بعلاقته البرغماتية مع إسرائيل.. أردوغان يسقط هالة الزعامة
خطوة جديدة على طريق استئناف وتعزيز العلاقات الدبلوماسية قطعتها إسرائيل مع تركيا بعد سنوات من القطيعة بعد أن قدم السفير التركي الجديد شاكر أوزكان تورونلار اليوم الأربعاء أوراق اعتماده للرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ الذي وجه بدوره دعوة لنظيره التركي رجب طيب أردوغان لزيارة تل أبيب.
بينما يجد الأخير نفسه عالقا في مأزق بين ظاهر الزعيم الذي قدم نفسه لسنوات مدافعا عن القضية الفلسطينية. وبين الرئيس الذي يسعى لعلاقات براغماتية مع إسرائيل للتنفيس عن أزمته الاقتصادية وتخفيف جبهات المواجهة الخارجية قبل انتخابات رئاسية وبرلمانية ستكون باجماع المحللين، مصيرية له ولحزبه العدالة والتنمية.
وفي رحلة البحث عن الزعامة طيلة السنوات الماضية ذهب أردوغان إلى أبعد من مجرد الانتقادات باعلانه قطيعة دبلوماسية مع الدولة العبرية التي وصفها مرارا بأنها كيان ارهابي.
ووصف حكوماتها المتعاقبة بالمجرمة بمن فيها حكومة بنيامين نتنياهو السابقة لحكومة يائير لابيد، ليجد الرئيس التركي نفسه اليوم ملزما وفقا مقتضيات المصالح بالتعامل مع رئيس الوزراء العائد للسلطة (نتنياهو) بحكومة يمينية تعتبر الأشد تطرفا في تاريخ إسرائيل.
وفي رحلة العودة لعلاقات طبيعية، بدا أن الرئيس التركي يتخلى تدريجيا عن هالة الزعيم فأدار ظهره لحركة حماس. التي سارعت بدورها للعودة لحضن دمشق بعد عشر سنوات من القطيعة، وبدت مواقفه الداعمة للحقوق الفلسطينية أقل حماسة مما كانت في السنوات الماضية.
وشدد مرارا في الاشهر الأخيرة على أهمية تعزيز العلاقات مع إسرائيل وتطوير التعاون الاقتصادي في غمرة أزمة اقتصادية تمر بها تركيا. وعلى ضوء تحالفات تشكلت بين مصر وإسرائيل واليونان وقبرص بدفع من أنشطة تنقيب تركية في شرق المتوسط بعد اكتشاف مكامن ضخمة للنفط والغاز الأمر الذي فجر نزاعات لا تزال ترخي بظلال ثقيلة على العلاقات بين دول المنطقة.
ويقدم الرئيس التركي نفسه داعما قويا للقضية الفلسطينية، بينما يجد نفسه اليوم في مأزق بين دعم الحقوق الفلسطينية والحفاظ على مصالح بلاده مع إسرائيل. في حين بات يعتمد سياسة براغماتية أكثر لتنفيس الأزمة الاقتصادية وتخفيف جبهات المواجهة الخارجية. فيما يسعى كذلك لتعزيز حظوظه في الانتخابات الرئاسية المقررة مبدئيا في يونيو القادم.
وشهدت علاقة البلدين في العام 2008 تدهورا بعد عملية عسكرية إسرائيلية في قطاع غزة. وفي العام 2010، تم تجميد العلاقات في أعقاب مقتل عشرة مدنيين في غارة إسرائيلية على سفينة المساعدات التركية “مرمرة” والتي كانت جزءا من أسطول بحري حاول خرق الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع.
وعادت علاقة البلدين لتشهد مصالحة بين عامي 2016 و2018 لكن ما لبثت تركيا أن سحبت سفيرها وطردت نظيره الإسرائيلي. وكذلك القنصل العام في اسطنبول بعد مقتل حوالي خمسين فلسطينيا على يد الجيش الإسرائيلي في غزة. وردت إسرائيل بطرد القنصل العام التركي في القدس.
واستمرت الجهود الدبلوماسية لأشهر زار خلالها الرئيس الإسرائيلي تركيا قبل أن يعلن البلدان في أغسطس عودة العلاقات كاملة وكذلك السفراء.
وكان أردوغان المدافع عن القضية الفلسطينية قد انتقد في الماضي السياسات الإسرائيلية التي تمارسها حكومة بنيامين نتنياهو (1996-1999 و2009-2021) تجاه الفلسطينيين.
وقال هرتسوغ الأربعاء بعد مراسم أُقيمت في مقرّ إقامته في القدس “اليوم نستكمل خطوة مهمة. نصل إلى حدث آخر مهم في تعزيز علاقاتنا وتعميق الصداقة بين تركيا وإسرائيل”، وفق ما جاء في بيان.
ويأتي تعيين سفير تركي جديد لدى تل أبيب في سياق ترتيبات دبلوماسية سبقها قبول تركيا الشهر الماضي اعتماد أوراق السفيرة الإسرائيلية الجديدة لدى أنقرة إيريت ليليان. وهي التي شغلت لسنوات قائمة بأعمال السفير الإسرائيلي في فترة التوترات السابقة بين البلدين. وتعتبر الخطوات المتبادلة مؤشرا جديدا على تحسن العلاقات بين البلدين في الآونة الأخيرة.
وصار هرتسوغ الذي يعتبر منصبه شرفيا إلى حد كبير، العام الماضي أول زعيم إسرائيلي يزور تركيا منذ 2008، وذلك بعد أن بدأ البلدان في استعادة العلاقات وإنهاء خلاف دبلوماسي دام أكثر من عقد.
واتفقا في أغسطس الماضي على أن يعين كل من البلدين سفيرا لدى الآخر. واتفق هرتسوغ وأردوغان على مواصلة تحسين العلاقات بعد فوز رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الانتخابات في نوفمبر الماضي.
وقال الرئيس الإسرائيلي “أنا متأكد من أننا سنعمل جميعا على تعزيز العلاقات بين البلدين”، لكن عودة نتنياهو إلى السلطة على رأس حكومة قومية دينية في ديسمبر الماضي أثارت قلق الفلسطينيين وحلفاء غربيين والعرب الذين يخشون أن يؤدي ذلك إلى تصعيد التوتر في الشرق الأوسط.
وانضمت تركيا الأسبوع الماضي إلى قائمة المنددين بزيارة وزير الأمن الوطني الإسرائيلي الجديد المنتمي لليمين المتطرف إيتمار بن غفير حرم المسجد الأقصى.
وتأتي مراسم الأربعاء بعد أقل من أسبوعين على أداء الحكومة الإسرائيلية الجديدة بزعامة بنيامين نتنياهو اليمين الدستورية. وكان أردوغان قد هنأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بفوزه في انتخابات الأول من نوفمبر الماضي رغم توتر العلاقات بينهما سابقا.
ومع ذلك انتقدت أنقرة الحكومة الإسرائيلية الجديدة التي يسيطر عليها اليمين المتشدد كما وصفت زيارة وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير للمسجد الأقصى في القدس الشرقية بأنها “استفزازية”.
وأثارت زيارة بن غفير باحة المسجد ردود فعل منددة عربيا وإسلاميا. والمسجد الأقصى هو بالنسبة للمسلمين أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين بعد مكة المكرمة والمسجد النبوي في المدينة المنورة. أما اليهود فيطلقون عليه اسم جبل الهيكل وهو أقدس موقع في ديانتهم.