سياسة

بيع الوهم.. كيف وظّف الإخوان منظمات حقوقية لصالح أجندتهم؟


وثّق الموقع الرسمي للإخوان المسلمين معلومة اختراق النظام الخاص للجماعة، للحزب الشيوعي في محافظة الغربية بمصر، في النصف الأول من القرن العشرين، في مقال بعنوان “فرج النجار – المطارد الحر”.

كتب الموقع قصة عضو النظام الخاص في محافظة الغربية: “انتسب الحاج فرج، بتكليف من النظام الخاص، إلى الحزب الشيوعي في الغربية، وترقى فيه إلى أن أصبح الرجل الثاني (سكرتير الحزب الشيوعي بالغربية) على مستوى وجه بحري، وساهم بدور فعال في إفشال محاولة اغتيال الإمام البنا التي حاول أن ينفذها الحزب بتوجيه من الاتحاد السوفييتي.

وليس ذلك فحسب، بل أصبح حارساً خاصّاً للإمام البنا في بعض الأوقات، وكان قائماً على عملية تأمين الإمام البنا إلى عزبة عبد الله النبراوي، بعد أن حلت الجماعة في 28/12/1948م، إلّا أنّ الشيخ النبراوي اعتقل، وبعدها اغتيل الإمام البنا”.

قصة فرج النجار هي الأشهر التي يُستدلّ بها على سياسة جماعة الإخوان في اختراق المؤسسات التي قد تمثل خطراً على وجود التنظيم، المسألة التي دفعت الإخوان إلى اختراق وزارات التعليم، والثقافة، والنقابات المهنية، والاتحادات العمالية، في المنطقة العربية عموماً، بأشخاص لا ينتمون ظاهرياً إلى الجماعة، لكنهم أعضاء في تنظيمها السرّي.

من تلك الاختراقات، المتعلقة بمنظمات حقوقية وهمية، تنسب زوراً تقارير حقوقية يقال إنها ترصد انتهاكات حقوقية في دول عربية بعينها، ثم تعمل قنوات الجزيرة القطرية على توظيف تلك التقارير بالشكل الذي يخدم أهداف قطر وتركيا في المنطقة.

أحدثها تقرير حقوقي عن مصر نسبته قناة الجزيرة القطرية إلى ما يُسمّى “المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا”، ذكر التقرير أنّ مصر نفّذت إعدامات سياسية ضد بعض المعارضين، لكن لم يذكر التقرير أنّ الإعدامات التي تمّت بالفعل هي لأعضاء خلية إرهابية نفّذت عمليات قتل، وأنّ تلك الخلية تحاكم بالقانون المصري منذ 5 أعوام تقريباً!

لكن هل تدرك قناة الجزيرة القطرية أنّ “المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا”، فرع لمنظمة رئيسية في القاهرة بالاسم نفسه، “المنظمة العربية لحقوق الإنسان”، وأنّ فرع لندن تمّ تجميده بالفعل في بيان صدر في تموز (يوليو) 2013، بسبب شبهات في التمويل والسياسات؟

في البيان قرّر مجلس أمناء المنظمة العربية لحقوق الإنسان سحب اعتماد “المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا”، وإنهاء عضويتها وكافة أشكال العلاقة المؤسسية معها.

وكان مجلس أمناء المنظمة قد اتخذ قراراً بتجميد عضوية فرع لندن في 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2012؛ بعد فشل كلّ التدابير التي اتخذتها الأمانة العامة للمنظمة منذ العام 2009 لإصلاح أوضاع “المنظمة في بريطانيا” ورأب الصدع داخلها، وتوقف عدد من أعضائها السابقين عن إصدار بيانات غير مهنية وغير موضوعية عن التطورات في بعض البلدان العربية، وارتباط هذه البيانات بأهداف جماعات سياسية ومؤسسات إعلامية معيّنة، فضلاً عن شبهات بالفساد المالي.

المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، نشر دراسة بعنوان: “الإخوان ومنظمات حقوق الإنسان.. من يسيطر على من؟”، للباحث محمود بسيوني، رصدت اختراق العناصر الإخوانية للمنظمات الحقوقية، حيث أشارت الدراسة إلى أنّ الجماعة استخدمت‎ ‎ستة ‎تكتيكات‎ ‎لتطويق‎ ‎الحركة‎ ‎الحقوقية، هي:‏ ‎تأسيس‎ ‎منظمات‎ ‎تخضع‎ ‎لها‎ ‎ولا‎ ‎تتبعها‎ ‎تنظيمياً‎،‎ اختراق‎ ‎المؤسسات‎ ‎الحقوقية‎ ‎الدولية‎ ‎عبر‎ ‎عنصر‎ ‎من‎ ‎عناصرها‎،‎ ‎ابتزاز‎ ‎تلك‎ ‎المنظمات‎ ‎بمظلوميتها‎ ‎التاريخية، نسج العلاقات مع مؤسسيها ومديريها بما يسمح بتمرير المعلومات ‏التي يرغبون في إيصالها للرأي العام، مشاركة عناصرها بشكل مكثف في الاجتماعات الحقوقية الدولية سواء ‏في المجلس الدولي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أو تنظيم اللقاءات ‏مع أعضاء الكونغرس الأمريكي أو البرلمان الأوروبي، وأخيراً توفير التمويل لأنشطة بعض تلك المنظمات بهدف السيطرة على أجندة ‏عملها.

أكدت الدراسة أنّ الجماعة تمكنت من تسجيل عدد من ‏المنظمات الحقوقية، التي تتبع التنظيم بشكل غير مباشر في عدد من ‏الدول الأوروبية، وتحديداً مدينة جنيف بسويسرا، وهي مقرّ المجلس الدولي لحقوق الإنسان، ‏وأصبح لديها أنشطة عديدة تعقد داخل مقر الأمم المتحدة مستغلة وجود ‏عدد كبير من المنتمين للجماعة بدول الاتحاد الأوروبي وسهولة تسجيل ‏المنظمات الحقوقية، ثم حوّلتها إلى أدوات هجومية على الدولة المصرية ودعم ‏الجماعة سياسياً من خلال الملف الحقوقي واستغلالها أداة لمهاجمة ‏خصوم الجماعة، وأيضاً الترويج لها وتجميل وجه الجماعة وتصدير ‏صورة للمجتمع الدولي أنها جماعة مسالمة لا تستخدم الدين والعنف ‏لتحقيق أغراضها السياسية.

وأشارت الدراسة إلى استفادة الجماعة من علاقتها بدولة قطر، التي أسست منظمات تابعة لها ودعمت إنشاء منظمات أخرى تابعة للتنظيم الدولي، وهي “مؤسسة الكرامة ‏-سويسرا (تموّل من إمارة قطر، أسّسها عبد الرحمن، وتعمل في جنيف)”، “‏كوميتي فور جيستس ‏-سويسرا (وهي منظمة سويسرية يديرها الإخواني أحمد ‏مفرح، وتعمل على حماية ‏سجناء ‏جماعة الإخوان الإرهابية)، “المنبر المصري لحقوق اﻹنسان” وهي منظمة إخوانية أسّست في أوروبا، وتعمل ما بين أوروبا والولايات المتحدة، وتضمّ كلاً من الإخواني الحاصل على الجنسية الأمريكية “محمد سلطان” نجل القيادي الإخواني صلاح سلطان، ومعتز الفجيري أمين صندوق الشبكة اﻷوروبية المتوسطية لحقوق اﻹنسان، وتمّ اختيار مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق اﻹنسان بهي الدين حسن مستشاراً للمنبر”.

ومن هذه المنظمات: “مؤسسة عدالة لحقوق الإنسان –إسطنبول”، التي يديرها المحامي الإخواني محمود جابر، وتعمل من إسطنبول، وتحظى ‏بحماية من ‏النظام التركي، “منظمة السلام الدولية لحماية حقوق الإنسان- لندن”، ويديرها الإخواني علاء عبد المنصف، وتعمل على تدويل القضايا المتهم ‏فيها الإخوان وتحويلها إلى قضايا حقوقية”، و”مركز الشهاب لحقوق الإنسان –لندن”، يديره الإخواني خلف بيومي”، محامي إخوان الإسكندرية والمقيم في لندن ‏حالياً، وهي ‏مؤسسة تعمل على دعم سجناء التنظيمات الإرهابية.

ومنها أيضاً: “منظمة “ليبرتي” بلندن، ويديرها عزام التميمي، عضو التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وهي ‏المسؤولة ‏عن عمليات تقديم الإخوان وأفكارهم للمجتمع البريطاني منذ ‏التسعينيات‏، و”هيومان رايتس مونيتور –لندن، وتديرها الإخوانية سلمى أشرف عبد الغفار، وهي ابنة القيادي الإخواني ‏المدان في ‏قضية التنظيم الدولي والاستعراض القتالي لشباب الجماعة ‏الإرهابية بجامعة الأزهر ‏أشرف عبد الغفار‏، و”منظمة أفدى الدولية –بروكسل”، تأسست عام 2006، وتنشط في دعم جماعة الإخوان ‏ومؤسساتها في ‏أوروبا”، وأخيراً “الائتلاف الأوروبي لحقوق الإنسان –باريس” وتديره الإخوانية داليا لطفي الهاربة خارج مصر، وينشط الائتلاف بتمويل قطري في دعم الإخوان ‏في فرنسا ‏لدى مؤسسات حقوق الإنسان الدولية العاملة هناك، وفق الدراسة.

مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير محمد أنيس، يرى أنّ بعض المنظمات تحصل على ما يُسمّى صفة مراقب، لكنه شكّك أنّ أيّاً من تلك الجهات لها صلة قانونية أو تنظيمية بالأمم المتحدة.

وأضاف السفير محمد أنيس، في حديثه لـ”حفريات”: “عند مناقشة تقارير الدول في لجان الأمم المتحدة المتخصصة، مثل لجنة حقوق الطفل، من حقّ المنظمات غير الحكومية، في أيّ دولة في العالم، أن تقدّم تقارير يُطلق عليها تقارير الظل، وتلك مسألة معلنة، من قبل لجان الأمم المتحدة، من أجل تقديم تلك المنظمات تقاريرها الخاصة، على اعتبار أنّ مناقشة اللجان للتقارير الخاصة بالدول مسألة مفتوحة للجميع، وبها شفافية”، موضحاً: “من هنا قد يحدث اللبس عند تناول أخبار تلك المشاركات إعلامياً، فيظنّ البعض أنها صادرة عن الأمم المتحدة ولجانها”.

وأشار أنيس إلى أنّ الحكومة البريطانية أعدت، منذ عدة سنوات، تقريراً عن نشاط الإخوان في بريطانيا؛ “والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل تمّ تقديم المعلومات والوثائق الموجودة لدى مصر لهذه اللجنة أم لا؟ لذلك يجب أن يكون لدينا نحن أيضاً نشاط في متابعة مثل تلك المسائل وتقديم المعلومات”.

من جانبها، لفتت الحقوقية داليا زيادة، مديرة المركز المصري للدراسات الديمقراطية الحرّة، إلى أنّ “المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا” معروف عنها التمويل القطري، مضيفة في تصريحها لـ”حفريات”: “في تلك الحالة فمن الطبيعي أن تفسر تلك المنظمات أيّ فعل تجاه الإخوان أو أي إجراء يتخذ ضد الإخوان داخل مصر باعتباره إجراءً سياسياً، وستحاول أن تلبس الأمور على غير حقيقتها، مثلها في ذلك مثل منظمات أخرى وكبيرة، والمثال على ذلك مؤسسة “الكرامة”، و”هيومن رايتس ووتش”، و”منظمة العفو الدولية”، وفق زيادة.

وتوضح زيادة: “تلك المؤسسات، بالرغم من أسمائها الكبيرة، للأسف جعلت نفسها رهينة المال السياسي القطري، وأصبحت توجهات تلك المنظمات تعتمد تماماً على ما يمليه عليهم النظام القطري، ومن ضمن تلك الإملاءات، توجيه الاتهامات إلى دول بعينها، مثل، مصر، والإمارات، والسعودية، والادعاء طوال الوقت أنّ فيها انتهاكات لحقوق الإنسان، وفي المقابل لا تجد أيّ حديث عن تركيا، أو قطر، أو الدول التي فيها بالفعل انتهاكات لحقوق الإنسان”.

تستكمل زيادة: “هذه المنظمات أيضاً معروفة بالدفاع المستميت عن جماعة الإخوان، وتصويرها على أنها جماعة ليست دينية متطرفة، وإنّما تنظيم سياسي معارض داخل مصر، وأنهم يتعرّضون للاضطهاد، لأنهم يمارسون المعارضة السياسية، وليس لأنهم أصحاب فكر متطرّف، نفذ أعمال عنف بالفعل مثبتة وموثقة”.

نقلا عن حفريات

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى