كانت أحداث 11 سبتمبر 2001 نقطة تَحوُّل في سياسة أمريكا الخارجية، وربما في تاريخ العالم وتطور النظام الدولي وأولوياته.
وترجع أهمية تلك الأحداث إلى جِدّة الأسلوب الذي تم استخدامه في الاعتداء على مركزيْ التجارة العالمي في نيويورك ومقر وزارة الدفاع في واشنطن، وفي العدد الهائل من الضحايا المدنيين، وتعدُّد جنسيات المشاركين في الهجوم، وشبكة الاتصالات الواسعة، التي أقاموها داخل أمريكا وعبر عواصم العالم.
في هذا الوقت، كان الرئيس بوش الابن قد بدأ رئاسته قبل تسعة أشهر ولم تكُن لديه دراية واسعة بالسياسة الخارجية، وتركزت أولويات حملته الانتخابية على القضايا الداخلية.
لذلك، مثَّلت هذه الأحداث تحدِّياً مباشراً له ولأمريكا.
ويبدو أن بوش الابن اعتبر ما حدث تهديداً صارخاً لأمن أمريكا والأمريكيين، وإهانة لمكانة الولايات المتحدة العالمية، ووصل إلى أن الرد يجب أن يكون سريعاً وعنيفاً باستخدام القوة العسكرية.
وبالفعل بدأت القوات الأمريكية هجومها في بداية الشهر التالي، وأسقطت نظام حُكم “طالبان” في أفغانستان في غضون أسابيع، وبدأت في وضع أُسس لإقامة نظام سياسي جديد هناك.
وتكرر مشهد استخدام أمريكا القوة المسلحة لتغيير الأنظمة، عندما شنَّت قواتها هجوماً واسعاً على العراق في مارس 2003 لإسقاط نظام حُكم صدام حسين، الذي اتهمته واشنطن وبعض الدول الغربية بامتلاك أسلحة نووية، والتحايُل على زيارات مُفتشي وكالة الطاقة النووية للبحث عنها.
شاركت أمريكا بجيش قوامه 130 ألف فرد دعَّمته قوة بريطانية من 45 ألف فرد و2000 جندي من أستراليا.
وسُرعان ما تحقق هدف إسقاط النظام وتعيين “بول بريمر” لإدارة شؤون العراق، والذي ألغى بِجرّة قلم المؤسسات السياسية القائمة وبدأ في إعادة تصميمها على نحوٍ جديد.
واستُخدمت القوة مرة أخرى، ولكن بشكل غير مباشر في ليبيا عام 2011، تحت غِطاء حِلف الأطلنطي، واستمرت طائرات الدرونز الأمريكية في مُلاحقة قيادات تنظيم “القاعدة في اليمن والصومال”.
لم يكُن الهدف مجرد إسقاط النُظُم، التي سمّتها أمريكا “معادية”، ولكن إعادة بنائها على أُسس ديمقراطية وفقاً للفهم الأمريكي.
وذاعت عبارة كولن باول، وزير الخارجية الأمريكي وقتها، بأن العراق “سوف يصبح نموذجاً للديمقراطية تحتذي به دول الشرق الأوسط”.
شهدت هذه الفترة أيضاً صعود موضوع مكافحة الإرهاب الدولي ليحتل أولوية في العلاقات بين الدول، خاصة بعد انتشار الأنشطة الإرهابية في غالبية دول العالم، بما فيها الدول الأوروبية وأمريكا.
وظهرت تنظيمات ومليشيات عسكرية تتبنى فكراً إرهابياً متطرفاً، من أبرزها تنظيم “داعش”، الذي سيطر على مساحات واسعة من العراق وسوريا، وتنظيمات “القاعدة في اليمن والصومال” و”بلاد المغرب العربي” و”الساحل الأفريقي”، وتنظيم “بوكو حرام” في نيجيريا والنيجر والكاميرون.
وقادت أمريكا الجُهد الدولي ضد الإرهاب، فأقامت تحالفا من 80 دولة ضد تنظيم “داعش” الإرهابي في عام 2014.
وسعت أمريكا لتفعيل مواد اتفاقية الأمم المتحدة لمنع تمويل الإرهاب لعام 1999، إذ قامت الخارجية الأمريكية بإعلان قائمة بالتنظيمات الإرهابية في العالم، واقتفى أثرها عدد كبير من الدول.
وبرزت في الأوساط الأمريكية والغربية فكرة أن ظهور الأفكار المتطرفة والتنظيمات الإرهابية هي نتاج نُظُم الحُكم غير الديمقراطية، وأن أصحاب الآراء المُخالِفة في بلد ما، والذين لا يجدون سبيلاً شرعياً للتعبير عن أفكارهم ويخضعون لضغوط النُظُم الحاكمة ومُمارساتها التعسفية يجدون ملاذهم في الأفكار المتطرفة.
في مُقابل ذلك، طوّرت واشنطن ما سُمي بسياسة “ترويج أو دعم الديمقراطية”، والتي هدفت إلى حث دول العالم إلى تبنِّي مؤسسات نُظُم الحُكم الغربية، ومارس الرئيسان بوش وأوباما ضغوطاً على عديد من الدول لتغيير نُظُم حُكمها.
والآن وبعد عشرين عاماً، ماذا كانت حصيلة تلك السياسات الأمريكية؟
في أفغانستان، انسحبت القوات الأمريكية وحلفاؤها في أغسطس 2021 وعادت “طالبان” إلى الحُكم.
وفي العراق، أدى التدخُّل الأمريكي وفرض المُحاصصة الطائفية إلى حالة من التشرذم والسلاح المُنفلت وازدياد النفوذ الإيراني العدواني، ولم يكن من شأن سياسات مكافحة الإرهاب إنهاء نشاط التنظيمات المتطرفة، ولم تنجح أمريكا في تغيير نُظُم الحُكم حَسب مفهومها لترويج الديمقراطية، بل لم تؤسس في أي مكان حلت به قواتها أي نموذج ديمقراطي حسبما ادّعت أولا.
فماذا تبقَّى إذًا من حصاد أحداث 11 سبتمبر 2001؟!
نقلا عن العين الإخبارية