انفتاح أثيوبيا على البحر الأحمر يُشعل توترا إقليميا
أشعلت الاتفاقية التي وقعتها اثيوبيا مع أرض الصومال والتي حصلت بموجبها الدولة الافريقية الحبيسة على منفذ للبحر الأحمر، توترات بين أديس أبابا ومقديشو وقلقا أيضا لدى دول الجوار الإقليمي بالنظر إلى الأهمية الإستراتيجية لميناء بربرة.
والاثنين الماضي، تم توقيع مذكرة تفاهم بين رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد ورئيس أرض الصومال موسى بيحي، ينص على موافقة الأخيرة تأجير أكثر من 12 ميلا من الوصول البحري في ميناء بربرة لمدة 50 عاما، للبحرية الإثيوبية للاستغلال العسكري والتجاري.
وفي المقابل تعترف إثيوبيا رسميا بأرض الصومال كدولة مستقلة وهي خطوة قال عنها بيحي إنها ستشكل “سابقة كأول دولة تقدم الاعتراف الدولي لبلدنا”. كما ستحصل أرض الصومال أيضا على حصة في الخطوط الجوية الإثيوبية المملوكة للدولة.
وهذه المذكرة التي تأتي بعد قرابة 6 سنوات من اتفاق أولي بين الطرفين تم إلغاؤه لاحقا، أثار إدانات من الصومال في وقت يشعر فيه جيران آخرون بالقلق بشأن السماح بالوصول البحري المحتمل إلى البحر الأحمر من جانب أثيوبيا.
وأرض الصومال أو “صومالي لاند” لا تتمتع باعتراف رسمي منذ إعلانها الانفصال عن الصومال عام 1991، باعتبارها كيانا مستقلا عن الصومال إداريا وسياسيا وأمنيا.
وجاء الاعتراض الأكبر من الصومال، حيث عقدت حكومة رئيس الوزراء حمزة عبدي بري اجتماعا طارئا الثلاثاء الماضي لمناقشة الصفقة التي اعتبرتها غير مشروعة وانتهاكا للسيادة الوطنية.
ووصفت الحكومة الصومالية مذكرة التفاهم بأنها “باطلة ولاغية” وطلبت من الاتحاد الإفريقي ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عقد اجتماعات بشأن هذه القضية كما استدعت الصومال سفيرها لدى إثيوبيا لإجراء مشاورات عاجلة.
ووفق تحليل لصحيفة نيويورك تايمز، فإن إريتريا ومصر ستشعران بالقلق أيضا من وجود إثيوبيا البحري الكبير في البحر الأحمر وخليج عدن الاستراتيجيين.
ومصر واحدة من دول رئيسة على ساحل البحر الأحمر وتملك عدة موانئ تجارية ونفطية، تعتبر أحد مصادر الدخل الأجنبي، فيما يعد استغلال أثيوبيا لميناء بربرة بوابة تنافس مع مصر في صناعة الخدمات اللوجستية البحرية.
وفي جيبوتي التي تتقاضى من إثيوبيا حوالي 1.5 مليار دولار سنويا لاستخدام موانئها، يقول التحليل إن فقدان هذا الدخل قد يؤدي إلى عدم استقرار البلد الذي يرأسه إسماعيل عمر جيله.
أما الصومال، فإن ميناء بربرة يعتبر أحد أفضل المواقع الجغرافية للتطوير وتحويله إلى أحد أهم مصادر الدخل للبلد الفقير، خاصة مع عدم توفر موانئ بنفس الميزات التي يحظى بها ميناء بربرة.
وإثيوبيا اليوم هي “دولة حبيسة” لا تطل على أية واجهة بحرية، إذ تحدها من الغرب كينيا وجنوب السودان ومن الجنوب الصومال ومن الشرق جيبوتي وإريتريا ومن الشمال والشمال الغربي السودان.
وفقدت إثيوبيا وهي ثاني أكبر دولة في إفريقيا من حيث عدد السكان، قدرتها على الوصول إلى البحر عندما انفصلت إريتيريا عنها وأعلنت استقلالها عام 1993. ومنذ ذلك الحين، اعتمدت إثيوبيا على جيبوتي في التجارة الدولية، حيث يمر أكثر من 95 بالمئة من وارداتها وصادراتها عبر ممر “أديس أبابا – جيبوتي”.
ووفق بيانات للبنك الدولي، فإن الرسوم البالغة 1.5 مليار دولار سنويا التي تنفقها إثيوبيا لاستخدام موانئ جيبوتي هي مبلغ ضخم بالنسبة لدولة وجدت صعوبة في خدمة ديونها الكبيرة.
ولسنوات سعت الحكومة الإثيوبية إلى تنويع محاولات الوصول إلى موانئ بحرية، بما في ذلك استكشاف الخيارات في السودان وكينيا. وفي 2018، وقعت صفقة للاستحواذ على حصة 19 بالمئة في ميناء بربرة قبل إلغاء الاتفاق.
وقد لا يبدو الحصول على منفذ بحري طوله 20 كلم أمرا كبيرا، لكنه حيوي بالنسبة لدولة حبيسة مثل أثيوبيا التي تبحث عن موارد مالية من أجل بقائها فهي من حيث عدد السكان أكبر دولة في العالم لا تملك ساحلا.
وفي تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، فإنه وبعيدا عن المنطقة، تنظر الصين إلى الصفقة بين أرض الصومال وأثيوبيا بعين الاهتمام، فقد تلقت أرض الصومال مساعدة من تايوان بينما تدعم بكين دولة الصومال.
وتقيم تايوان علاقات دبلوماسية مع أرض الصومال، إذ بدأ التقارب بينهما في سنة 2020، وهو ما أثار سخط جيرانهما الكبار، فكلاهما غير معترف به دوليا.
ودافعت الحكومة الإثيوبية الأربعاء عن الاتفاق المثير للجدل، مؤكدة أنه لا ينتهك أي قانون بعد أن اعتبرته مقديشو “اعتداء” سافرا على سيادتها، بينما يثير الاتفاق الذي تم توقيعه في أديس أبابا الاثنين مخاوف بشأن استقرار منطقة القرن الإفريقي المضطربة.
وشارك مئات الأشخاص في تظاهرة في مقديشو للتنديد بالاتفاق الذي يمنح إثيوبيا، إحدى أكبر الدول غير الساحلية في العالم، منفذًا على البحر الأحمر لطالما سعت إليه.
ودافعت أديس أبابا عن الاتفاق قائلة إن دولا أخرى أبرمت صفقات مع أرض الصومال في الماضي، لكن الجامعة العربية ومصر قالتا إنهما تؤيدان موقف الصومال، فيما أعربت الهيئة الحكومية للتنمية بشرق إفريقيا (إيغاد) وغيرها من المنظمات عن “قلق بالغ” إزاء التطورات. وشدد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على ضرورة احترام سيادة الصومال.
وتعهدت الحكومة الصومالية بالدفاع عن وحدة أراضيها “بشتى الوسائل القانونية الممكنة” ودعت إلى اجتماع عاجل لمجلس الأمن الدولي وللاتحاد الإفريقي لبحث “العدوان” الإثيوبي.
وأعلنت أرض الصومال المحمية البريطانية السابقة البالغ عدد سكانها 4.5 ملايين شخص، استقلالها عن الصومال عام 1991، لكنها لم تنل اعتراف الأسرة الدولية وتواجه معارضة شرسة من مقديشو، بينما لا تمارس الحكومة المركزية في الواقع سلطة تذكر على شؤون المنطقة التي لديها دستورها الخاص وحكومتها وعملتها وقواها الأمنية الخاصة.
وفيما تنعم أرض الصومال بالاستقرار إلى حد كبير، شهدت الصومال عقودا من الحرب الأهلية وأعمال العنف التي تنفذها حركة الشباب المتشددة المرتبطة بتنظيم القاعدة.
أعربت إيغاد عن “قلقها العميق” إزاء تطور العلاقات بين الصومال وإثيوبيا وحثت الجارتين على “التعاون من أجل التوصل إلى حل سلمي وودي للوضع”.
لكن الحكومة الصومالية انتقدت رد فعل إيغاد قائلة إنه “لا يصل إلى حد إدانة الحكومة الإثيوبية لانتهاك سيادة الصومال ووحدة أراضيه”.
أما مصر التي تختلف مع إثيوبيا بشأن مشروع سد النهضة الضخم الذي تبنيه على النيل الأزرق، فشددت وزارة خارجيتها على “ضرورة الاحترام الكامل لوحدة وسيادة جمهورية الصومال الفدرالية الشقيقة على كامل أراضيها ومعارضتها لأية إجراءات من شأنها الافتئات على السيادة الصومالية، مشددة على حق الصومال وشعبه دون غيره في الانتفاع بموارده”.
وحذّرت الخارجية المصرية في بيان من “خطورة تزايد التحركات والإجراءات والتصريحات التي تقوض من عوامل الاستقرار في منطقة القرن الإفريقي وتزيد من حدة التوترات بين دولها”.