حرب الـ12 يوماً تركت أثرها.. شعور بالأمن المفقود في الشارع الإيراني

بعد شهر من وقف إطلاق النار مع إسرائيل يخشى الإيرانيون حربا جديدة في ظل استمرار التوترات وعلى ضوء مؤشرات تشير إلى أن العودة للمسار التفاوضي حول البرنامج النووي الإيراني قد تنتهي إلى طريق مسدود.
-
معركة في الهواء.. التضليل الإعلامي يتصدر حرب إيران وإسرائيل
-
إيران وإسرائيل: صواريخ خارقة وأهداف نووية في مرمى النيران
ولم تتوقف حالة الشد والجذب بين إيران وإسرائيل بعد شهر من انتهاء حرب الـ12 يوما والتي كشفت قصورا من جانب الدفاعات الإيرانية وعدم القدرة على حماية منشآت حيوية وعلماء نوويين وقادة كبار في الحرس الثوري ممن قتلوا في هجمات دقيقة سلطت الضوء على اختراقات إسرائيلية واسعة للعمق الإيراني.
وصمد وقف إطلاق النار الذي أنهى حربا استمرت 12 يوما بين الطرفين لمدة شهر تقريبا دون وقوع حوادث، لكن العديد من الإيرانيين لا يزالون يشعرون بالقلق ويعيشون حالة من الريبة وسط استمرار مخاوفهم من مواجهة عسكرية جديدة.
-
إيران وإسرائيل على حافة الانفجار.. التصعيد يتحدى جهود الوساطة
-
غزة تصرخ في صمت: كأن العالم نسينا وسط نيران إيران وإسرائيل
وتعكس مخاوف الإيرانيين من حرب جديدة مع إسرائيل واقعا جيوسياسيا معقدا، حيث لا تزال إيران وتل أبيب في مواجهة مستمرة. ولهذه المخاوف تأثيرات عميقة على السياسة والأمن والاقتصاد في كل من الجمهورية الاسلامية والمنطقة بأكملها.
ومخاوف الإيرانيين من نشوب حرب جديدة مع إسرائيل هي مخاوف متجذرة وتاريخية، وليست بالضرورة مرتبطة بوقف إطلاق نار محدد حدث قبل شهر واحد فقط. وتتسم العلاقات بين طهران وتل ابيب بتوتر دائم وصراع غير مباشر في المنطقة، وهذا التوتر هو السبب الرئيسي لهذه المخاوف المستمرة.
-
صراع اليوم الثاني: الطائرات المسيّرة تتصدر المشهد بين إيران وإسرائيل
-
خطورة المواجهة بين إيران وإسرائيل على المنطقة
وفي الواقع، نادرا ما يكون هناك “وقف إطلاق نار” مباشر بين إيران وإسرائيل، فالعلاقة بينهما هي أشبه بـ”حرب الظل” التي تشمل: العمليات السرية والاغتيالات والهجمات الإلكترونية وتخريب منشآت نووية.
وأفادت وسائل إعلام رسمية الثلاثاء بأن استخبارات الحرس الثوري الإيراني حذرت المواطنين الإيرانيين من تزايد محاولات التجنيد من جانب أجهزة مخابرات دول معادية.
ويتزايد قلق إيران حيال التعرض لاختراق من جانب جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) في ظل خوضها لحرب غير مباشرة لعقود مع إسرائيل، التي تمكنت من اغتيال عدد كبير من القادة العسكريين والعلماء النوويين في حربها الجوية التي استمرت 12 يوما على إيران الشهر الماضي.
وقال بيمان البالغ 57 عاما وأحد سكان شيراز في جنوب إيران “لا أعتقد أن وقف إطلاق النار هذا سيصمد”. وشيراز إحدى المدن التي تعرضت لضربات عندما شنت إسرائيل حملة قصف غير مسبوقة على خصمها اللدود.
وطال الهجوم الإسرائيلي منشآت نووية إيرانية رئيسية ومواقع عسكرية وأسفر عن مقتل قادة عسكريين كبار وعلماء نوويين ومئات الأشخاص وتسبب بكثير من الدمار في بعض المناطق السكنية.
وانتهت الهجمات التي كانت من الأعنف بين العدوين، بوقف لإطلاق النار أُعلن في 24 يونيو/حزيران، غير أن إسرائيل لمّحت إلى احتمال عودتها للقتال إذا حاولت إيران معاودة بناء منشآت نووية أو القيام بأعمال تُعتبر تهديدا، مثل نقل أو تطوير قنبلة ذرية، وهي مساع دأبت طهران على نفيها.
-
إيران وإسرائيل: من التجسس والاغتيالات إلى الحرب المفتوحة
-
روسيا على الحياد؟ بوتين يبرر موقفه من التصعيد بين إيران وإسرائيل
وتعهدت إيران في المقابل بتوجيه رد قاس إذا ما هوجمت مجددا. وتتعثر المساعي الدبلوماسية المتعلقة بالملف النووي مع الولايات المتحدة التي انضمت لفترة وجيزة إلى الحرب بشن هجمات على مواقع نووية رئيسية، ما يعمق الشعور بالريبة بشأن ما سيأتي لاحقا.
وقال حميد وهو موظف حكومي يبلغ 54 عاما رفض إعطاء اسمه الكامل “أخشى أن تبدأ الحرب مجددا”. ورأى أن الحرب “ستؤدي إلى وفاة مزيد من الأشخاص الأبرياء ودمار البنى التحتية للبلد”.
وخلال الحرب ضربت إسرائيل مدنا رئيسية من بينها العاصمة طهران مستهدفة مواقع عسكرية ومبان حكومية وهيئة الإذاعة والتلفزيون الرسمية .
-
السقوط الأول لـ هيرمس .. هل تغيّرت قواعد الاشتباك بين إيران وإسرائيل؟
-
إيران وإسرائيل في دوامة التصعيد.. ضربات متبادلة وتحذيرات من اتساع الصراع
وقُتل أكثر من ألف شخص في إيران، بحسب السلطات. وتسببت الضربات بالصواريخ والمسيّرات في مقتل 29 شخصا في إسرائيل.
وفر العديد من سكان طهران إلى أجزاء أخرى من إيران رغم أن القليل من المناطق لم تسلم من الانفجارات والسماء المغطاة بالدخان.
وبعد قرابة الشهر اندلعت سلسلة من الحرائق في إيران في الأيام القليلة الماضية بينها حريق في منشأة نفط رئيسية، ما أثار تكهنات سارع المسؤولون إلى رفضها ونفوا وقوع أي أعمال تخريب.
وقالت غولاندام بابائي ربة المنزل البالغة 78 عاما من محافظة كرمنشاه الواقعة غربا “هذه الحرب أرعبتني حقا”. عاشت غولاندام حرب الثمانينات بين إيران والعراق، وهي ذكرى مؤلمة لكثيرين من جيلها. وقالت “ظللت أدعو الله ألا يسمح بتكرار الماضي”.
-
إيران وإسرائيل على شفا الهاوية: تهديدات متزايدة بـ«الأسوأ»
-
إيران وإسرائيل في مواجهة مفتوحة: تهديدات متبادلة وتصاعد التوتر
ورغم أن الحرب مع إسرائيل كانت أقصر بكثير ونُفذت في الغالب بالغارات الجوية والصاروخية وليس بالقوات البرية، إلا أنها أحيت ذكريات مروعة عن الحرب مع العراق.
وأسفرت تلك الحرب التي اندلعت إثر غزو عراقي في 1980، عن مقتل ما يقدر بـ500 ألف شخص في الجانبين.
واستُخدمت فيها أسلحة كيميائية وشملت قصفا متواصلا على الخطوط الأمامية، ما ترك ندوبا عميقة في قلوب الإيرانيين في الجمهورية الإسلامية الناشئة آنذاك، والتي انبثقت من ثورة 1979.
ومنذ ذلك الحين وعلى مدى عقود نجحت إيران في إبعاد النزاعات عن أراضيها، لكن الآن وبعد الحرب التي استمرت 12 يوما مع إسرائيل، تنامى لدى بعض الإيرانيين شعور بضعف أمنهم.
-
خلايا إيران تحت نيران إسرائيل في الجنوب السوري
-
بين إيران وإسرائيل: موسكو تدعو للتهدئة وتنتقد التصعيد العسكري
وقالت بابائي “ظللت أفكر أنني لا أريد الفرار مرة أخرى، ليس لدينا مكان نذهب إليه. لا أستطيع الركض إلى الجبال كما في الماضي”.
وبالنسبة إلى علي خنزادي، المحارب السابق البالغ 62 عاما، فإن الحرب مع إسرائيل سلطت الضوء على تغييرات مقارنة بالثمانينات عندما “لم يكن لدينا معدات عسكرية متطورة” لمحاربة العراقيين.
وقال خنزادي الذي أصيب في إحدى المعارك عام 1993، إن الحرب مع إسرائيل وإن كانت مدتها أقصر، اتسمت ببعد أكثر خطورة.
وبعكس الحرب السابقة فإن التكنولوجيا العسكرية المتطورة تعني “أنهم يستطيعون قتل طفل وهو نائم، عن بعد باستخدام مسيرة”.
-
وقف النار في غزة مرهون بتهدئة التصعيد بين إيران وإسرائيل
-
الكونغرس يفسح المجال.. ترامب يتحرك بحرية أكبر ضد إيران
وفي مواجهة التهديدات والهجمات الإسرائيلية كانت السلطات الإيرانية تدعو باستمرار إلى الوحدة الوطنية.
وصرح المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي بأن الهجمات الإسرائيلية هدفت إلى إطاحة النظام الديني في الجمهورية الإسلامية وحض الدبلوماسيين الإيرانيين على التعامل مع المرحلة المقبلة “بعناية ودقة” فيما تمضي البلاد قدما بحذر.
وأكدت طهران أنها لا تزال منفتحة على الدبلوماسية النووية مع الولايات المتحدة التي تعثرت بسبب الحرب، لكن المسؤولين أبدوا قلقهم إزاء تجدد الهجمات وطالبوا بضمانات أميركية غير محددة لاستئناف المفاوضات. ويبدو أن لدى عامة الناس الإيرانيين المخاوف نفسها من احتمال اندلاع النزاع مرة أخرى.