سياسة

«تاريخ أسود» للإخوان من البنا للمرشد الموقوف


سجل أسود للإخوان في “الغدر والوشاية” يتوارثه أجيال الجماعة كإحدى أهم أدوات التنظيم في تصفية الحسابات والصراع على المناصب والقيادة.

ووفق محللين فإن “غدر الإخوان نهج قديم طال الجميع سواء داخل التنظيم وحتى شركاءهم حيث يستخدمونهم لتحقيق أهدافهم ثم يتخلصون منهم، فضلا عن تشويه المعارضين بأقذر الوسائل”.

يأتي ذلك تعليقا على مناوشات بين الإعلامي المنشق حسام الغمري وكوادر الإخوان على شبكات التواصل الاجتماعي دفعته للكشف عن مفاجأة مدوية بوثائق تؤكد الحد الذي وصل إليه التنظيم من الانحدار في الخلاف، حتى بلغ الأمر حد تسليم بعضهم لأجهزة الأمن للوصول إلى هرم السلطة في التنظيم، ومن بينهم محمود عزت القائم بأعمال مرشد جماعة الإخوان الإرهابية.

وتشير الوثائق التي نشرها الغمري إلى أن «كهنوت الإخوان» في لندن قاموا بالوشاية بنائب المرشد محمود عزت حتى تكتشف الشرطة المصرية مكانه ويتم توقيفه، وتصبح فرصة للإطاحة بالجيل القديم أو القطبيين من قيادة الجماعة.

وفي أغسطس/آب 2020، ألقت قوات الأمن المصرية القبض على القائم بأعمال المرشد العام للإخوان، محمود عزت، شرقي القاهرة.

وما لبث أن نشر الغمري الوثائق التي تخص قيادات الجماعة على صفحته بمنصة إكس (تويتر سابقا) والتي كشفت كيف تدار الصراعات الداخلية والأوضاع التي وصلت إليها الجماعة، حتى نشطت اللجان الإعلامية الإلكترونية لتشويه الغمري في محاولة لصرف الأنظار عن متابعة حقائق مثبتة كشفتها الوثائق.

وتعيش الجماعة منذ سنوات صراعات داخلية تكاد تعصف بها أدت إلى الانشقاق لثلاث مجموعات تزعم كل منها أنها هي الممثل الشرعي للتنظيم والأحق بالقيادة مصريًا وعالميًا، وقامت كل مجموعة بإعلان فصل الأخرى وتبادلوا الاتهامات بخيانة الأمانة وسرقة أموال الإخوان والعمالة لصالح أجهزة مخابرات دولية.

الغدر سمة الإخوان

وتعقيبا على الوثائق الجديدة للغمري، قال طارق البشبيشي الكاتب والباحث في الإسلام السياسي إن “الغدر والخيانة والتشويه جزء أصيل في تكوين الفرد الإخواني، فثقافة عناصر الجماعة الإرهابية وتربيتهم التنظيمية لا تمنعهم من القيام بمثل هذا السلوك وقد فعلها من قبل حسن البنا وإبراهيم منير ومحمود حسين ومحمود عزت نفسه”.

وأضاف البشبيشي أن “الخيانة وتسليم المطلوبين وتشويه المخالفين من داخل أو من خارج صف الإخوان، إحدى أهم أدوات الجماعة في تصفية حساباتها، وفي الصراع على المناصب والقيادة وأموال التنظيم بين أجيالها، قد تحمل الخيانة في عرف الإخوان معاني أخرى ولكنها تظل خيانة وغدرا حتى لأقرب الأقربين لديهم، فقد يطلقون على تسليم المطلوبين للعدالة بتنقية صف، أو ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وأحيانا يطلقون على الغدر مصطلح (إعادة ترتيب الأولويات)، أما التشويه فحدث ولا حرج”.

التودد للسلطات المصرية

أزمة الجماعة الآن، وفق البشبيشي، “أكبر من أن تحل داخليًا، فبعد أن انكشفت حقيقتها للجميع وانحرافها عن الجماعة الوطنية وخيانتها للشعب وللوطن وممارستها للعنف والإرهاب وحرق الأرض وسفك الدم، وبعد فشل كل رهاناتها خلال عقد كامل أو يزيد، لم يجد الإخوان أمامهم إلا التراجع ولم يجدوا مخرجًا لهم إلا بالعودة للوطن، فهم الآن يتسابقون لمغازلة السلطات المصرية للحصول على ما يشبه الهدنة أو الصفقة مع الحكومة المصرية ويقدم كل جناح رأس الآخر قربانًا لعل من بيدهم الأمر داخل أروقة الحكم ينظرون بعين الرضا له”.

وأكد أن “الغدر والخيانة والتشويه ليست جديدة على تاريخ هذه الجماعة فعلها مرشدهم الأول عندما سلم كشفا بأسماء أعضاء التنظيم السري للحكومة المصرية بعد اغتيال رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي عام 1948، وفعلها القيادي الإخواني إبراهيم منير في تنظيم 1965 عندما كان يبلغ أسماء المجموعات قبل إلقاء السلطات القبض على التنظيم كله، وفي السجن كان يتجسس على الإخوان ويبلغ سلطات السجن بما يدور بينهم وهذا الاعتراف من إبراهيم منير موثق في فيديو شهير”.

كما فعلها القيادي الإخواني محمود حسين أيضا في إسطنبول، وفق البشبيشي “عندما أبلغ عن القيادي الإخواني في حركة حسم محمد عبدالحفيظ حسين، وتم تسليمه للسلطات التركية التي رحلته بدورها لمصر ليحاكم، كما وشى بغيره من القيادات الإخوانية التي أراد حسين استبعادها، وفعلها حتى محمود عزت نفسه من قبل، سواء بالفصل أو بالوشاية، فقد تآمر على محمد حبيب نائب المرشد السابق ليخرجه من مكتب الإرشاد في أزمة 2009.

وتابع: “من المحتمل حسب ما يتردد داخل الجماعة أن يكون عزت نفسه هو من يقف وراء الوشاية بمكان مخبأ محمد كمال القيادي الذي أدار الجماعة بعد فض رابعة في 2013 لإزاحته من طريقه”.

“وسائل قذرة”

من جانبه، قال الكاتب والباحث في الحركات الإسلامية، هشام النجار، إن مرحلة ما بعد ثورة ٢٠١٣ فارقة بالنسبة لتنظيم الإخوان فقد كشفت حقيقة الصراع الدائر بين جنبات الجماعة والمتمثل في صراع المحاور والأجنحة.

وأضاف النجار أن “سياسة الجماعة بعد فض رابعة (أغسطس/آب 2013) ترتكز على عسكرة التنظيم تحت قيادة اللجان النوعية المسلحة وبعد هزيمة القيادة البديلة الممثلة في اللجان النوعية جرى تصارع على القيادة نتيجة رفض القيادة البديلة التنحي وإصرار الحرس القديم على العودة للحفاظ على نفوذه ومكتسباته المالية والتمويلية”.

وأشار إلى أن “عزت بات في مرحلة تالية عقبة في سبيل بروز قيادات السبعينيات لذا كان لا بد من التخلص منه باعتباره أحد الأطراف المتصارعة كما يفهم من وثائق الغمري”.

واختتم النجار حديثه بالتأكيد على أن “جميع الأطراف والأجنحة والأجيال قد سلكوا جميعًا كل الطرق، واستخدموا كافة الوسائل القذرة، سواء بالتشويه أو بالوشاية عن مكان اختباء الآخرين للأجهزة الأمنية”.

إعادة تدوير الجماعة

بدوره، لم يستبعد أحمد المسيري، القيادي السابق وعضو المكتب السياسي بجماعة الإخوان، أن “يسلم التنظيم أحد قادتهم للأمن، فالجماعة تعودت على استبعاد من انتهى دوره وبات عقبة أمام عودة الجماعة في شكل جديد وهذا ليس تفكير الإخوان بل تعليمات من المخابرات البريطانية”.

وأضاف المسيري أن “الجماعة تدار من المخابرات البريطانية قولًا واحدًا، كل ورقة إخوانية احترقت وانتهت مهمتها ووقفت عقبة أمام إعادة تدوير الجماعة سيتم استبعادها بالفصل أو التهميش أو التشويه الإعلامي أو الوشاية للأجهزة الأمنية، وكل من جاء عليه الدور للقيام بمهمة جديدة سيتم تلميعه إعلاميا وتقديمه على أنه المجدد وحلال الأزمات والفارس الشجاع والقائد الفذ.. إلخ”.

هدم المجتمع

هذه الطريقة، بحسب المسيري، “نجحت في السبعينيات عندما أرادوا إعادة الجماعة للمجتمع المصري بعد أن لفظهم فقدموا عمر التلمساني بهدوئه وسمته، وأزاحوا كل رموز الفترة السابقة، وقد انخدع الكثير بسبب تلك الحيلة، وظنوا أنها حركة تجديدية للدين الإسلامي، في حين أنها حركة باطنية سرية تعمل على هدم المجتمع من الداخل ولا يحكمها أي وازع من دين أو قيم أخلاقية”.

وأشار إلى أن “تاريخ الإخوان يثبت ذلك، فقد استبعد حسن البنا مؤسس الجماعة، معارضيه وشوههم وأولهم أحمد السكري الذي كان يعترض على حماية البنا لصهره عبدالحكيم عابدين، الذي مارس سلوكيات مشينة مع بعض زوجات الإخوان وقتها، فكان جزاء السكري الفصل والتشويه، وأيام حسن الهضيبي عندما غيّر قيادات التنظيم السري وأسند القيادة للمهندس سيد فايز، رفضت القيادات القديمة هذا القرار فاغتالوا رفيقهم بتفجيره بعلبة حلوى في المولد النبوي، وفي العصر الحالي قاموا باستبعاد كل من لم يوافق على سياساتهم التخريبية والإجرامية مثل محمد حبيب نائب المرشد ومختار نوح والدكتور ثروت الخرباوي وبالتالي لا أستبعد ان يكونوا هم من أرشدوا عن محمود عزت لإزاحته من أمام المرشد الجديد الخفي الآن”.

واختتم المسيري تصريحه بقوله “كل إخواني لا يزال منتمي للجماعة السرية الباطنية لا يمكن أن يكون سلميًا أو إصلاحيًا أو تنويريًا أو وسطيًا أو وطنيًا، كلهم متطرفون إرهابيون كل ما في الأمر أنه لم يحن الوقت ليكشفوا عن وجههم الحقيقي”.

الوثيقة الجديدة

وتبدأ الوثيقة الجديدة، التي كشف عنها الغمري، بمقدمة تعتبر أن “اعتقال محمود عزت بداية لمرحلة جديدة وفرصة سنحت لهم حتى يستطيعوا إبعاد وإزاحة من يسمونهم بالقيادة التاريخية، وذلك حتى يضعوا تصوراتهم موضع التنفيذ”، معتبرين أن “اختفاء عزت يسمح لهم بإجراء تفاهمات مع السلطات المصرية والأمنية”.

هذه النقطة هي التي دفعت الغمري أن يلمح في تحليله للوثيقة إلى أنه من غير المستبعد أن تسلّم جماعة الإخوان محمود عزت نائب المرشد للسلطات الأمنية في مصر، ليخلو الجو للقيادات الشابة في قيادة الجماعة واستبعاد القيادات القديمة.

وكتب يقول: “هل كهنوت الإخوان في لندن هو الذي وشى بمحمود عزت حتى تكتشف الشرطة المصرية مكانه ويتم اعتقاله فيتمكنون من تحقيق فكرتهم كما تكشف الوثيقة”.

ويربط الغمري ما حدث بأحداث سابقة في تاريخ الإخوان، مؤكدا أن “الإخوان من السهل عليها قتل قيادة إخوانية إذا كان هذا في صالح فصيل بعينه”، فكتب يقول: “لا تعجب أو تستبعد هذا الاحتمال عزيزي القارئ، ألم يرسل عبد الرحمن السندي (عُلبة) حلوى بها متفجرات لقتل سيد فايز في ذكرى مولد النبي لقتله هو وأطفاله لأن مرشدهم الثاني الهضيبي قد اختار فايز ليخلف السندي في قيادة التنظيم الخاص”.

ويكشف الغمري أحد أسرار الجماعة فيقول: “لقد علمت أيضا أثناء وجودي بإسطنبول أن هذه القيادة الملعونة كانت تخطط لموت 50 ألف تابع لهم داخل اعتصام رابعة لأن أوروبا كما زعموا لن تتحمل الدم وستجبر الرئيس عبد الفتاح السيسي على إعادة الراحل محمد مرسي للحكم لأن كل ما كان يهمهم من الاعتصام هو عودته للسلطة والحكم”.

وأشارت الوثيقة كذلك إلى أن “اختفاء عزت سيكون فرصة لحلحلة الموقف وبداية لفك الاشتباك مع الدولة المصرية”، لكن بحسب الغمري فإن هذا الأمل تلاشى سريعًا. إذ إن الدولة المصرية تصر على موقفها الواضح من الجماعة وتصنفها كمنظمة إرهابية ممنوعة في مصر.

وتختتم الوثيقة بعبارة: “إن مهاجمة القيادات التاريخية كلها مرة واحدة وبقوس واحد لم تثمر أي تغيير. وأن عليهم التمترس وراء عزت لإزاحة القيادة التاريخية. وهذه العبارة تؤكد تجذر الصراع بين أجيال الجماعة وأنه أصل الخلاف بين الجبهات وليس أي شيء آخر”.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى