سياسة

تركيا تراهن على إعادة إعمار غزة لتعزيز نفوذها الإقليمي


أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اليوم الجمعة الاستعداد التام لبلاده لتسخير كافة إمكانياتها لمساعدة قطاع غزة على التعافي وإعادة الإعمار بأسرع وقت ممكن. هذا الإعلان ليس مجرد التزام إنساني، بل يمثل خطوة ضمن مساعي أنقرة الاستراتيجية لاستثمار الأزمة لتعزيز مكانتها كقوة إقليمية فاعلة ومؤثرة في صياغة مستقبل القطاع الفلسطيني.

بالنسبة لأنقرة، لا يُنظر إلى ملف إعادة الإعمار والعمل الإنساني في غزة على أنه عمل خيري بحت، بل يندرج ضمن الدبلوماسية الإنسانية. وتمنح هذه المقاربة تركيا شرعية وقبولًا واسعًا في المنطقة، وتفتح لها الباب لبناء علاقات مباشرة مع المجتمع الدولي، متجاوزةً بذلك التعقيدات العسكرية والسياسية التقليدية.

وتهدف أنقرة، من خلال هذا الدور، إلى استرداد مصداقيتها على الساحتين الداخلية والخارجية. كما تسعى لإثبات قدرتها على تحقيق إنجازات سياسية ملموسة في قضية تحظى بأهمية قصوى لدى قاعدتها الشعبية وحلفائها الإقليميين.

منصة اختبار لإعادة التموضع الإقليمي

ويرى محللون أن السعي التركي لتأميم موطئ قدم في غزة يأتي في سياق محاولة إعادة تموضع على الساحة الشرق أوسطية الأوسع، ومد النفوذ إلى القطاع الفلسطيني بعد التوسع في مناطق أخرى مثل سوريا.

ويُنظر إلى غزة كـ”منصة اختبار” حاسمة للحضور التركي. فإشراك أنقرة في الترتيبات المستقبلية يخدم هدفها الاستراتيجي في تحديد نفوذ قوى إقليمية منافسة أخرى، لا سيما مصر وإيران، في هذا الملف الحيوي.

ولم يقتصر الطموح التركي على الإعمار، بل تجاوز ذلك إلى إعلان الاستعداد للمشاركة في قوة العمل الدولية المزمع تشكيلها في غزة، بل تتطلع أنقرة لأن تكون دولة ضامنة للسلام، ما يمنحها ثقلًا دبلوماسياً وأمنياً جديداً في الملف الفلسطيني.

وعززت حركة حماس هذا التوجه بطلبها إدراج تركيا كإحدى الدول الضامنة للاتفاق إلى جانب مصر وقطر، ما يؤكد علاقات الثقة ويُعلي من شأن الدور التركي في أي تسوية مستقبلية.

العوائق الإسرائيلية والأوراق الأميركية

وترفض إسرائيل بشدة أي دور تركي حاسم في الإعمار أو الترتيبات الأمنية والسياسية. وينبع هذا الرفض من مخاوف أمنية عميقة، خشية أن يؤدي النفوذ التركي إلى تعزيز مكانة حماس وتوسيع النفوذ التركي الإقليمي على حساب مصالح تل أبيب، خاصة في ظل الروابط القوية بين أنقرة والحركة.

وتُراقب الولايات المتحدة تحركات أنقرة بعين فاحصة، حيث يرى البعض أن واشنطن تراهن على تركيا للمساعدة في تحقيق توازن جديد، والاستفادة من علاقاتها مع حماس، سواء لضبط الفصائل الفلسطينية أو للحد من النفوذ الإيراني.

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد طلب من تركيا المساعدة في إقناع حماس بقبول خطته لوقف إطلاق النار، وهو ما يعكس قناعة البيت الأبيض بفعالية الدبلوماسية التركية.

ولا يستبعد محللون أن تقدم تركيا تنازلات في ملفات أخرى، أبرزها الملف السوري، مقابل الحصول على دور فعال ومؤثر في القطاع الفلسطيني. وترى أنقرة أن غزة هي بوابة للتقارب مع واشنطن، ومستعدة لتوظيف هذا الدور للحصول على مكاسب سياسية وأمنية حيوية.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى