخي الذي يستهدف أماكن حيوية بالعاصمة والإرهاب والسلاح المنفلت والخلافات السياسية، وانفلات العشائر وشحة المياه، وتعطل الصناعة وتوقف الزراعة والكثير من الملفات الأخرى، وهي ملفات استراتيجية ثقيلة تهم بنية المجتمع العراقي ومستقبله.

ووسط هذه الأوضاع المتأزمة، تتجدد التظاهرات في الناصرية التي تواجهها القوات الأمنية بالرصاص الحي، ودخول فيروس كورونا بموجته الثانية في ميدنة نينوى وسط عدم الالتزام بالإجراءات الوقائية.

والسؤال الآني المطروح: هل تستطيع حكومة الكاظمي أن تقدم الحلول العملية لهذه المشكلات المتشعبة؟

في الحقيقة، لم تتمكن أية حكومة تقديم الحلول اللازمة.

مما لا شك فيه أن تأجيل موعد الانتخابات المبكرة من حزيران إلى اكتوبر وربما عدم إجرائها حتى نهاية الدورة البرلمانية الحالية. له تأثيرات كبيرة على أزمة الحكومة العراقية تزيد المشهد العراقي تعقيدًا. وهي قرارات تم اتخاذها تحت ضغوط بعض الأحزاب والكتل البرلمانية المتناحرة التي تفتقر إلى رؤية مشتركة.

مما لا شك فيه أن السبب الجوهري في ضعف حكومة الكاظمي هو عدم وجود قوى وأحزاب، وخاصة من البيت الشيعي المسيطر، تتعاطف معه أو تؤيد سياساته. وهذه الأحزاب المتنفذة تمتلك النفوذ والسلطة والمال والسلاح التي تؤثر من خلالها على المرشحين والناخبين، وأبرز هذه الخطوات المستفزة ما قامت به ضد مقر الحزب الشيوعي العراقي في محافظة النجف.

يُعلق العراقيون آمالاً كبيرة على إجراء انتخابات برلمانية عاجلة وسريعة واستبدال الطبقة السياسية الحاكمة حاليا. وهذه الانتخابات حتى وإن حصلت، فإنها ستقوم على تحالفات عشائرية وطائفية ومذهبية.

وسط عجز الكاظمي على إدارة أي ملف من الملفات الساخنة، لن يتمكن العراق من تجاوز الأزمة الاقتصادية الخانقة.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى