سياسة

تركيا تدخل يوم الحسم الانتخابي


دخلت تركيا صباح الأحد يوم الحسم الانتخابي مع توجه ملايين الأتراك الي صناديق الاقتراع التي ستحدد مساء مصير البلاد فإما ان تطوي عقدين من حكم رجب طيب أردوغان وإما ان تجدد العهد مع عقد ثالث مع حكم يوصف بالاستبدادي. 

وخالف أردوغان (69 عاما) استطلاعات الرأي وحقق تقدما مريحا بفارق خمس نقاط مئوية تقريبا على منافسه كمال كليتشدار أوغلو في الجولة الأولى للانتخابات في 14 مايو. لكنه فشل في الحصول على نسبة الخمسين بالمئة المطلوبة لحسم السباق الذي ينطوي على عواقب واسعة على تركيا والوضع الجيوسياسي العالمي من الجولة الأولى.

وقاد أداء أردوغان القوي بشكل غير متوقع رغم أزمة غلاء المعيشة العميقة وفوز تحالف يضم حزبه العدالة والتنمية المحافظ وحزب الحركة القومية وأحزابا أخرى بالانتخابات البرلمانية إلى دعم الرئيس المخضرم الذي يروج للتصويت لصالحه على أنه تصويت للاستقرار.

ولن تحدد الانتخابات فحسب من سيحكم تركيا، وهي دولة عضو في حلف شمال الأطلسي يبلغ عدد سكانها 85 مليون نسمة، ولكن أيضا كيف تُحكم، واتجاهات اقتصادها بعد أن انخفضت عملتها إلى عشرة بالمئة من قيمتها مقابل الدولار خلال عقد من الزمن وكذلك شكل سياستها الخارجية التي أثارت غضب الغرب بسبب تعزيز تركيا لعلاقاتها مع روسيا ودول الخليج.

وبدأ التصويت في الساعة الثامنة صباحا (05:00 بتوقيت غرينتش) وينتهي في الخامسة مساء (14:00 بتوقيت غرينتش). ومن المتوقع أن تبدأ النتائج في الظهور بحلول مساء اليوم.

وكليتشدار أوغلو هو مرشح تحالف المعارضة المكون من ستة أحزاب، ويقود حزب الشعب الجمهوري الذي أنشأه مؤسس تركيا مصطفى كمال أتاتورك. وكافح معسكره لاستعادة الزخم بعد صدمة تفوق أردوغان في الجولة الأولى.

وأظهرت نتائج الانتخابات الأولية دعما أكبر من المتوقع للقومية، وهي تيار قوي في السياسة التركية واشتدت بسبب سنوات من القتال مع المسلحين الأكراد ومحاولة الانقلاب في عام 2016 وتدفق ملايين اللاجئين من سوريا منذ بدء الحرب هناك في 2011.

وتركيا هي أكبر دولة مضيفة للاجئين في العالم، حيث يوجد بها حوالي خمسة ملايين مهاجر، منهم 3.3 مليون سوري، وفقا لبيانات وزارة الداخلية.

وبسبب عجزه عن الوصول إلى وسائل الإعلام الرئيسية وخصوصا محطات التلفزيون الرسمية المكرسة لحملة أردوغان، شن كليتشدار أوغلو حملته خصوصا عبر تويتر فيما كان أنصاره يحاولون حشد الناخبين مجددا من خلال زيارات منزلية في المدن الكبرى.

والهدف استقطاب 8.3 ملايين ناخب مسجل لم يصوتوا في الانتخابات في 14 مايو رغم نسبة المشاركة العالية التي بلغت 87 بالمئة.

في المقابل، كثف أردوغان من تجمعاته الانتخابية مستندا إلى التغيرات التي فرضها في البلاد منذ توليه السلطة كرئيس للوزراء في 2003 ومن ثم كرئيس اعتبارا من 2014.

وأكثر أردوغان الذي رفع الحد الأدنى للأجور ثلاث مرات في غضون سنة، من الوعود السخية خلال الحملة ومنها تقديم منح للطلاب الذي فقدوا أقارب جراء الزلزال.

وتركزت الحملة الانتخابية لكل من أردوغان وكيلتشدار أوغلو بين الجولتين الأولى والثانية على كيفية استقطاب الأصوات القومية. لكنّ هذه الكتلة ستتفرق بين أردوغان وكيلتشدار أوغلو بعد قرار المرشح الرئاسي الذي حل في المركز الثالث سنان أوغان، وهو من غلاة القوميين، تأييد أردوغان على أساس مبدأ “النضال المستمر (ضد) الإرهاب”، في إشارة إلى الجماعات الموالية للأكراد. وحصل أوغان على 5.17 بالمئة من الأصوات.

فيما أعلن قومي آخر، هو أوميت أوزداغ زعيم حزب الظفر المناهض للهجرة، عن اتفاق يعلن دعم حزبه لكليتشدار أوغلو، بعد أن قال إنه سيعيد المهاجرين إلى أوطانهم. وفاز حزب الظفر بنسبة 2.2 بالمئة من الأصوات في الانتخابات البرلمانية التي أجريت هذا الشهر.

يوم حسم كرسي الرئاسة
يوم حسم كرسي الرئاسة

وقال أردوغان السبت “الأحد يوم مميز لنا جميعا. لقد ولى زمن الانقلابات والحكم العسكري”.

وفي آخر نشاط له في الحملة الانتخابية توجه السبت إلى ضريح مرجعه السياسي رئيس الوزراء القومي-الإسلامي السابق عدنان مندريس الذي أطاح به عسكريون وأعدموه في العام 1961.

ويحل موعد الجولة الثانية من الانتخابات في الذكرى العاشرة لانطلاق تظاهرات “غيزي” التي بدأت في اسطنبول وعمت البلاد. وشكلت هذه التظاهرات أول موجة احتجاج على حكم أردوغان وقمعت بشدة.

وقالت المتقاعدة زيرين التيالي البالغة 60 عاما إن الأهم الأحد أن يكون الاقتراع “نزيها” وألا يشوبه “أي تزوير”.

لهذه الغاية، قررت المعارضة نشر “خمسة مراقبين لكل صندوق اقتراع” أي ما مجموعه مليون شخص لمراقبة مجريات التصويت.

وخلصت بعثة مشتركة لمنظمة الأمن والتعاون في اوروبا ومجلس أوروبا إلى أن الدورة الأولى جرت في “أجواء تنافسية” وإن “محدودة” بسبب “التقدم غير المبرر” الذي منحته وسائل الإعلام الرسمية لأردوغان.

ويتابع حلفاء تركيا ولا سيما في حلف شمال الأطلسي عن كثب نتائج الانتخابات التي يفترض أن تصدر مساء الأحد.

وأظهر استطلاع للرأي أجرته شركة كوندا للأبحاث والاستشارات أن نسبة التأييد المتوقعة لأردوغان في جولة الإعادة ستكون 52.7 بالمئة مقابل 47.3 بالمئة لكليتشدار أوغلو بعد توزيع الناخبين الذين لم يحسموا أمرهم. وأجري استطلاع الرأي في 20 و21 مايو قبل أن يعلن أوغان وأوزداغ موقفيهما.

وهناك عامل مهم آخر وهو كيف سيصوت أكراد تركيا الذين يشكلون حوالي 20 بالمئة من السكان.

وأيد حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد كليتشدار أوغلو في الجولة الأولى، ولكن بعد ميله إلى اليمين للفوز بأصوات قومية، لم يسمه صراحة وحث الناخبين على رفض “نظام الرجل الواحد” لأردوغان في جولة الإعادة.

وبذل الرئيس التركي قصارى جهده خلال حملته الانتخابية بينما يكافح للنجاة من أصعب اختبار سياسي له. ويحظى الرجل بولاء مطلق من الأتراك المتدينين الذين كانوا يشعرون في الماضي بأن تركيا العلمانية سلبتهم حقوقهم.

وقال نيكولاس دانفورث وهو زميل غير مقيم في المؤسسة اليونانية للسياسة الأوروبية والخارجية (إلياميب) ومتخصص في التاريخ التركي “تركيا لديها تقاليد ديمقراطية طويلة الأمد وتقاليد قومية طويلة الأمد، ومن الواضح الآن أن التقاليد القومية هي التي انتصرت”.

وأضاف “المزيد من أردوغان يعني المزيد من أردوغان. يعرف الناس من هو وما هي رؤيته للبلاد، ويبدو أن الكثير منهم يوافق على ذلك”.

وخلال سنوات حكمه الطويلة أحكم أردوغان قبضته على معظم المؤسسات التركية وهمش الليبراليين والمعارضين. وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقريرها العالمي لعام 2022 إن حكومة أردوغان أعادت سجل تركيا في مجال حقوق الإنسان عقودا للوراء.

لكن إذا أطاح الأتراك بأردوغان فسيكون هذا إلى حد كبير نتيجة شعورهم بتبدل أوضاعهم الاقتصادية وتراجع قدرتهم على تلبية الاحتياجات الأساسية في ظل تضخم تجاوز 85 بالمئة في أكتوبر 2022 وانهيار الليرة.

على الجانب الآخر، تعهد كليتشدار أوغلو بالعودة في حال فوزه إلى السياسات الاقتصادية التقليدية والابتعاد على سياسات أردوغان.

كما قال إنه سيسعى لإعادة البلاد إلى نظام الحكم البرلماني وإلغاء النظام الرئاسي التنفيذي الذي اقتنص أردوغان الموافقة عليه عبر استفتاء عام 2017.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى