بلع السكاكين بسبب اضطراب بيكا: قصة أمريكي حيرت الأطباء
في عام 1823، نُشر تقرير طبي من تأليف الطبيب البريطاني د. أليكس مارسيه بعنوان “رواية عن رجل عاش 10 سنوات بعد ابتلاعه عددا من السكاكين القابلة للطي”، مع وصف لما وجد في جسده بعد الوفاة.
وكما يُظهر العنوان، كان الرجل موضوع الدراسة هو البحار الأمريكي جون كامينغز، الذي أصبح شخصية مركزية في قصة غريبة ومرعبة عن ابتلاع السكاكين.
ومع أن العنوان يركز على سنوات بقائه على قيد الحياة بعد الحادثة، إلا أن القصة الحقيقية تتجاوز ذلك لتلقي الضوء على سلوك غير عادي نادرا ما يُرى في الحياة اليومية، وهو ابتلاع أشياء حادة وخطيرة.
بداية القصة: مغامرة انتهت بمأساة
ولقي البحار الأمريكي جون كامينغز حتفه في عام 1809 بمستشفى جايز في لندن بعد سنوات من المعاناة الجسدية بسبب تصرفه المتهور بابتلاع عشرات السكاكين.
وبدأت قصته عندما كان في إجازة مع أصدقائه في فرنسا، حيث شاهد عرضا ترفيهيا لابتلاع السكاكين.
بعد ذلك، وفي لحظة تحد وتهور، قرر كامينغز أن يثبت قدرته على تكرار الأمر، فابتلع سكينه الشخصي. لكن الأمر لم يتوقف عند ذلك، فقد شجعه أصدقاؤه على المزيد، ليبتلع في النهاية ثلاثة سكاكين أخرى.
ولم تكن هذه المرة الوحيدة التي يتحدى فيها كامينغز نفسه، فبعد ست سنوات، في بوسطن، ابتلع 14 سكينا أخرى استجابة لتشجيع الجماهير، وظلت بعض تلك السكاكين داخل جسده، بينما خرجت الأخرى بعد أسابيع.
تكرر هذا النمط من السلوك عدة مرات خلال حياة كامينغز، حيث ابتلع السكاكين وغيرها من الأدوات الحادة، مما أدى في النهاية إلى تدهور حالته الصحية بشكل كبير.
وفي عام 1808، تم إدخاله إلى مستشفى جايز حيث خضع للعلاج تحت إشراف الطبيب دكتور كوري، وعلى الرغم من محاولات العلاج، تدهورت حالته تدريجيا حتى وفاته في عام 1809 بسبب الهزال الشديد.
اضطراب بيكا: تفسير محتمل للسلوك الغريب
وتطرح تصرفات كامينغز سؤالا مهما: لماذا قد يقدم شخص ما على ابتلاع أشياء خطيرة كهذه؟ الإجابة قد تكمن في حالة طبية نادرة تُعرف باسم اضطراب بيكا.
واضطراب بيكا هو حالة نفسية تتميز برغبة غير طبيعية في تناول مواد غير غذائية، مثل الطين أو المعدن أو حتى الأجسام الحادة. يظهر هذا الاضطراب بشكل رئيسي عند الأطفال والنساء الحوامل، ولكن يمكن أن يصيب البالغين أيضا، خاصة إذا كانوا يعانون من نقص في العناصر الغذائية مثل الحديد أو الزنك، أو إذا كانت هناك مشاكل نفسية مثل القلق أو الاكتئاب.
في حالة كامينغز، وعلى الرغم من عدم وجود تشخيص دقيق في ذلك الوقت، إلا أن سلوكه يشير إلى نمط سلوكي قهري يشبه اضطراب بيكا. فقد كرر تصرفه في ابتلاع السكاكين عدة مرات على مدار سنوات، على الرغم من معرفته بالمخاطر الصحية الجسيمة التي تعرض لها.
الأضرار الصحية الناتجة عن سلوك كامينغز
تسبب ابتلاع السكاكين في أضرار بالغة لكامينغز، حيث عانى من ثقوب في المعدة والأمعاء، فضلًا عن نزيف داخلي تسبب في تدهور حالته الصحية بشكل تدريجي.
بعد وفاته، أجرى الأطباء تشريحا لجثته، حيث وجدوا 38 جسما معدنيا في أمعائه، معظمها أجزاء من السكاكين التي ابتلعها على مدار حياته.
هذا النوع من السلوك يعكس الطبيعة الخطيرة لاضطراب بيكا، حيث قد يؤدي ابتلاع أشياء حادة أو سامة إلى مضاعفات صحية خطيرة مثل انسداد الأمعاء، النزيف الداخلي، التسمم، وحتى الوفاة.
حالات مماثلة عبر الزمن
على الرغم من أن قصة كامينغز تظل واحدة من أكثر القصص شهرة فيما يتعلق بابتلاع الأجسام الحادة، إلا أنها ليست الحالة الوحيدة. على مر السنين، ظهرت حالات مشابهة لأشخاص يعانون من اضطراب بيكا ويبتلعون مواد غريبة مثل المعادن والزجاج. أحد الأمثلة الشهيرة هو شخص تم العثور في جسده على 78 شوكة وملعقة، بالإضافة إلى أغطية الملح والفلفل، وأكثر من 1000 جسم آخر.
هذه الحالة وغيرها تظهر مدى تطرف السلوك المرتبط باضطراب بيكا في بعض الأحيان.
العلاج والتدخل
يتطلب اضطراب بيكا تدخلا طبيا عاجلا لعلاج السلوك القهري ومنع حدوث مضاعفات صحية خطيرة. يعتمد العلاج عادة على تقييم الأسباب المحتملة للاضطراب، سواء كانت مرتبطة بنقص التغذية أو بعوامل نفسية. قد يشمل العلاج تناول المكملات الغذائية، مثل الحديد والزنك، إذا كان الاضطراب ناتجا عن نقص معين. كما يمكن استخدام العلاج السلوكي المعرفي لتعديل السلوكيات القهرية ومساعدة الشخص على إدارة الرغبة في تناول أشياء غير غذائية.
في حالة كامينغز، لم تكن هناك معرفة كافية باضطراب بيكا في ذلك الوقت، وربما كان بإمكان العلاج الحديث أن يساعد في تغيير مسار حياته المأساوية.