بايدن والسعودية
دار وفد عسكري أمريكي رفيع على مواقع سعودية على البحر الأحمر وفي الداخل، ضمن خطته للتوسع العسكري في المنطقة، وسيطلب من الرياض موافقتها بالوجود هناك.
ولو حدث ذلك قبل، لقيل إنها من مشاريع ترامب الاستثمارية. إنما توقيتها وتوقيت المناورات العسكرية المشتركة الحالي يكفيان للرد على من يعتقد أن العلاقة السعودية الأمريكية ستنحدر بتسلم جو بايدن الرئاسة، ويظن أن الرياض محاصرة. الأهمية متزايدة طالما أنَّ على رأس أولويات السياسة الأمريكية العليا منافسة الصين، والطاقة، والتسلح النووي، والإرهاب. جميعها تحتاج إلى التعاون إقليمياً مع دولة مثل السعودية. هذه هي الاعتبارات الحقيقية المحركة للعلاقة، وليست الخلافات الإعلامية والتصريحات المقتبسة للمسؤولين الأمريكيين.
ومهم أن أقرّب أنه من المبكر أن نحكم على سياسة الرئيس الجديد، رغم كثرة وسرعة قراراته، وتصريحات إدارته في الأسابيع القليلة الماضية، عن المنطقة عموماً، والرياض تحديداً.
أبرزها تحركاته حيال أزمة اليمن. ويمكن أن تُقرأ من زوايا متباينة، في رأيي، أنها أفضل بداية في أصعب ملف بين البلدين. بايدن فاجأنا عندما تعهد بحماية السعودية من هجمات الحوثيين الإيرانيين، خطوة متقدمة حتى بمقاييس إدارة ترامب السابقة. في المقابل، جدَّدت الرياض استعدادها للقبول بالحل السلمي. وعيَّن بايدن مبعوثاً خاصاً إلى اليمن، مثلما كان لترامب مبعوثه من قبل.
خلال الفترة القصيرة المقبلة نتوقَّع أمراً من اثنين، إما أن يتوقف الحوثيون عن استهداف المدن السعودية، وهذا تطور إيجابي سيسهم في تعبيد الطريق إلى حل سياسي، أو أن يعاودوا إرسال صواريخهم ودروناتهم عبر الحدود، لترد وتعبر مقاتلات إف – 15 السعودية إلى الجهة الأخرى. في الحالة الثانية، أي خرق الحوثيين الهدنة الأمريكية، حينها واشنطن ستصبح طرفاً في المعركة، بحكم التزامها، وسيكون للرياض مبرراتها لاستئناف الرد على العدوان. في أي من الحالتين، تكون السعودية قد تجاوزت خلاف الملف اليمني. طبعاً، لا نشك في أن الحوثيين مجرد دمية في يد نظام آية الله في طهران، مثلهم مثل «حزب الله» في لبنان، وطهران التي ستقرر الهدنة أو الحرب.
ماذا عن التعاون العسكري بين السعودية والولايات المتحدة، الذي يبدو أنه سيتوسع؟ أولاً، عندما ينتقد البعض مفهوم الحماية الدفاعية، والتعاون العسكري مع الغرب، فإنهم يتناسون أن هذه طبيعة التحالفات الدولية، فمظلة الحماية العسكرية الأمريكية مثلاً تغطي أوروبا الغربية منذ الحرب العالمية الثانية، ولا تزال حتى هذا اليوم ضد روسيا، والحماية العسكرية الأمريكية كاملة لليابان.
عودة إلى الحزب الديمقراطي الفائز، لا شك أن حملات الديمقراطيين على السعودية كانت الأسوأ على الإطلاق في تاريخ العلاقة بين البلدين. في السنوات الخمس الماضية دأب أعضاء في الحزب على انتقاد الرياض، منذ الخلاف على اتفاق واشنطن النووي مع إيران، والحرب في اليمن، والوقوف مع مصر بعد سقوط نظام «الإخوان»، ومنذ أن اختار ترامب الرياض بوصفها أول محطة يزورها بعد انتخابه، استخدم الديمقراطيون السعودية كرة في الهجوم عليه، وتسييس قضية خاشقجي واحدة ضمنها. لكن الديمقراطيين، وهم اليوم في الحكم، لا يجهلون أهمية حلفاء لهم مثل السعودية. الأسباب عميقة عمق المصالح. ويدركون أن السعودية تغيرت مع التغييرات الكبيرة التي أدخلها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. النظام السياسي أصبح أقوى، والدولة أكثر حيوية ونشاطاً وأهمية. أيضاً، يدرك الأمريكيون أنه منذ نهاية الحرب الباردة، أصبحت دول المنطقة قادرة على توزيع علاقاتها الدولية وفق مصالحها.
ماذا عن تصريحات واشنطن حول شطب الحوثيين من قائمة الإرهاب ووقف الدعم العسكري للسعودية، والتدخلات في الشؤون الداخلية؟ غداً نستكملها.
نقلا عن الشرق الأوسط